ترف الصورة وجماليتها في ديوان «سماء جاحدة» للشاعر مصطفى قلوشي

في حوزة الشاعر مصطفى قلوشي سبعة دواوين، «غارات الجنون» 1999. زنابق سوداء 2011. سماء جاحدة 2011. ليس إلا-(نصوص هايكو) 2017. بقليل من الحظ 2019. فراشات تسكن صدري- (نصوص هايكو) 2021. كأي غاو 2022.
يعد ديوان «سماء جاحدة»، الديوان الثالث صدر عن مطبعة ليمورية سنة 2016. يقع الديوان في مائة صفحة، يطوي بين دفتيه ثلاثا وعشرين قصيدة هي ليل الشتاء الطويل- يوميات شاعر أتعبه ظله- معلقات- أسلاك شائكة عند حدود الوجع- صور خارج الإطار- خرائط في جغرافية العشق- وحده الصمت يشي بكل شيء- كما يحلو للصدفة أن تكون- وماذا بعد هذا العراء- يد تتهجى الصمت- سماء جاحدة- هذه السماء ظل لخطاي- وهذا الحر صورة من أحب- كتاب السيرة- أوراق من سفر العشق والموت- خبايا- جداريات على خريف العمر- كأنه العدم- على أثر الضوء- عن عزلة الضوء واغتراب الجسد- آخر أحلام زرقاء اليمامة- هواجس معلقة بباب السماء الثامنة.
كأن الشاعر في ديوان «سماء جاحدة» يحفر في روحه آبارا من خبايا الحياة، بأسئلته القلقة المضجرة، واستفهاما ته المتبرمة الضاجة، وينبش في وجدانه مجار من أسرار الوجود، بالأخبار التي يغمرها بشعرية وتخييل مثيرين، وبالأنباء التي ينداحها برقة وشفافية لافتين.
-5-هذا السؤال
أحقا أن الروح
حقل فزاعات؟؟؟
أحقا أن الموت
جبة السماء..
-6- هذا البحر
لمن يا ترى يكتب وصاياه
ولماذا يجلس وحيدا
في زرقته،…..ص 23 «أسلاك شائكة عند حدود الوجع»
أسئلة حارقة لا ينتظر الشاعر منها جوابا، بقدر ما يريد أن يستلهم منها المعاني المخبوءة في عمق الوجود، بعطش صارخ، ويستوحي من ورائها المضامين المستورة في غور الكون، بظمأ مدو، حاله كحال العاشق الولهان الذي يعدو وراء ظلال الروح الوارفة، ليستظل بها في الغدو والرواح.
أسئلة تشي بالقلق الذي يساور الشاعر، وهو يواجه الحياة في بعدها الفني، وتشف عن الاضطراب الذي يستولي عليه، وهو يخوض تجربة الاكتشاف، ويغامر لسبر كنه الحياة.
أصيلا
برتقالة الفصول،
فاكهة تدلت من شجر…..ص 31
شفشاون
وأنا أتهجى ما خطه
الأولون على سمائك،
وألج إليك من حيث
مرت الرياح …. ص 31 «صور خارج الإطار»
أخبار متداولة، لكن الشاعر يقدمها في ثوب شفيف، برؤيته المميزة، وينقلها في ستار رقيق، بنظرته الخاصة، كأنه يمحصها في خلده ببذخ، ويمررها في وجدانه بترف، فتمسي لآليء، يلتقطها القارئ بصفاء قلب، ويحضنها بحرارة وجدان.
أخبار لكنها بلغة التشبيه، وبأسلوب المجاز، وبتعبير الاستعارة، تنزاح عن المألوف، وتبتعد عن المتداول المبتذل، وعن اللغة التقريرية المباشرة، يبلورها الخيال بحدقته، فتنصاع لوحات متماوجة، ويصوغها بمصفاته، فتنداح مشاهد متساوقة. تراها بعين قلبك، فتحصل لك المتعة التي تتوخاها، والانشراح الذي تصبو إليه.
3-ثمالة
العمر يمضي
إلى جرف سحيق،
وأنا وحدي في حانة القصيدة،
ثمل…..ص 50 «سماء جاحدة»
إنها لوحة بديعة، يصور فيها الشاعر العمر الذي ينصرم إلى منحدر غابر، وهو وحده في حانة القصيدة، ثمل…إنها لوحة تمور بالخيال، وتموج بأصباغ المجاز، وتفيض بألوان الإيحاء..
2-أقول للغائبين
الأرض أضيق
من صدر أنثى خائنة،
فلا يحزن قلبك
حتما سيعودون
فقط،
انتظرهم تحت سماء القصيدة ص 79 «جداريات على خريف العمر» .
إنه مشهد جميل، يرسم فيه الشاعر مصطفى قلوشي الأرض التي هي أضيق من صدر أنثى خائنة، فيخاطب ذاته، ويطلب من القلب أن يكف عن الحزن، لأن الغائبين سيعودون، بشكل حتمي، فقط عليه أن ينتظرهم تحت سماء القصيدة، كأن الشعر له سحر خاص، ومفعول قوي في استجلاب الغائب، واستبدال الحياة..
كأن
كأن السماء مرآة
تعكس الوجوه،
والخطى التي مرت
على عجل من هناك… ص 99 «هواجس معلقة بباب السماء الثامنة»
يشبه الشاعر مصطفى قلوشي السماء بمرآة، تعكس الوجوه، والخطى التي مرت على عجل من هناك، لوحة فنية أخرى من اللوحات التي رسمها الشاعر بأنفاس الشعر، ونحتها بألوان الجمال. تصوير شعري يومض، في نفس المتلقي، فيتخيل المشهد بكل عناصره الأيقونية، وأبعاده الحسية، وتشكيل لغوي يتوهج في روحه، فيحسبه منظرا، يرقى به إلى المراتب، ويرتفع به إلى درجات..
هذا بعض ما بدا لي، من خلال قراءتي لقصائد الديوان، حاولت عبرها أن ألامس المنحى الذي خطه وجدان الشاعر مصطفى قلوشي، وهو يفصح عما يعتمل في صدره من مشاعر، ويعرب عما يختلج في وجدانه من أحاسيس،
وحاولت أيضا أن أقارب خلال هذه القراءة، المسلك الذي انتهجه ذهن الشاعر، وهو ينقل بعض الحقائق، ويصوغ بعض الأخبار، التي تبين أنه يصبغها بروح محلقة، وينحتها بوجدان حالم…


الكاتب : عبد العزيز أمزيان

  

بتاريخ : 11/10/2023