جريمة الاتجار بالبشر في القانون المغربي

 

الاتجار بالبشر جريمة ونشاط اقتصادي غير مشروع ارتبط باستغلال الأشخاص ماديا ومعنويا، ويشمل الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، ويقع ضحايا الاتجار بالأشخاص تحت رحمة تجار البشر والعصابات المنظمة التي تستعمل الخطف أو القسر أو الاستدراج لممارسة أشكال مهينة من الأعمال لمصلحة المتاجرين بهم. وتتخفى معظم العمليات المرتبطة بالاتجار بالأشخاص أو البشر تحت ستار أنشطة مشروعة يصعب اكتشافها أو تتبع تحركاتها آو ضبط المتعاملين فيها كوكالات الأسفار أو التشغيل أو مراكز التجميل أو ممارسة الرياضة وغيرها من الخدمات .
ولتقريب الفكرة من الأذهان نجد أن البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال لسنة 2000 المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 1951 قد عرف الاتجار بالبشر بكونه تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الفقر أو الضعف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال، ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترزاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.
وتتجلى مظاهر جريمة الاتجار بالبشر في :
– الاتجار بالأطفال من خلال البيع أو العمل في المواد الإباحية والسياحة الجنسية .
– الاستغلال الوظيفي من خلال العمل القسري أو السخرة.
– الرقيق الأبيض الذي يمارس عليه الاستغلال الجنسي أو الاستعباد .
ويمكن انطلاقا من طبيعة الجريمة تصنيف ضحايا الاتجار في البشر حسب الفئات التالية:
– الضحايا من الأطفال
– الضحايا من النساء
– الضحايا من فئة خدم المنازل والعمل القسري.
– ضحايا نزع الأعضاء البشرية .
وبدأ الحديث عن جرائم الاتجار بالبشر في المغرب منذ سنوات طويلة، ولاسيما مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي، والتي عرفت تنامي الهجرة السرية إلى أوربا، وما ارتبط بها من استغلال خطير لظروف المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بصفة خاصة .
أما الاهتمام الرسمي والقانوني بالموضوع فتعود بوادره إلى سنوات خلت، ويتجلى ذلك في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع التي صادق عليها المغرب، بحيث عمل المغرب على الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر حيث قام بالمصادقة على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التالية:
– اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000، والتي صادق عليها المغرب في 13 سبتمبر2002.
– البروتوكول الإجباري للاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة لسنة 2000 ، والتي صادق عليها المغرب في 22 ماي 2002.
– اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1943، والتي صادق عليها المغرب في 17 غشت 1973.
– الاتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926، والتي انضم إليها المغرب ووضع صكوك قبولها في 11 مايو1959.
– اتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة1991، والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو1993.
– الاتفاقية المتعلقة بوضعية اللاجئين لسنة 1951، والتي صادق عليها المغرب في 7 نونبر1956.
– اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو1993.
– اتفاقية منع كل أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، والتي صادق عليها المغرب في 21 يونيو 1993.
– اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 29 حول العمل القسري لسنة 1930، والتي صادق عليها المغرب في ماي 1957.
– اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 105 حول إلغاء العمل القسري لسنة 1957، والتي صادق عليها المغرب في فاتح دجنبر 1966.
– اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 حول أسوأ أشكال عمل الأطفال لسنة 1999، والتي صادق عليها المغرب في 26 يناير2001.
– وتهدف هذه الاتفاقيات الحد من ظاهرة الاتجار بالأشخاص المؤدي إلى الاستغلال البشري، والذي يترتب عنه سلب إرادة الشخص الضحية وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة كانت، ولو تلقى مقابلا أوأجرا عن ذلك.
وتتخذ جريمة الاتجار بالبشر في المغرب ثلاثة أشكال وفق التقارير الدولية التي رصدت الظاهرة وتتجلى في ما يلي :
الشكل الأول يستهدف الاتجار بالمهاجرين غير النظاميين إذ تعتمد شبكات تهريب البشر إلى أوربا المغرب كمنطقة عبور ويطال هذا التهريب أشد الفئات هشاشة.
الشكل الثاني يتعلق بشبكات الاتجار بالبشر المختصة في تهريب المغاربة إلى الخارج والاتجار بهم، وتعد مغربيات الخليج أبرز مظهر لهذا الشكل .
أما الشكل الثالث فهو داخلي ويتمثل في الشبكات التي تتاجر بالأطفال والنساء وتتوسط في استغلالهم في عدد من الأعمال منها الخدمة بالمنازل والتسول والجنس.
وقد اعتمدنا في تحديد الأشكال الثلاثة المشار إليها على دراسة أشرفت عليها وزارة العدل والحريات وأنجزتها منظمة الأمم المتحدة لتمكين النساء وبرنامج التعاون السويسري .
هذه الدراسة التي أشارت إلى وجود حالات لمغربيات يتم تهجيرهن إلى دول الخليج، موضحة أن تشديد إجراءات العبور دفعت الشبكات المتحكمة في هذا النوع من التجارة إلى اختيار بلدان عبور مثل تونس وتركيا وتوصلت الدراسة إلى توفر هذه الشبكات على صور الفتيات اللواتي يسعون للإيقاع بهن.
وذهبت الدراسة المشار إليها إلى أن بعض المناطق في المغرب تعرف ظاهرة استعمال نساء وقاصرين أجانب في شبكات الدعارة هذا في الوقت نفسه الذي يجبر الأفراد الضحايا على التسول من أجل دفع المقابل لمهربي البشر نحو أوربا .
وتسود ظاهرة الاتجار بالبشر، حسب الدراسة، في المدن الكبرى ومدن الشرق والشمال كوجدة والناظور وطنجة والرباط.
وتشير الدراسة إلى أن المدن السياحية مثل مراكش وأكادير تعرف شكلا آخر من الاتجار في البشر، ويتجلى في تسخير النساء والأطفال في شبكات الدعارة والاستغلال الجنسي.
كما أكدت نفس الدراسة على ظهور شبكات منظمة للاتجار في البشر تأتي بضحاياها من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتستعملهم في الدعارة والتسول، وتعتمد هذه الشبكات من أجل إخضاع ضحاياها على الترغيب والترهيب حيث تعمد إلى إيهام المهاجرين بتأمين وصولهم إلى أوربا مقابل استغلالهم في أعمال غير مشروعة من أجل تأمين المال الذي يمكنهم من الهجرة إلى الفردوس المنشود.
ولمحاربة جرائم الاتجار بالبشر قام المشرع المغربي بوضع ترسانة قانونية دخلت حيز التنفيذ في 19شتنبر2016، وتتجلى في قانون 14-27المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، وهو تفعيل لانضمام المملكة المغربية سنة 2009 إلى البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية والمتعلق بالاتجار بالبشر خاصة النساء والأطفال، هذا في الوقت الذي كانت هذه الجريمة قد استأثرت بالاهتمام الأممي.
وقد تم بواسطة هذا القانون تتميم أحكام الباب السابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي. بحيث عرف الفصل 498-1من ذات القانون الاتجار بالبشر بأنه تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة أوبإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
ولا يشترط القانون استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن 18 سنة، بحيث تتحقق الجريمة هنا بمجرد تحقق قصد الاستغلال ويشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي لاسيما استغلال دعارة الغير أو الاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، والاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.
ولا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة كانت، ولو تلقى مقابلا أو أجر على ذلك.
ويتضح من التعريف المنصوص عليه في المادة 498-1 والمستمد من القانون الدولي، وعلى وجه التحديد بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المتمم لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أن الاتجار بالبشر جريمة تنطوي على استغلال شخص ما لأغراض العمل القسري أو لممارسة الجنس التجاري باستخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه .
ولتوضيح أكثر مصطلح الاتجار بالبشر وعلاقته بالاستغلال الجنسي نشير إلى مثال أشرت إليه سفارة الولايات المتحدة في لبنان وجاء فيه مايلي :
غرر أحد موظفي التوظيف بماري وأقنعها بالالتحاق بعمل في مطعم بالخارج ووعدها براتب مغر لم تستطع رفضه وساعدها على الحصول على تأشيرة العمل في بلد المقصد، ولدى وصولها، أخبرها رئيسها الجديد بأنه لا توجد أية وظيفة في أحد المطاعم وأنه سيتعين عليها أن تسدد تكاليف العثور على الوظيفة ،وتتحمل تكاليف نقلها إلى البلد، وأجبرها على ممارسة البغاء وهدد ماري أيضا بأنه سيبلغ أسرتها عما تقوم به إذا لم تواصل تنفيذ ما يطلبه منها حتى تكون قد سددت الديون المزعومة عليها، ماري هنا ضحية من ضحايا الاتجار بالبشر تم استخدام الاحتيال والإكراه والقوة لإخضاعها للاتجار بالجنس.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن قانون 14_27 انشأ آلية قانونية تتجلى في اللجنة الوطنية المكلفة بتنسيق تدابير مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، والتي حددت المادة 7 من نفس القانون اختصاصاتها في تقديم مقترحات للحكومة من أجل وضع سياسة عامة وخطة عمل وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وذكرت اللجنة في تقريرها السنوي الأول أن الاستغلال الجنسي تصدر قائمة اكتر صور الاستغلال شيوعا في المغرب من حيث جرائم الاتجار بالبشر، وعرفت المحاكم الزجرية المغربية العديد من الملفات في السنوات الأخيرة توبع فيها العديد من الأشخاص ذكورا وإناثا أغلبهم مغاربة من أجل جرائم الاتجار بالبشر.

(*) محام بهيئة الدارالبيضاء


الكاتب : محمد امغار (*)

  

بتاريخ : 14/10/2023