رحيل رائد من رواد النشر والكتاب الكبار بالمغرب: وداعا الأستاذ نزار فاضل مؤسس المركز الثقافي العربي

 

فقدت الساحة الثقافية والفكرية والأدبية بالمغرب، ومجال النشر والكتاب، منذ يومين بالدار البيضاء، واحدا من أعمدة النشر والكتاب بالمغرب، الأستاذ نزار فاضل، اللبناني المولد، المغربي الروح والإنتماء، مؤسس وصاحب دار النشر اللبنانية – المغربية الشهيرة، ومكتبتها الأشهر بحي الأحباس بالدار البيضاء «المركز الثقافي العربي». وللإنصاف، فإن فضل الرجل على المشهد الثقافي المغربي كبير جدا، راكمه على مدى أكثر من 50 سنة من العطاء المتواصل، بصبر وجلد وأيضا باحترافية الكبار، من خلال تدشينه تجربة للنشر والكتاب منحت للكتاب المغربي أن يعانق العالمية. فالكثير الكثير من كبار الأسماء المغربية التي صارت أعلاما رائدة في مجال الإبداع والفكر، وجدت في حضن مؤسسة «المركز الثقافي العربي» السند والذراع الذي به حلقت عاليا بإنتاجاتها الفكرية والأدبية ليس فقط في المغرب وبكامل العالم العربي، وفي طباعة جد محترمة، بل في كل بقاع العالم، عبر مشاركة المركز الدائمة والمؤثرة في كبريات معارض الكتاب الدولية بالعالم، من معرض فرانكفورت الشهير، حتى معرض إسطنبول، مرورا بمعارض باريس، القاهرة، بيروت، بغداد، دمشق، تونس، الجزائر وغيرها كثير.
يكفي التذكير هنا، أن غالبية كتب مفكرين مغاربة من قيمة وحجم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي، وأمهات الكتب المغربية الأصيلة، في كافة المجالات الفلسفية والتاريخية والأدبية والدينية والسياسية والقانونية، قد وجدت طريقها إلى القارئ المغربي والعربي، بفضل مؤسسة المركز الثقافي العربي، وبفضل مؤسسه المرحوم نزار فاضل (الذي كان دوما يشكل ثنائيا مبهجا ومؤثرا وفعالا مع رفيقه الآخر الكبير في مجال النشر، وصهره، الأستاذ بسام كردي، قبل أن يحلق كل واحد منهما في سماء مستقلة للنشر والكتاب). وهو المركز الذي يواصل اليوم، بذات القوة والعزيمة ورصانة الإحتراف، دوره التنويري في مجال النشر والكتاب بالمغرب والعالم العربي، مع الجيل الجديد من أبناء الأستاذ نزار فاضل، في مقدمتهم نجله الأستاذ هيثم نزار فاضل.
ولقد رثاه صديق قديم له من لبنان، في كلمة جد معبرة ومؤثرة، يقول نصها:
«وداعا سيد نزار فاضل
صاحب ومؤسس المركز الثقافي العربي
نحن لا نسقط على أقدامنا حين نسقط ،
نحن نسقط على أرواحنا ..
حين نقفز من علو شاهق ، أو من حافة تطل على واد سحيق ، سنتمنى لحظتها أن تنبت لنا أجنحة تسعف أجسادنا ، وتحملها في الفراغ المهول على صهوة تتحدى لعنة الجاذبية ، أجنحة نبتت في أذهاننا للحظات قبل أن تستسلم  شفافية الروح ليأس لا يحتاج الآن لحيله وألاعيبه المعتادة ليحكم قبضته على على ما تبقى فينا من رجال  يتساقطون منا الواحد تلو الآخر ..
كسماء هوت ، وكروح ضاقت بما رحبت ، يسقط على قلبي خبر رحيلك المرير ، سيدي نزار فاضل ،  السيد و المربي الفاضل صاحب ومؤسس المركز الثقافي العربي جوهرة عقد الثقافة العربية عبر أجيال من الأحلام الجميلة التي كنا كشباب عربي نملأ أرواحنا وقلوبنا برياح تهب من دوواوينها وكتبها وإشعاعها المتفرد في بث روح الحداثة والحرية والإبداع في سنوات الجمر والرصاص والنكسات والنكبات العربية المتلاحقة التي عصفت بكيان الوطن العربي وبمؤسساته الثقافية على الخصوص ، ورغم كل هذه الصحاري السوداء المحيطة بينا من كل الجهات ، كانت هناك واحات ضوء وكنت أنت سيد نزار بكل ماتحمله من معاني وقيم جسدتها بصمت الكبار ، في مشروع ثقافي حداثي ، ومتنور ، كان وسيلتك النبيلة في خوض معركة تنوير العقل العربي في صراعه الثقافي المرير مع اللوياثان ، هذا الإشعاع الذي كان يجذبنا كفراشات كلما احترقت ازدادت اشتعالا و تجددا  ، كأنها دورة اكتمال درزي لانهائي .
كتلك الفراشات وكدودات القز كنا نصنع حرير أرواحنا من أوراق توتك البري ..
وكأرزة من أرزات لبنان الخالدة ..
ستبقى في قلوبنا شامخا .. ويبقى قلبك النقي يفوح عطرا بنكهات المريمية ونبات التكيلا والملح ورائحة التونكا  المنقوعة في نجيل الهند والكهرمان الذهبي الجميل كطلتك البهية على سفينتك ويداك على الدفة ..بحار فينيقي جميل .. بعيون نسر وقلب أسد ويد محارب أسطوري
فهذا السندباد الذي طاف الدنيا ببحارها السبعة يرسو بسفنه على المرفأ الأخير .. و كصقر ملكي يودع السماوات الأخيرة.
خلود بهي سيد نزار ..
ستبقى فينا وستبقى دفة سفينتك في يد ربان حاذق وماهر يقودها مع بحارته إلى موانئ ومراسي لينثر المركز الثقافي العربي من أشرعتها رياح التنوير لخدمة المثقف والإنسان العربي .»
تجدر الإشارة إلى أن الراحل الكبير من مواليد سنة 1942 ببلدة رزيا بجنوب لبنان، ولقد هاجر إلى المغرب واستقر بها في بداية الستينات من القرن الماضي.


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 11/11/2021