تحويمة حول ابتداع الألقاب وابتكار التنكرية على مواقع التواصل الاجتماعي

 

إذا كان الوعي الثقافي في ابتداع الألقاب وابتكار الاستعارات والصفات التنكرية في التجربة الشعرية والأدبية عموما مسلكا حقيقيا وناضجا، يتلمسه المبدع خوفا من الرقابة، الدينية أو الاجتماعية والسياسية، حيث يلتجئ الكاتب المبدع بحساسية مرهفة إلى اختيار رمز أسطوري أو أيقونة تراثية أو لوغو حداثي يميزه، كقناة لتصريف أفكاره وقناعاته، ويجعل منه رجلا أسلوبا متفردا يسهل تصنيفه، هضمه والتفاعل معه فنيا وإبداعيا، فإن الأمر على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي مختلف تماما، حيث تبرز الاختيارات بدافع ماكر ومخادع منذ الوهلة الأولى ومنطق النصب والاحتيال في غالب الأحيان.
ومن اللافت الإشارة هنا إلى أن الهدف من استعارة الأسماء والرموز يكون لدى المثقفين بدافع الجهر بما يعتقدون أنه الحقيقة، وكشف اختلالات تدبير الشأن الاجتماعي التي تخشى منها الأنظمة المستبدة، وفي أحيان كثيرة يكون الدافع اجتماعيا، بمعنى شبهات الرابط العائلي أو التملص من صفة قرابة عائلية. على أن يظل الخوف من جبروت السلطة والرقابة الدينية والسياسية والمجتمع، إضافة إلى البحث عن توسيع هامش الحرية في مجتمع مسيج أمنيا، والباحث عنها مطارد إلى ما لا نهاية، هو ما يبرر في النهاية استعارة الأسماء والاختفاء وراء الصفات والألقاب المستعارة منذ أقدم العصور.
كما نعثر على نفس التقليعة في مجال الصحافة والإعلام حيث ينشط صحفيون وصحفيات خلف أسماء مستعارة، ضدا على الرقابة وكتم أصواتهم من قبيل السلطات المستبدة وأنظمة الحكم الشمولية، أو اتقاء شبهة الاتهام بالزندقة من قبل رجال الدين والمتاجرين به من جهة، أوفي مواجهة الإعلام عندما يكون في قبضة الجيش، أو السلطة التنفيذية في يد رجال الدين، حيث يكون للإفتاء الصوت الأعلى، أو رزوح الإعلام تحت استبداد الطائفية من جهة ثانية. لكن السبب الأكثر إقناعا هو محاولة رفع منسوب الدخل المادي للكاتب الصحافي، لاسيما في ضوء قوانين الصحافة والنشر التي تمنع الصحفي من الكتابة في منابر متعددة ما يجعله يستعير إسما مختلفا يضمن له دخلا إضافيا.
لكن الأمر مختلف تماما على مواقع التواصل الاجتماعي التي يلتجئ إليها الأفراد من مختلف الأعمار والأهواء والأمزجة، ليس بقصد التنفيس عن إخفاقاتهم النفسية المتوالية، وتبرير فشلهم المجتمعي القهري في مواجهة طوفان الغدر ووساوس الانتقام، أو لكشف عاهات العلاقات الشرعية الوهمية، وغير الشرعية وإعلان جداول الصداقات والقوائم الملغومة، والانفلات من شرنقة الزواج العرفي، وشغف العلاقات الرضائية، فحسب، بل ولإبراز قدراتهم الشخصية ومهاراتهم الإبداعية في تقديم الخدمات بدرجات متفاوتة الجودة والجاذبية، إلى غير ذلك مما تمطرنا به موجات الموضة الكاسحة وتقليعات نجوم التلفزيون عبر المسلسلات التركية والمكسيكسة والعربية عموما.
ومن الملاحظ أن مثل هذه الصفات والألقاب التنكرية التي تبرز من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تصمد طويلا سواء بالنسبة للإناث أو الذكور، إذ سرعان ما تغير الوجهة في زمن قياسي من 60 إلى 180 درجة، من الوفاء إلى الخيانة، ومن الثقة إلى الغدر، ومن الالتزام إلى الانتقام، ومن الحب إلى الكراهية، حيث نجد»الحاقدة على العالم أميرة الظلام، المنتقمة أبدا، أونتا والزمن طويل، مخدوعة حبها، الويل للخونة، ملكة في دولة الأحزان، الناعمة الناقمة… وقد يعثر الباحث على أسماء وصفات متشابكة المعاني، مختلطة المفاهيم، مبعثرة تائهة وضالة ممزوجة بلغات ولكنات غير متجانسة.
لذلك، سنجد لاحقا، في مقابل هذه التراتبية الأخلاقية الثلاثية الأبعاد والموسومة بالتنكرية على مواقع التواصل الاجتماعي، نظيرا سلبيا لها، يتناسب وروح المحتوى القيمي الاجتماعي من زاويته الإيجابية. حيث تستمر هذه الشخصيات النكرة، في لعب أدوارها التواصلية، وفي حالات كثيرة تنجح في إقناع الآخر بهذه الصفات والألقاب الهلامية ويتم قبول طلب صداقتها على الفايسبوك لأسباب يطول شرحها. منها على سبيل الذكر طلب مساعدة طلب تعبئة إلى غير ذلك. وينصح الكثير من نشطاء التواصل الاجتماعي بعدم الدخول في جدل أو أي نوع من يتفاعلون بأسماء مستعارة لأن الجدل سيكون عقيما بكل المقاييس.
لكن هذه الصفات سرعان ما تغير جلدها بعد فترة قصيرة، حيث تصبح أميرة زوجها، خائنة زوجها. قيصرة زوجها، مهملة زوجها. مجنونة عشقها، متعددة العشاق. كبيرة بزواجها، صغيرة من لم تتزوج. معشوقة زوجها، مجرد زوجة بلا عشق. مغيارة زوجها، حزمة نكد لزوجها. مطيعة خطيبها، مهملة خطيبها. زهرة حبيبها، شوكة لحبيبها، وهكذا دواليك.
الأمر الذي يوحي بأن هناك زوجة رقم 1-2-3 أو عاشقة أو خطيبة بنفس التراتبية الأخلاقية من الصنف الرفيع، في مواجهة صفات وألقاب أخرى منحطة وغير جديرة بالاهتمام، أو بصيغة أخرى، هناك الزوجة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهناك العشيقة أو الخطيبة بنفس التراتبية الأخلاقية.
ومن اللافت جدا في هذه الصفات، التي يصر البعض على استخدامها تحت مبررات مختلفة، وإطلاقها في عملية التواصل الاجتماعي مع الآخر، تحاول أن تقنع العالم الافتراضي بالتركيز على طبيعة شخصيتها وما يمكن أن توحي به من تعاطف وتفهم أو لدعم وإشفاق، وليس على ما ستقدمه من أفكار وتدوينات ولغة وأساليب، بمعنى لأن الرسالة مختزلة في التعريف بالصفة، واجتذاب التعاطف معها، أما الباقي فمجرد تنويعات.
فمن حيث المبدأ، فإن الاسم المستعار هو اسم وهمي لإخفاء الهوية الحقيقية يستخدمه شخص ما بسبب خوف أو جبن أو جرأة أو تنمر بغرض إخفاء هويته الحقيقية، وذلك خوفا من التعرض لاعتداء أو عند الجهر برأي جريء لا يتفق معه غالبية المجتمع.
ونقتطف من مقال نشرته جريدة الإمارات اليوم عددا من الأسماء المستعارة في تاريخ الأدب العربي، فمنهم من اختار اسمه بنفسه، ومنهم من اختاره له الناس، حتى طغت بعض الألقاب على الاسم الحقيقي للكاتب أو الشاعر.
من الشعراء الذين غلب اللقب عليهم، «همام بن غالب أو الفرزدق»، الشاعر «مسلم بن الوليد الذي لقّب بـصريع الغواني»، والشاعر «عبدالسلام بن رغبان الحمصي الذي لقّب بـديك الجنّ»، وتشارك معه بعدها بالاسم الشاعر المصري محمود صفوت الساعاتي والشاعر اللبناني سمعان نصر، أمّا الأديب المصري أحمد زكي فتسمّى بـ«ديك العلم».هناك أيضاً من اكتسب اللقب بسبب شكله مثل «الشاعر الشنفرى»، و«المسدود» وهو لقب شاعر اسمه الحسن، لقب بذلك لأن أحد منخريه كان مسدوداً، أو بسبب حادث كما جرى مع الشاعر «ثابت بن جابر الذي لقّب بـتأبّط شراً»، والمشعّر «هو الشاعر الجاهلي يزيد بن سنان المري»، وأعطي هذا اللقب لأنه كان إذا حضر حرباً اقشعرّ.
ونقتطف من ذات المصدر استعارات من الأدب الأجنبي أيضا»هناك العديد من الأسماء المستعارة في الأدب الغربي التي التحمت بهوية أصحابها. «فولتير» مثلاً هو الاسم المستعار للكاتب الفرنسي فرنسوا ماري أرويه، وهو اختار هذا الاسم لينفض عنه أية علاقة تربطه بأبيه أو بعائلته، فكان اختياره لهذا الاسم بمثابة اختياره هوية جديدة له. كذلك فعل جيرار لابروني الذي تحوّل إلى جيرار دو نرفال، قاطعاً كل علاقة تربطه بأبيه، ومحاولاً نسب نفسه إلى عائلة أمه، فـ«نرفال» هو اسم أرض تملكها جدته لأمه. جان باتيست بوكلين أو «موليير» أراد أن ينأى بنفسه عن عائلته البرجوازية، وما يمكن أن يسببه لها من إحراج، بسبب المسرح التراجي ـ كوميدي الذي كان يكتبه والنظرة السلبية له في القرن .17 . ومع بداية القرن 20، أصبح اختيار الاسم المستعار ومدلولاته أكثر تعقيداً. يضيف المقال «فالكاتب الفرنسي الروسي الأصل رومان كاسيف وقّع أول رواية له عام 1937 باسمه الحقيقي ثم تحوّلت للنشر تحت أسماء مستعارة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 08/11/2021

أخبار مرتبطة

تحتفي الدورة الثانية من “ربيع المسرح” التي ستقام في مدينة تارودانت ما بين 6 و11 ماي 2024، بالفنان عبد الرحيم

انتهت الإعلامية “فريال زياري” من تصوير حلقات برنامجها الاجتماعي “فيس تو فيس مع فريال”، وسيعرض قريبا على قناتي روتانا و

تنظم صديقات وأصدقاء الإعلامية، الفنانة والسيناريست، المرحومة فاطمة الوكيلي حفل تأبين لها، وذلك يوم الجمعة 10 ماي، في الساعة السابعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *