خيمة الإبداع بمنتدى أصيلة تكرم الصحافي والكاتب محمد البريني : الصحراوي الذي أخرج الجريدة من رصاص المطبعة إلى حداثة التكنولوجيا

إطلاق اسم «محمد البريني» على قاعة الندوات بمركز الحسن الثاني للملتقيات بأصيلة

 

 

احتفت خيمة الإبداع بمنتدى أصيلة أول أمس الخميس 11 نونبر الجاري، وكدأبها كل سنة ضمن فعاليات موسم أصيلة الدولي 42، على الاحتفاء بإحدى الشخصيات التي بصمت أعمالها الحياة الفكرية والإبداعية والإعلامية، بقامة إعلامية مغربية بصمت المشهد الإعلامي المغربي بميسم خاص، انتصرت للأخلاقيات والمصداقية في الخبر والرصانة في التحليل، الإعلامي والكاتب محمد لبريني.
اللقاء التكريمي الذي سيره الصحافي جمال محافظ،شكل لحظة للإعلاميين والمشاركين للوقوف على أهم مسارات الأستاذ محمد البريني، وهي مسارات غنية في مجال الارتقاء بمستوى مهنة الصحافة والمساهمة في تكريس أخلاقياتها . كما تطرق الى مختلف الأدوار الإعلامية والسياسية التي قام بها الأستاذ محمد البريني من خلال التجارب القيمة التي راكمها سواء في الصحافة الحزبية أو المستقلة، خاصة على ضوء إشرافه وإدارته لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» وبعدها تأسيسه لجريد «الاحداث المغربية» نهاية التسعينات. كما شكل اللقاء مناسبة تناول فيها المشاركون التحديات التي تواجه وسائل الاعلام المغربية في ظل التحولات الصناعية والتكنولوجية وخاصة انتشار الإعلام الرقمي.

اعتبر محمد بنعيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة أن خيمة الابداع باحتفائها بالإعلامي محمد البريني، تحتفي باسم وازن في حقل الفكر والصحافة المغربية، عن جدارة واستحقاق، مضيفا أن الرجل عرف بمواقفه المستقلة وصرامته المهنية وشجاعته في الرأي. وأشار بنعيسى إلى أن الصحافة لم تمثل، في كل المحطات التي عبرها البريني، طريقا للوجاهة أو الشهرة بل ظل مناضلا في التنظيم كما في الجريدة باستقامته وصرامته، مستفيدا من نجاحات وإخفاقات من سبقوه في المهنة، هو الذي عرف كيف يوفق بين إكراهات الحزب ومقتضيات مهنة الصحافة ليحقق التجاوب مع انتظارات القارئ.
من جهته عاد الشاعر والروائي محمد الأشعري في كلمته الى زمن البدايات، حين تعرف على البريني عن كثب في نهاية السبعينات، بعد أن جمعتهما مظلة الحزب منذ الستينات، حين كان المحتفى به ، يقول الأشعري، «يبدو مقيما في صمت التخوم، يعبر ضجيج البيضاء غير منشغل بما يروج في السطح منصتا لما يعتمل في الدواخل». وهي الصفة التي لم تغادره حتى بعد أن ألقى بنفسه في لجة الصحافة الحزبية.
وأضاف الأشعري أن البريني لا يزال يتسم الى اليوم بسمات المناضل الاتحادي الذي آمن بأفق النضال الديمقراطي بديلا لكل المغامرات والثوريات الملتبسة، و»بتلك الروح الإنسانية الموروثة عن بيئته الصحراوية التي ظلت لصيقة به حتى وهو يخوض صراعاته في المدينة العملاقة ويقاتل حيتانها الكبيرة»، في وفاء منقطع النظير لأفكاره السياسية ، ووفاء صوفي لشغفه بالصحافة ولصداقاته وأسلوبه الهادئ والصارم في الحوار».وكل ذلك بتواضع مكنه من تعبئة طاقات بادلته الوفاء والاحترام لبناء أهم تجربة صحفية حزبية في تاريخ المغرب، جريدة «الاتحاد الاشتراكي».
من جانبه، توقف خليل الهاشمي الإدريسي مدير عام وكالة المغرب العربي للأنباء، عند شخص محمد البريني، قائلا إن شخصيته «متزنة مبنية على أصول ثقافة الجنوب، ثقافة شخصية مؤطرة على أسس أنتروبولوجية»، مضيفا أنه «نموذج سيكولوجي حقيقي فيه وقوف على المبادئ والتزام حقيقي وثقافة ديمقراطية هو « المناضل اليساري الاشتراكي ذو الفكر التقدمي الذي يعبر عنه بطريقة منفتحة».
عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للصحافة والاتصال بالرباط، وصف في شهادته محمد البريني، بـ»فارس المعارك الصحفية»، مضيفا أن احتكاك المحتفى به بالسياسة والتعليم جعله في أدائه المهني يمزج بين بيداغوجية المدرس والتزام المناضل، هو الذي تميز بحنكته في تصريف مهامه الإعلامية كمسؤول حزبي بملاءمتها مع المواقف السياسية خلال تعاقب الحقب والأحداث، إذ استطاع أن يؤمن لصحيفة حزبه موقعا مهنيا ومكانة مرجعية في شتى حقول المعرفة، في وقت «لم يكن من السهل ترسيخ ثقافة المقاولة الصحفية ونموذجها الاقتصادي في بيئة كانت فيها منابر الإعلام المكتوب المتنفس التواصلي الوحيد للأحزاب في ظل احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري، وفي غياب سوق إعلامية حقيقية». وعرج بن صفية على الحياة الإبداعية لمحمد لبريني من خلال أعماله «الطاحونة»، «قصص من زمن الرقابة».. لافتا إلى أنه جعل من تاريخ الممارسة الصحفية بالمغرب مجالا لإبداعه لكن بروح الفكاهة، هو الصارم ظاهريا ، حيث «صرامته الظاهرة لا تضاهيها إلا خفة دمه الخفي».
وفي شهادة مفعمة بالدفء الإنساني وعراقة الصداقة، عاد المدير العام السابق لشركة «سابريس» للنشر والتوزيع محمد برادة إلى النبش في أرض صداقة استمرت نصف قرن، عاش وعايش فيها صحبة محمد البريني أحداثا وأزمات وسرعة تحولات، ولم يكن لهما خيار غير الانغماس فيها والتفاعل مع التغيرات المجتمعية في انعكاسها على أوضاع الصحافة من تهديد بالمنع وصراع من أجل البقاء ومن أجل الحرية. وفي خضمها خبر « البريني الصحراوي الذي يرفع التحدي بجرأة أولئك المغاربة الصحراويين، وبجرأة الملتزم بقضايا المواطن الواعي بالمسؤولية»، هو الذي «أخرج الجريدة من رصاص المطبعة إلى حداثة التكنولوجيا، حريصا على التميز والريادة» حتى في فترة الانتقال من الصحافة الحزبية إلى المستقلة، ساعده في ذلك مصداقيته وخبرته وتدبيره وحكامته.
ومن داخل المطبخ الداخلي للتجربة، كانت شهادة رئيس المجلس الوطني للصحافة، يونس مجاهد، مشوبة بنوع من النوستالجيا لزمن الثمانينات، تاريخ التحاقة بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» الذي كان يديرها محمد البريني، منوها بروح الفريق التي يمتلكها وتواضعه الذي كان يمنح كل العاملين معه جرعة ثقة، إذ بقدر التزامه بالخط والتوجه الحزبي العام، إلا أنه كان يدفع بتجاوز الإكراهات الحزبية أحيانا، انتصارا للرأي والمهنية، مؤسسا بذلك لصحافة حداثية ديمقراطية وخلق نوع من الاستقلالية النسبية في إطار حزبي.
وعرج مجاهد في إطار هذه الاستقلالية على تجربة تأسيس جريدة «الأحداث المغربية» من طرف محمد البريني، مثيرا عددا من الإشكالات والإكراهات التي تواجهها اليوم الصحافة المستقلة، وقدرتها على الصمود أمام الأزمات عكس الصحافة الحزبية، مقترحا الاشتغال على تطوير تجربة صحفية قوية تضع في أولوياتها الاستقلالية والدفاع عن القيم للخروج من الأزمة التي تعيشها الصحافة اليوم ، وهو موضوع مطروح على المهنيين والدولة والمجتمع والهيئات المهنية الاشتغال عليه في إطار تشاركي، من أجل المستقبل، مضيفا أن كل مبادرة في هذا الاتجاه يجب أن تأخذ بعين الاعتبارات، التحولات الرقمية التي بقدر ما تتيحه من إمكانات التطور، بقدر ما يدخلنا في تحديات.
ومن داخل البيت الداخلي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، جاءت شهادة الصحافي مصطفى العراقي الذي خبر العمل عن قرب مع المحتفى به، واصفا إياه بـ» ابن زاكورة الذي بنى «الاتحاد الاشتراكي» المؤسسة والمدرسة«.
العراقي وهو يعدد مناقب المحتفى به، أكد أن البريني اعتمد في إدارته لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي» على مقاربة تشاركية ترافق كل خطوة من مسار تطوير الجريدة في محتواها وإشعاعها، وفتح الباب واسعا للاقتراحات التي أعطت توجها إعلاميا للجريدة، وحتى عندما ترتفع درجة حرارة الخلافات بهيئة التحرير كان يبادر إلى تنظيم حفل عشاء مصالحة بطريقة بيداغوجية». كما أنه على مدى 13 سنة من إدارته للجريدة، وضع ابن زاكورة قاعدة انطلاق صلبة لانتشار الاتحاد الاشتراكي ، وجعل منها مدرسة إعلامية متميزة. وكان لانخراط أقلام صحفية بهيئة التحرير ومتعاونين أكفاء واعتماد شبكة مراسلين قوية أدوار حاسمة في هذا الانتشار الذي بلغ مداه في نهاية التسعينيات».
رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومدير نشر «العلم»، عبد الله البقالي، اعتبر أن البريني ينتمي إلى جيل الصحفيين المؤسسن الذي كان جدول أعماله يختلف كثيرا عن انشغالات الصحفيين اليوم، المشغولين بميثاق التحرير والأخلاقيات والاستقلالية، حيث كانت الظرفية أنذلك موسومة بالتوتر وقضايا الرقابة وهي مهمة كانت تتطلب وقتها صحفيين لهم سند من القناعات الايديولوجية ، سند تنظيمي حزبي، ومنهم محمد البريني، لأنهم كانوا يواجهون «أخطارا سياسية وليست مهنية». وأضاف البقالي أن البريني أول نموذج ينتقل من الصحافة الحزبية الهشة إلى صحافة المقاولة «الاحداث المغربية» ولكن بمقاربة شاملة ، بالإضافة إلى اعتماده على جيل جديد من الصحفيين. هذا الانتقال تم أيضا على مستوى المادة الإعلامية التي فتحت طابوهات الدين والجنس وأثارت وقتها نقاشا داخل المجتمع «.
إبن زاكورة الذي بنى «الاتحاد الاشتراكي» المؤسسة والمدرسة
اعتمد البريني في إدارته لصحيفة «الاتحاد الاشتراكي» على مقاربة تشاركية ترافق كل خطوة من مسار تطوير الجريدة في محتواها واشعاعها، وفتح الباب واسعا للاقتراحات التي أعطت توجها إعلاميا للجريدة، وحتى عندما ترتفع درجة حرارة الخلافات بهيئة التحرير كان يبادر الى تنظيم حفل عشاء مصالحة بطريقة بيداغوجية.
على مدى 13 سنة من إدارته للجريدة وضع فيها إبن زاكورة قاعدة انطلاق صلبة لانتشار الاتحاد الاشتراكي ، جعل منها مدرسة إعلامية متميزة. وكان لانخراط أقلام صحفية بهيئة التحرير ومتعاونين أكفاء واعتماد شبكة مراسلين قوية أدوار حاسمة في هذا الانتشار الذي بلغ مداه في نهاية التسعينيات.
وهو يبادل كل ما قيل في حقه من شهادات صادقة، قال محمد البريني وهو يغالب هشاشته العاطفية :»لكم علي الكثير من الأفضال، وتعلمت منكم الكثير، ولم يكن ما حدث ليحدث لو لم ألتق بكم، في مسيرة طويلة، ومن مواقع مهنية مختلفة (…) قضيت فيها مع كل واحد منكم زمنا مهنيا مفعما بالمودة والتعاضد والصدق في خدمة القضايا الكبرى لوطننا، وصحافتنا الوطنية…»، معترفا، بشجاعة الكبار أن هناك « مواطن ارتكب فيها أخطاء في تقديراته المهنية»، مقدما اعتذاره عنها.
اللقاء شهد أيضا تقديم عدد من الشهادات في حق المحتفى به، من طرف رجالات الصحافة: مصطفى العراقي، محتات الرقاص، محمد بوخزار، أسية أقصبي، الحكيم بلمداحي، نادية لمهيدي، عبد الإله التهاني، مختار لغزيوي، سعيد خمري..
هدية التكريم التي دأبت مؤسسة منتدى أصيلة على تسليمها للمحتفى به في خيمة الابداع، على شكل تذكار»، خرجت عن المألوف والعادة هذه السنة، إذ لم يحمل محمد البريني تذكاره باليد، بل حملته جدران مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة ليخلد ضمن دفاتر موسم أصيلة الثقافي، بإطلاق اسم «محمد البريني» على القاعة الكبرى للندوات داخل المركز، وهي التفاتة رمزية دالة وقوية على أن الأثر يبقى خالدا في الزمان والمكان.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 13/11/2021