تتوفر على مؤهلات اقتصادية هائلة: معيقات متعددة الأوجه تحول دون تحقيق القفزة التنموية المنشودة بجهة بني ملال – خنيفرة

 

ارتفعت ، خلال الأشهر الماضية، الصرخات الاحتجاجية في أكثر من مدينة بالجهة، بلغت حد تنظيم وقفات ومسيرات ضد ارتفاع أسعار البضائع والسلع ، وتم رفع شعارات مضادة للسياسات المتبعة والتي زادت من تأزيم أوضاع الطبقات الشعبية.

قطب بفرص هائلة

يحدث هذا رغم أن جهة بني ملال-خنيفرة تعتبر كقطب للفرص الاقتصادية الهائلة والمتنوعة ومنطقة جذب للعديد من المستثمرين وسط محور جغرافي مهم (مراكش، الدار البيضاء، فاس) يضم حوالي 20 مليون مستهلك ومؤهلات طبيعية وفلاحية جهوية كفيلة بتحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي، والإسهام في الناتج الداخلي الوطني بمعدل 18,6 بالمائة من خلال توفر القطاع الفلاحي على مليون هكتار منها 200 ألف هكتار مساحة مسقية بمعدل 14% من مجموع المنتوج.
إن جهة بني ملال خنيفرة لا تحتاج فقط إلى الاستنفار المحدود النتائج في الزمان والمكان، رغم ما يحققه من بعض النتائج المستحبة للأساليب الرادعة والزجرية للمخالفات التي يتم ضبطها من طرف اللجن المختلطة ، خاصة تلك التي تشرف عليها الأقسام الإقتصادية بمختلف عمالات وأقاليم الجهة، والتي بلغت في بعض القطاعات التجارية كبيع اللحوم غير المراقبة وغير الخاضعة للمعايير السليمة للذبح، إلى عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية. في حين» تم ترك الحبل على الغارب «في تجارة أخرى لا تقل خطورة على صحة المستهلك وسعرها الخارج عن ما تحدده الدولة، إضافة إلى كونها تجارة تستوجب شروط ضمان طراوة وجودة، وذلك ما يعتبر أكثر خطورة من الذبيحة السرية.والأمر هنا يتعلق بتجارة الأسماك ذات الطبيعة السهلة التحلل السريع في تركيبتها الغذائية لتوفرها على مادة الهيستامين السريعة التحول والتحلل إلى مادة سامة كلما ارتفعت نسبتها عن المعدل المقبول علميا. وهو ما يحدث كلما تم تخزين ونقل الأسماك بطرق لا تخضع لمعايير السلامة الصحية من حيث الاحتفاظ به من المنشأ إلى نقط البيع، مرورا عبر طريق التخزين والتبريد. ولعل ما يثير الاستغراب هو الموقف السلبي تجاه إحداث أسواق عشوائية موازية لسوق الجملة المعتمد من طرف الدولة كمؤسسة منظمة ومشرفة على تجارة وتسويق المنتوج السمكي (سوق حي الهدى للجملة العشوائي على سبيل المثال)، وذلك ضدا على القوانين المنظمة للمجال التجاري، وضدا على المقررات الجماعية المتخذة، وكذا توصيات ولاية الجهة، وضدا على الأهداف الاقتصادية الكبرى في حماية المستهلك والرفع من مستوى ومعدلات استهلاك السمك في ظروف سليمة بالمناطق الداخلية من المملكة.
وضع يدفع لطرح السؤال من طرف جمعية المجتمع المدني وحماية المستهلك» لماذا لا تتحرك السلطات المحلية والمصالح الأمنية لمحاربة هذا السوق الموازي العشوائي وبعض التجار بالجملة، والذين يسعون لنسف جميع المجهودات المبذولة في هذا الصدد؟
في السياق نفسه، نشير إلى إحداث المطار الدولي لبني ملال على مساحة إجمالية قدرها 170 هكتارا منذ سنة 2014 ، وبقي يقتصر نشاطه على رياضة القفز بالمظلات فقط ولم يساهم سوى في الرفع من عدد أيام المبيت السياحي بالمدينة، مقابل ما تم صرفه من أموال عامة خصصت لتحقيق دينامية أكثر ونجاعة أفضل لمناخ الاستثمار بالجهة، علما بأن الأفق المستقبلي للاستعمال في مجال الملاحة الجوية، تبقى مؤشراته جد محدودة، وسوف يتم استغلاله من طرف شركة إيرلندية خلال شهر أكتوبر المقبل ، بعد أن عرف نشاطه شللا تاما منذ 2018.
أما عن قطب الصناعات الغذائية الفلاحية، فقد جاء كدعامة وقيمة اقتصادية مضافة لكونه يستجيب لما تزخر به الجهة من مؤهلات فلاحية تهم جل السلاسل، بل هناك سلاسل ريادية تتطلب تأهيل وتثمين المنتوجات وتحويلها صناعيا بجودة غذائية بمعايير دولية، كما اعتبر القطب رافعة لجذب الاستثمارات وتشجيعها والرفع من ديناميتها..
ويشمل القطب مكونات أساسية لتحقيق الأهداف الكبرى التي أحدث من أجلها كقطب للجودة الغذائية على مساحة 2,63 هكتار و03 مختبرات تابعة لكل من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والمعتمد من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي وموروكو فودكس، وفضاء استقبال ومركز للإيواء… وبلغت تكلفة الاستثمار في القطب الفلاحي العمومي منذ سنة 2014 ، 920 مليون درهم على مساحة تقدر ب 208 هكتار مقسمة إلى 963 بقعة تتراوح مساحتها الصافية بين 900 و1000 متر مربع، ويقع المشروع على بعد أزيد من 06 كلم بالمدخل الجنوبي لمدينة بني ملال، بتوقعات اقتصادية مهمة تصل إلى 150.000 منصب شغل وجلب استثمارات قد تصل إلى 3 مليارات درهم مع تثمين 17 منتوجا فلاحيا جهويا ، والذي تبقى معدلاته متواضعة جدا مثل تثمين الحوامض والذي لا يتعدى معدله 16% وسلسلة اللحوم في حدود معدل 18% . وظلت معدلات تثمين سلسلة الخضر والفواكه لا تتعدى 10%، إضافة إلى منتوج السمسم والذي يتم إنتاج 95% من المنتوج الوطني…
ويبقى طموح مبادئ التأسيس والإحداث رهينة بمدى وتيرة تثمين المنتجات الفلاحية بكل أصنافها وخاصة المجالية منها، وتطوير قطاع الصناعات الغذائية من خلال إدماج الإجراءات المواكبة وجعلها أكثر ملاءمة لمصادر وتكلفة الإنتاج الفلاحية بالموازاة مع مراحل تصنيعها وتحويلها وتسويقها، واحتضانها من طرف القطاعين العام والخاص.

في انتظار التأهيل الناجع

بالرغم من جعل قضية تأهيل وتطوير هذا القطب في صلب اهتمامات الجهات الوصية، وذلك بوضع عدة دعامات لجلب الاستثمارات، وخلق مناخ سليم وشروط تفضيلية وتحفيزية تروم تحقيق رجة استثمارية للقطب، فإن اللجنة الجهوية للاستثمار من خلال التدابير التي اتخذتها مثل إعانات ودعم يصل إلى 30% من القيمة الاستثمارية للمشاريع المرتبطة بالصناعة الغذائية، إضافة إلى مساهمة الجهة في اقتناء العقار من خلال دعم تكلفة الاقتناء بـ 50 % من السومة الإجمالية للعقار من طرف الصندوق الجهوي لدعم وإنعاش الاستثمار بالقطب، بمبلغ 200 درهم للمتر المربع، تنضاف إلى مساهمة الجهة في إنجاز البنيات التحتية بهذا القطب، بقيمة 20 مليون درهم في مرحلة أولى، فإن الأرقام المعلن عنها سابقا رغم المضامين المشجعة للاستثمار بدفاتر التحملات للمشاريع التي تمت دراستها والمصادقة عليها من طرف اللجنة الجهوية للاستثمار على امتداد السنوات الأولى، تبقى مؤشراتها تتطلب مقاربات جديدة تبتغي بالأساس التشخيص الدقيق والمبني على دراسات علمية جادة ذات مصداقية على أرض الواقع، والإستغلال المثمر للمؤهلات عبر إذكاء روح المبادرة والذكاء الاقتصادي المندمج بعيدا عن الاستثمار الريعي وهدر زمن التنمية المحلية والجهوية، وهو الأمر الذي يفرض على الجميع مساءلة الأرقام الأولى للمشروع منذ بدايته سيما القيام بقراءة متأنية لها خاصة حجم الاستثمار الذي لم يتعد حدود 20% باستغلال جزئي أولي من الشطر الأول من العقار المخصص له في حدود 108 هكتارات من أصل 208 هك المخصصة للمشروع برمته، ومن جهة لا تقل أهمية من حيث ضرورة التوجه بالتفكير نحو الرفع من وتيرة الدينامية الاستثمارية للمشروع في إطار مخطط جهوي استراتيجي يراعي الحياة العقارية للقطب ، وذلك بتخليق المجال المحيط به مع تكثيف سبل الولوجيات والطرق والمحاور المؤدية للقطب، وخلق مشاريع مهيكلة مجاورة ذات بنيات استقبال اقتصادية واجتماعية وسياحية مؤطرة لمجمل الاستثمارات المحتملة وللأراضي المتاخمة له.


الكاتب : حسن المرتادي

  

بتاريخ : 14/03/2023