ضرورة دمقرطة المعرض الدولي للكتاب

 

القراءة جعلت دونكيشوت إنسانا محترما، لكن تصديقه ما قرأ جعله مجنونا*
«جورج برنادشو»
إن أكبرهزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري
«نجيب محفوظ»

الكتاب بوابة العلم والعرفان، أداة لحفظ الذاكرة الإنسانية، وتخزين فيض منجزها الفكري والجمالي، وخير وسيلة وصلة لكي تتم حلقات التواصل الوجداني والثقافي عبر مر العصور والحضارات المتعاقبة، ليس الكتاب مجرد مدونة وسجل فحسب وإنما الكتاب نعم المحفز لشحذ الفكر وقدح الخيال، والسفر عبر الكلمة لدنيا رحيبة لا تقف عند مد أو حد، الكتاب يخترق الأزمنة والأمكنة ليصلك بماضيك وحاضرك ويقوي تطلعك لمستقبلك، حياة الإنسان قصيرة، وبفضل القراءة وحضور الكتاب يعيش المرء حياة خصبة ومضاعفة.
نشوة كبرى تستغرق القارئ وهو يعود بأكياس غنائمه من الكتب التي اقتناها، لتزدان بها مكتبته، يمسح عنها الغبار، يفك أقماط أغلفتها، يتلذذ بتشمم رائحة الحبر الطازج على صفحاتها، إن لذة مصافحة كتاب لها نكهة مميزة، نكهة خاصة لا يستشعرها إلا الملسوعون بلذة القراءة ونشوتها الآسرة.
وتجود الفرص – والمتجول بين ردهات الأروقة – بمصادفة أحد المبدعين المكرسين أو الكتاب المرموقين، فيفيض الحديث عن شجون الكتابة ولواعجها، وكم من المؤلفين، رغم الدعم المحتشم للوزارة، يغامرون بخبز يومهم، حتى يروا ما يسطرون بين دفة كتاب مرقوم، رغم كل معاناة الطبع والنشر والتوزيع، يعتبرون بنات أفكارهم وكتبهم بمتابة أولاد من أصلابهم تزدهي الحياة بهم.
معارض الكتب، تحوي ثمرات المطابع في الفنون والمدارك المختلفة، وتكون محط اهتمام وتتبع جمهرة القراء الواسعة الذين يتطلعون للقراءة بنهم واشتهاء، والمعارض المقامة هنا وهناك تمكن من سانحة التعرف على جديد إصدارات الكتب، ييسر وجودها المكان الواحد، فيوفر ذلك على الباحث المهتم البحث عنها في أماكن ووجهات متعددة.
رغم الثورة الرقمية التي غزت العالم، والتقدم الهائل الذي تعرف الوسائط التكنولوجية الحديثة والمتطورة، لا يزال الكتاب الورقي يحتفظ بألقه وجاذبيته، ومعارض الكتب – بجملة – قياس للحالة الثقافية والأدبية التي يعيشها مجتمع ما، ويعكس حركة ودورة التأليف والنشر والتوزيع، فالشعب الذي يقرأ ويهتم بنجاعة القراءة يمهد لكل عوامل التنمية المأمولة.
فالمعرض الدولي للنشر والكتاب، يحكمه أمران، صناع الكتاب أمامهم سوق اقتصادية وتجارية لعرض منتوجاتهم، في سوق الكتاب عبر جدلية العرض والطلب، والأمر الثاني متمحور حول التفاعل الثقافي والفكري والإبداعي، حيث يتجسد الصبيب الإبداعي في مجالات التأليف:شعر ورواية وقصة ومتابعات نقدية أو مستجدات أطاريح فكرية في عوالم السياسة والفلسفة والعلم وما إلى ذلك، عبر منتوجات الأجيال المتلاحقة وما يربط بينهما من شواغل وأسئلة حارقة.
هل لدينا تصورات / أو رؤية ننظر من خلالها لأهمية معرض الكتاب سواء في البيضاء والرباط مع سبل ترويجه واستراتيجية وحكمة تدبيره. الجدل أو بالأحرى الصراع لا زال قائما بين المدينتين الأولى كعاصمة إقتصادية والثانية كعاصمة للثقافة الإفريقية، قد يكون معرض الكتاب قد غاب عن مدينة البيضاء خلال جائحة كورونا حيث تحولت بناية المعرض إلى مستشفى ميداني، ولكن يبدو أن الرباط تسعى لتحتفظ بمعرض الكتاب غير أن للبيضاء الشرعية الكاملة ، تبنته واحتضنته لسنوات ذوات العدد، وفي حقيقة الأمر كلتا المدينتين لا تتوفران على مقومات معرض بالمواصفات والمعايير التي تعرفها المعارض الدولية في فرنكفورت أو لندن أو هونغ كونغ أو شارقة أو دبي أو القاهرة، بناية معرض الدار البيضاء متهالكة وغير مناسبة صحيا ولا إجرائيا، ومعرض الرباط لا يعدو أن
! يكون سرادقا أو خيمة كبيرة تقام للعزاء وليس للفرح وعرس الكتاب
أعتقد أن الفئة المستهدفة للإقبال على الكتاب، هم الطلبة والأساتذة وعموم الباحثين في مضان معرفية متباينة ومختلفة، فضلا عن ما يمكن اعتباره الجمهور المتلقي العام، فبرمجة وزمن المعرض يأتي في قلب الاهتمام بالامتحانات الإشهادية وهو زمن غير مناسب تماما للأباء ولا للأمهات ولا للأبناء المتمدرسين، كما يتعذر على كثير من المؤسسات التعليمية في مختلف ربوع البلاد أن تنظم زيارات ترفيهية وثقافية للمعرض الدولي للكتاب بسبب التوقيت غير الملائم.
المعرض تشوبه اختلالات تنظيمية، وتحضر فيه بسطوة الهيمنة التجارية على حساب الهوية الثقافية وهي الغاية السامية للمعرض، فالأسعار جد مرتفعة وصادمة للجمهور العاشق للقراءة، بيد أن أسعار الكتاب وفي مناسبة المعرض على وجه الخصوص، يجب أن تخضع لأثمنة تحفيزية تفضيلية.
عدد لا يستهان به من الأروقة يخصص لمؤسسات حكومية، أوشبه حكومية يكاد لا يزورها أحد، في حين أن عددا كبيرا من دور النشر تحرم من مساحة
! العرض والنشر بدعوى ضيق الحيز
غياب تمثيلية حقيقية لجهات المغرب الممتدة في اثنتي عشرة جهة فلا نجد حضورا مستحقا للطاقات المبدعة في شتى المجالات الأدبية والعلمية، ولا تتاح فرص للطاقات الشابة التي يراهن عليها لبناء الغد في المعرض، وثالثة الأثافي أن تكرس أسماء بعينها في كل معرض، كما لو أن المعرض يقتصر على الرباط وسلا
! ولا يلتفت حتى إلى جوارها
تكريس للفئوية والنخبوية، وتغيب فلسفة استحضار ما هو ديموقراطي ومنصف في التعامل مع الجسد الثقافي في البلاد وحساسياته المتنوعة، فمعرض الكتاب يشكل واجهة للحضور المغربي، من الأوجب أن تحضر فيه زبدة العطاءات والكفاءات، لا أن يطبخ المعرض وبرامجه وفق أجندة ضيقة الأفق ولا تراعي استحضار المغرب العميق بكل عنفوان وقوة شبابه المنتجة والمبدعة في حقول المعرفة والأدب والعلم والفنون.
معرض الكتاب من أولى أولوياته، تقديم صورة حية نابضة عن مغرب اليوم الثقافي الناهض، فالمعرض حق مشروع للجميع، وليس حكرا على جهة ما، تبسط يدها على فعالياته وأنشطته وتغض الطرف عن الطاقات المبدعة الحقيقية التي غالبا ما يتم الاعتراف بها، بشهادات واعترافات من خارج الوطن، فلا يمكن تصحيح أعطاب النخبوية والتهافت على المصالح الانتهازية واعتبار كعك المناسبة، إلا بالنظرة الواقعية والموضوعية، والتعامل مع فعالية المعرض الدولي للكتاب، بالحكمة والإنصاف وبمنتهى الديمقراطية، وبعيدا عن كل انتهازية ووصولية.


الكاتب : المصطفى كليتي

  

بتاريخ : 07/06/2023