حنان رحاب الكاتبة الوطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات في حوار لـ «الاتحاد الاشتراكي»

ليس من حق أي أحد أن يسيج النقاش العمومي حول المدونة باشتراطات قبلية،

أو أن يحدد ما ينبغي أن يناقش وما لا ينبغي أن يناقش

 

من يعتقد أن المدونة منحت للنساء أكثر مما يستحقن، فعليه أن يمتلك الشجاعة، ويقول ذلك، لا أن يختلق نقاشات لم تطرح من قبيل المساواة في الإرث أو إباحة زواج المثليين لشيطنة الآخرين

الاتحاد حاضر بقوة للترافع من أجل مدونة تترجم تطلعات النساء للمساواة والإنصاف والتصدي لكل النزعات الماضوية

o بعد نجاح أشغال المؤتمر الوطني الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، وانتخابكم كاتبة وطنية لهذه المنظمة التاريخية، باشرتم سلسلة من اللقاءات والاجتماعات بغية إطلاق دينامية جديدة للتعاطي مع الملفات الراهنة التي يطرحها الواقع اليوم.. أين يمكن وضع هذه الدينامية في سياق الظرفية السياسية عموما وداخل المشهد النسائي على وجه الخصوص؟

n إن إطلاق ديناميات تنظيمية وترافعية ونضالية بعد محطة أي مؤتمر هو بمثابة تقليد يحمل رمزية الوفاء بالالتزامات، ورمزية المراكمة على ما أنجزته القيادات والهياكل السابقة، وبالتالي نعتبر ما نقوم به اليوم دينامية في إطار الاستمرارية وليس القطيعة، وهذه الدينامية تأتي في إطار ديناميات حزبية أخرى موازية تعبر على أن الاتحاد الاشتراكي حزب قادر في كل المراحل على ابتداع ما يمكنه من الاستمرار في الحضور بقوة في المشهد السياسي من موقع الفاعلية.
اليوم، هناك نقاش مجتمعي انطلق مع خطاب جلالة الملك بمناسبة ثورة الملك والشعب، الذي دعا فيه إلى تجديد مدونة الأسرة لتجاوز أعطابها التي أعاقت تحقيقها للمقاصد من وراء إقرارها، وهذا يقتضي أن نكون حاضرين وبقوة، سواء من أجل الترافع بقصد أن تكون المدونة المرتقبة أكثر ترجمة لتطلعات النساء المرتبطة بالمساواة والإنصاف، أو من أجل التصدي لكل النزعات الماضوية التي تهدف إلى فرض تأبيد استمرارية الانتقاص من قدرات المرأة وأدوارها من خلال توظيف قراءة جامدة للنصوص الدينية التي لا يحق لأي جهة سياسية أن تدعي احتكار الدفاع عنها.
وبالمقابل هناك احتقان اجتماعي بفعل تدني القدرة الشرائية للأسر، وقد علمتنا الأزمات السابقة أن النساء هن أكبر الضحايا في هذه المنعطفات، لذلك نركز في هذه المرحلة على النضال من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء، بما يساهم كذلك في تمنيع الأسر، ومن ثم المجتمع، فلا يمكن الفصل في تصورنا بين أشكال الاضطهاد الطبقي وبين أشكال التمييز على أساس الجنس.
وفي المستوى الثالث، نحاول أن نثير انتباه الرأي العام إلى بعض المخاطر المرتبطة بالتحولات الرقمية والتكنولوجية، وحتى على هذا المستوى نلاحظ أن النساء يشكلن الشريحة الأكبر من ضحايا الاعتداءات والجرائم الرقمية.
صحيح أننا نشتغل على واجهات متعددة، ولكن نمتلك استراتيجيا واضحة، بأهداف مسطرة ومحينة، وبآليات للمتابعة والتقويم، وأعتقد أن الأشهر القليلة الماضية أبانت عن قدرات كبيرة لعضوات منظمة النساء الاتحاديات، تجعل طموحنا يكبر يوما عن يوم، ونحن متأكدات أننا سنكون تجربة متميزة في المشهد السياسي وفي العمل النسائي.

o من بين الملفات الأساسية التي تشتغلون عليها بعناية بالغة، وتشكل صلب اهتمام المنظمة، هناك ملف المطالبة بالمراجعة الشاملة لمدونة الأسرة والعمل على خلق أرضية لنقاش عمومي مجتمعي يشارك فيه الجميع حماية للأسرة المغربية.. أين وصلتم في الأمر؟

n لقد طرحنا أرضية للترافع من أجل مدونة منصفة وعادلة، وجهناها للمنظمات النسائية الحداثية والديموقراطية، كما ساهمنا في وضع أرضية للنقاش البيني لتنظيمات النسائية التابعة للأحزاب الممثلة في البرلمان بغية الوصول إن أمكن لمذكرة ترافعية مشتركة تلخص مطالبات النساء التي ينبغي تضمينها في أي مشروع قانون لتعديل المدونة، وهذا الأمر لا يتنافى مع حق أي حزب في أن يقدم مقترح القانون الخاص به، وإن كنا نحبذ العمل المشترك في القضايا الكبرى، غير أنه للأسف بدأنا نشهد في الأيام الأخيرة مسعى لتوجه حزبي محافظ نحو التجييش.
نحن في منظمة النساء الاتحاديات، وكذلك في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لازلنا مقتنعين بأن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يمر من قناة الحوار، بمستوياته العمومية والحزبية والمدنية، وأننا نحتاج للهدوء والإنصات المتبادلين، وكذلك للإنصات لرأي أساتذة القانون والسوسيولوجيا والاقتصاد، وكذلك لخبرة قضاة النيابة العامة وقضاة المحاكم الاجتماعية باعتبارهم الأكثر احتكاكا بالقضايا المدنية المتفرعة عن مدونة الأسرة الحالية، وكذلك لرأي علماء المجلس العلمي الأعلى المنوط بهم ضمن مؤسسة إمارة المؤمنين بحماية الأمن الديني وإنتاج الاجتهادات الفقهية الكفيلة بالإجابة على التطورات المجتمعية في علاقتها بثوابت الدين الإسلامي الحنيف.
وتبعا لذلك، لا ندعي أننا نمتلك الحقيقة كما يفعل ذلك جزء من الأصولية الحزبية، ونطرح تصورنا للنقاش العمومي، ونؤمن بأن الحوار قد يجعل مساحة المشترك أكبر، إذا كنا ننطلق من نفس المنطلق الوارد في الخطاب الملكي، والذي يرى أن التجربة أبانت أن مقتضيات في المدونة الحالية إما أنها متجاوز بعد أن أدت وظيفتها في مرحلة ما، أو أنها تنتج مظالم للمرأة أو الطفل أو ربما حتى للرجال، أما إذا كان هناك من يرى أن المدونة الحالية لا تحتاج لتعديل، وربما يعتقد أنها منحت للنساء أكثر مما يستحقن، فعليه أن يمتلك الشجاعة، ويقول ذلك، لا أن يختلق نقاشات لم يطرحها أي تنظيم سياسي من قبيل المساواة في الإرث أو إباحة زواج المثليين لشيطنة الآخرين والتخويف من محاولات تغيير المدونة.

o ارتباطا بالمدونة دائما، ماهي المحاور الكبرى التي ينبغي أن يشملها التعديل؟ وهل تتوفرون على مقترحات وبدائل في هذا الملف، خصوصا بعد ما راج من أخبار حول كون المنظمة بصدد التهييء لمذكرة شاملة حول الموضوع؟

n بداية يجب التفريق بين النقاش العمومي، وبين ما يجب أن يتمخض عنه من مقترحات نعتبرها أولويات.
فبخصوص النقاش العمومي، نعتبر أنه ليس من حق أي أحد أن يسيجه باشتراطات قبلية، أو أن يحدد ما ينبغي أن يناقش وما لا ينبغي أن يناقش، فهذا يعتبر مصادرة للرأي، وبالتالي نحن لسنا ضد فتح نقاش حول الإرث مثلا حتى من زاوية المساواة فيه، كما لسنا ضد النقاش حول تعدد الزوجات ولو من باب رفع القيود عنه، مادام الأمر في إطار النقاش الذي يقتضي أن أكثر التصورات حداثة وتحررا من حقها التعبير عن وجهة نظرها، والأمر كذلك بالنسبة للتصورات الأكثر محافظة.
لكن في باب المقترحات التي ستتضمنها المذكرة الترافعية التي نشتغل عليها، فنحن مسيجون بمجموعة من الاعتبارات، منها المقتضيات الدستورية، ومنها البرنامج الحزبي، ومنها الأولويات التي نعتقد أن المطلوبة مجتمعيا، ومنها مستوى تطور المجتمع المغربي.
سندافع بطبيعة الحال انطلاقا من إيماننا بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان التي لا نرى فيها تعارضا مع مقاصد الإسلام المحمدي المعتدل، ونرى تبعا لذلك أنه لم يعد مقبولا بالمطلق السماح بزواج القاصرات تحت أي مبرر كان، كما أننا سنطالب بجعل الخبرة الطبية حاسمة في إثبات النسب بشكل قطعي، وبأن تكون الولاية على الأبناء بعد وقوع الطلاق مشتركة بين الوالدين، وتسقط عن أحدهما تبعا لإخلاله بمقتضى هذه الولاية، كما أننا بصدد التدقيق في مقترحات مرتبطة بالأبناء لأمهات عازبات، وبتقسيم الممتلكات بعد الطلاق، وبأشكال حماية الأطفال بعد ثبوت القدوة السيئة لأحد الأبوين، وغيرها من المقتضيات التي نشتغل عليها مع خيرة الخبراء من مجالات متعددة ومتكاملة وأغلبيتهم من النساء.

o أطلقتم خلال الأشهر الأخيرة حملة واسعة لمناهضة العنف الرقمي ضد النساء للحماية من الابتزاز والاتجار في البشر، كيف كانت نتائج هذه الحملة؟ وهل تتشعرون بأنه مازالت هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التعبئة حول هذا الموضوع؟

n نحن فخورات أننا كنا من الأوائل اللواتي اقتحمن هذا الموضوع، ونحن سعيدات كذلك ونحن نرى تعبيرات نسائية وحقوقية أخرى تفتح هذا الورش، وحتى الوزارة الوصية على قضايا الأسرة والطفولة والتضامن المجتمعي بدورها نظمت فعاليات في هذا الاتجاه.
فيكفينا أننا طرقنا جرس الإنذار، وأعتقد ان الدينامية الموجودة اليوم بخصوص هذا الموضوع تؤكد أن حملتنا أعطت ثمارها.
الاهتمام بهذا الموضوع لم يأت من فراغ، فاليوم كل العائلات المغربية تمتلك جهازا للهاتف المحمول يؤمن لها الولوج للأنترنت، ولا يوجد فرد مغربي لا يتعامل مع الفضاءات الافتراضية بتفاوت طبعا.
هذا الانتقال الرقمي السريع أفضى إلى مجموعة من التحولات على مستوى التواصل، ولكن كذلك أفضى للأسف إلى انتقال جيل جديد من الجريمة وتوطنه في المجال المجتمعي المغربي، ونعني طبعا الجريمة الرقمية أو الإلكترونية، بحيث اتسعت مساحات الابتزاز والتشهير والوصم، ومرة أخرى كانت النساء في مقدمات الضحايا، لقد عايننا حوادث انتحار وحوادث الاستغلال الجنسي بسبب الابتزاز.
هناك ترهيب فعلي تتعرض له النساء بسبب العنف الرقمي يبدأ بالتنمر وينتهي بالاتجار في البشر.
الحملة التي قمنا بها كانت تستهدف بالدرجة الأولى التنبيه لمخاطر العنف الرقمي، وأعتقد أننا نجحنا في ذلك، ولكن لا نعتبر أن المعركة انتهت، بل ثمة مسارين آخرين بدأناهما، ولكن نحتاج لتكتل الجهود أكثر بخصوصهما، الأول مرتبط بتشجيع ضحايا العنف الرقمي على البوح ومرافقتهن من أجل الانتصاف القضائي، والثاني هو الترافع من أجل تجويد النصوص القانونية لتكون أكثر ردعا بخصوص الاعتداءات الرقمية.


الكاتب : حاورها: عماد عادل

  

بتاريخ : 08/03/2023