فنانون وجها لوجه مع الملك -7-

محمود الإدريسي: كان الحسن الثاني يعاملني كابنه
ويناديني بالشريف لأنني من حملة القرآن

 

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

محمود الإدريسي الصوت الذهبي، كما لقب بذلك حينما غنى أغنية “عيشي يابلادي” والتي كانت الأغنية السحرية التي فتحت له أبواب قصور الحسن الثاني، التي أحبها إلى جانب أغنية «يا حبيب الجماهير» للموسيقار عبد الوهاب الدكالي، ومن ثمة توالت النجاحات ليغني أزيد من ثلاثمائة أغنية.
سافر إلى الشقيقة مصر بأمر من الراحل الحسن الثاني الذي تحدث مع الموسيقار محمد عبد الوهاب ليلحن له أغنية، إلا أن الأقدار شاءت أن يسافر موسيقار الأجيال إلى باريس للعلاج، فتولى الملحن الكبير محمد الموجي هذه المهمة بتدخل دائما من الراحل الحسن الثاني..
علاقة الملك الحسن الثاني والفنان محمود الإدريسي، كانت علاقة يغمرها الحب والعطف، إلى درجة أن الملك الراحل أهدى معطفه لمحمود الإدريسي، كما كشف عن ذلك ذات لقاء معه رحمه الله، يقول، بالإضافة إلى المعطف هناك العديد من لكساوي الذي أهداني إياها في مناسبات عديدة، مرة مرة كنخرجوهم يتشمشو، ونتهلى في هاد البركة،بالإضافة إلى ذكريات كثيرة، وجميلة في كل المناسبات التي يكون فيها ضيوفه الخاصين لا يستثنى محمود الإدريسي من الحضور، إلى درجة يقول إنني كنت قريبا منه جدا، هناك محبة وود، كان يعاملني كابنه، ودائما كان يناديني بالشريف، لا يحبني محبة مطرب فقط، بل محبة أيضا الشريف، ويحب أيضا حملة القرآن، وكان على علم بأنني من هذه الفئة.
وما إن كان هذا التقرب من الملك الراحل، قد جلب إليه غيرة الآخرين؟،عن ذلك قال رحمه الله، لا، هذه الأشياء لم يكن على علم بها الفنانون، بل هناك مناسبات يتم فيها استدعائي ويكون فيها جلالته وحده، وأنا لا أتحدث في هذا الموضوع مع أي أحد، بل كنت كتوما، على اعتبار أن المسألة خاصة، ولا أتباهى بذلك، وليس معقولا بأن أتحدث وأقول للناس إنني البارحة كنت مع الراحل الحسن الثاني.
وكشف أنه في مثل هذه المناسبات ،تكون هناك أسماء عزيزة على قلب جلالته مثل السي عبد الوهاب اللدكالي ، السي عبد الهادي بلخياط، السي عبد المنعم الجامعي ،والسي محمد الحياني رحمه الله، والسي محمد فوتيح، والسي محمد المزكلدي وأخرين. وكان يحب الفنانين جميعا ويشجعهم لكي ينتجوا. بالنسبة إلي شخصيا، لولا الراحل الحسن الثاني ما عشت في المغرب، وبفضل جلالته، تعرف محمود الإدريسي على العديد من المسؤولين مثل الملك الحسين ومعمر القذافي، والشيخ زايد بن سلطان وأغنياء العالم، كما تعرف على الرئيس عمر بونغو ، فذات مرة كان فوق خشبة المسرح بالقصر الملكي يغني، يقول محمود الإدريسي، جاء سيدنا الله يرحمو بصحبة الرئيس بونغو، وقال لي إنه أعجب بصوتك ويريد أن يسلم عليك.« سلم على فخامة الرئيس»، هذا يرفع من معنويات الفنان، وأقولها بصراحة أنا دائما أدعو له في صلواتي، فهو من خلق لنا الأمل كفنانين.
علاقة الفنان محمود الإدريسي تواصلت بعد رحيل الملك الحسن الثاني، وامتدت إلى الملك محمد السادس، عن ذلك يقول محمود الإدريسي رحمه الله، جلالة الملك محمد السادس يقول شيخ الأغنية المغربية، هو الآخر يعتني بالفنان، ولن أنسى أنه حينما وشحني جلالته قال لي، «عنداك تبعد من الميدان الفني، فنحن كنتبعوك وعملك جميل وعليك المزيد ونحن ننصت إليك».
ويعود الإدريسي بالذاكرة إلى الوراء، ليتحدث عن نصائح الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص الأعمال الفنية له ، حيث يقر ،بأنه فعلا تم ذلك وتحدث معه ما مرة حول أعماله، فهو متتبع لمسار الفنانين ودائما يوصيهم.
الملاحظ أن محمود الإدريسي، وربما هذا لا يعرفه الجمهور، أنه سافرت إلى المشرق وتعامل مع الملحن المصري محمد الموجي، كما تعامل مع ملحنين من ليبيا والكويت والعراق، عن ذلك سبق وأن كشف لجريدة الاتحاد الاشتراكي، قائلا، نعم تعاملت مع المرحوم محمد الموجي. فكل الأسفار التي قمت بها خارج أرض الوطن كانت دعوات رسمية سواء في المملكة العربية السعودية أو الكويت أو مصر.. في مصر كانت هناك أغنية كان سيسجلها ويغنيها الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولكنه اعتذر بسبب المرض الذي ألم به، وهي من كلمات الشاعر محمد الطنجاوي، وجلالة الملك الراحل كلفني للذهاب إلى مصر لأداء أغاني هناك منها ملحمة وأغنية «شمس الخلود» الذي كان سيلحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب لكن المرض حال دون ذلك، حيث ذهب إلى باريس لهذا الغرض وجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، اختار الملحن الثاني محمد الموجي، وكلفني بالتواصل معه، كان ذلك تحت رعاية وزارة الداخلية آنذاك للسفر إلى مصر لمدة شهر كامل، وغنيت «شمس الخلود» من لحن محمد الموجي، وأديت الملحمة التي تتحدث عن تربية الطفولة، حيث أديت دور أستاذ، في حين أدت سميرة سعيد دور الأستاذة، وعملنا ديو مع الأطفال وهي ملحمة جميلة، وقد صورت وأخرجها حميد بنشريف، لكن لم نعد نراها تعرض في التلفزيون، كما غنيت لملحنين ليبيين، محمد سعد بوعجيلة، ومجموعة من الملحنين الآخرين، «أنا سيدنا ما كانش يخليني نسافر بزاف،»ويوم توفي رحمه الله سنة 1999 لم أعد أهتم بالهجرة، وأنا متعصب للأغنية المغربية.


الكاتب : إعداد : جلال كندالي

  

بتاريخ : 30/03/2023