في اليوم الدراسي المنظم من قبل الفريق الاشتراكي بمجلس النواب حول تطورات القضية الوطنية

تاج الدين الحسيني: الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية

انقلاب جذري في التفاعل الدولي مع القضية الوطنية

عبدالقادر الشاوي: الدبلوماسية المغربية لا تعتمد على معيار
المهنية وموقفها تطبعها الظرفية والاستثنائية

سعيد خمري: بفضل ركائز الدبلوماسية المغربية المتعددة
والمتنوعة تحققت مكاسب قوية للقضية الوطنية

بوبكر حمداني: المجتمع المدني المغربي شريك للدولة في دعم
المسار السياسي والتنموي من أجل حل النزاع المفتعل

 

قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط، بخصوص تطور المواقف الدولية حول القضية الوطنية، إن الاعتراف الأمريكي بالسيادة الشاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية “كان انقلابا جذريا على مستوى التفاعلات الدولية والتحولات التي كانت في صالح قضية وحدتنا الترابية”.
وأضاف الحسيني المتخصص في العلاقات الدولية، في ندوة نظمها الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، يوم الجمعة الماضي بمقر المجلس، أن ما جرى بالكركارات وما تلاه من تدخل عاجل للمغرب أفضى إلى احتواء التوتر وبسط الأمن على المنطقة، وبهذا الوضع كانت هذه التحولات الكبرى لصالح المغرب وشكلت ضربة قوية للنظام الجزائري، الذي كان يسعى إلى إيجاد منفذ على المحيط الأطلسي عبر خلق التوتر في هذا المعبر.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن الأحداث الأخيرة “أثبتت أننا أمام خصم لا يتوفر على المبادئ الأساسية للفرسان، بل يحارب بطريقة عشوائية، وقوّته تنحصر فقط في ما يملكه من بترول وغاز”، وساق مثالا بما كتبه سابقا في مقال له، وأثار ضجة كبرى لدى الخصوم آنذاك، “كلما ارتفع سعر البترول زادت عدوانية النظام الجزائري».
واعتبر الحسيني خلال هذه الندوة التي حضرتها فعاليات سياسية وحقوقية وإعلامية وطلابية، أن الخصم الوحيد للمغرب على الصعيد الدولي هو الجزائر، مطالبا بالعمل على وضع استراتيجية جديدة لتقوية عمل الدبلوماسية المغربية، في شقيها الرسمي والموازي، والتركيز على استغلال نقط ضعف الخصوم عند الترافع عن قضية الوحدة الترابية أمام الدول والمؤسسات الأممية.
ودقق أستاذ العلاقات الدولية قي مقولة أن الخصم الوحيد لدى المغرب هو الجزائر قائلا : “اليوم، نعتبر أن الخصم الوحيد للمغرب في المعترك الدولي هو النظام الجزائري، ولا أقول الشعب الجزائري الذي حمل راية التآخي مع المغاربة وخاض معارك داخلية للدفاع عن حقوقه”.
ولفت الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن الشعب الجزائري يتعرض لمحاولات دنيئة لتصغير حجمه بدفعه من قبل النظام الحاكم إلى التعبير عن معاداة المغرب، كما جرى خلال انطلاق فعاليات كأس إفريقيا للأمم للاعبين المحليين، حيث هاجمت بعض الجماهير الجزائرية المغرب، وفتح المجال أمام نجل رئيس جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا للتعبير عن مواقف مناوئة للمملكة.
وسجل الحسيني أن النظام الجزائري مستمر في الضغط على الرئاسة في تونس، للاعتراف بالجمهورية المزعومة للبوليساريو، وكذلك الشأن بالنسبة لموريتانيا، في محاولات يائسة لإقامة مغرب كبير دون المغرب.
وبخصوص الموقف الفرنسي، أوضح الحسيني أن مايدور في كواليس السياسة الفرنسية، أصبح واضحا للعيان بسبب تقدم المواقف السياسية للدول الأوربية تجاه القضية الوطنية مشيرا إلى أن هذا النهج السياسي الذي تنهجه “يذكرنا بالاستعمار الجديد، . .. وأن فرنسا تعمل على شراء توازن مصالحها في منطقة شمال إفريقيا بأي ثمن كان».
وتابع القول في ذات السياق إن فرنسا تعرف جيدا، أكثر من غيرها، أن الصحراء مغربية، لكن المستجد الوحيد اليوم، وفي هذه الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة “هو دخول الغاز والبترول الجزائري والنظام الجزائري“، مؤكدا في هذا الصدد، أن النظام الجزائري مستعد لتقديم الغاز والبترول بدون مقابل لأي دولة تتبنى أطروحة الانفصال في الصحراء.
وساق الحسيني في هذا الإطار مثالا صارخا لقرار سياسي اقتصادي اتخذه النظام الجزائري، يهدف من خلاله إلى تأزيم الوضع الاقتصادي بالمغرب، وذلك بحذف أنبوب الغاز الذي ينطلق من الجزائر ويمر عبر المغرب في اتجاه أوروبا، بالرغم من أن الجزائر تستفيد من هذا المشروع ب 90 في المائة والمغرب لا يستفيد سوى ب10 في المائة، لكنه لم يتمكن من ذلك لأن المغرب متحكم في مالديه من إمكانيات وما يجلب من الخارج بفضل علاقاته السياسية والاقتصادية المتعددة والمتنوعة.
وشدد الحسيني في آخر مداخلته على التعاون والتنسيق ما بين الديبلوماسية الرسمية والموازية بالمملكة، لإفشال كل المخططات الجهنمية للنظام الجزائري، مقترحا في هذا الباب، خلق خلية للتنسيق بوزارة الخارجية يكون هدفها ضبط النشاط الديبلوماسي الرسمي مع الفاعلين الموازين، من أحزاب سياسية وبرلمانيين وجامعيين وممثلي المجتمع المدني».
كما اقترح الحسيني إنشاء مجلس وطني للدبلوماسية، على غرار العديد من المجالس العليا بالبلاد، ما دامت قضية الوحدة الترابية هي القضية المركزية والأولى في العمل الدبلوماسي المغربي في الوقت الراهن.
ومن جهته قدم عبد القادر الشاوي، سفير المغرب السابق لدى الشيلي، مداخلة نقدية حول أداء الدبلوماسية المغربية في ملف الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، والعمل الدبلوماسي المغربي.
واعتبر السفير الشاوي، أن العمل الدبلوماسي لم يكن يضع المهنية كمعيار أساسي في اشتغاله، ولم يتوفق في الدفاع عن ملف الصحراء بشكل ملائم، لا سيما في أمريكا اللاتينية.
وانتقد الدبلوماسي الشاوي، بنفس المناسبة، خلال يوم دراسي، الدبلوماسية المغربية، قائلا إن هذه الأخيرة “ لا تقوم على أي أساس نظري تحليلي يرسم خططها وتصوراتها ومصالحها الوطنية وأهدافها البعيدة والقريبة، بل إن موقفها تطبعه الظرفية والاستثنائية”.
واعتبر الشاوي ذو الخلفية الميدانية في العمل الدبلوماسي، أن من بين المنطلقات المترسخة في الدبلوماسية المغربية، “نجد ستّ ظواهر مترابطة، تتمثل في نوع من الصمت السياسي، والهيمنة الإدارية البيروقراطية المركزية، والأولوية للاعتبارات الشخصية أحيانا على حساب الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، إضافة إلى نوع من النقصان المهني”.
وأرجع السفير السابق ضعف المهنية في عمل الدبلوماسية المغربية إلى كون المغرب لا يتوفر على مؤسسات أو أكاديمية لتكوين الدبلوماسيين، لافتا الانتباه إلى أن “معظم المشتغلين في السلك الدبلوماسي تخرجوا من المدرسة الإدارية أو تقترحهم الأحزاب السياسية”، مؤكدا في نفس الوقت أن “المهنية لم تكن دائما عنصرا أساسيا في عمل الدبلوماسية المغربية في أكثر من منطقة، وهناك أمثلة كثيرة تدل على ذلك.
وانتقد الشاوي، انطلاقا من تجربته كسفير، استمرار تحكم الإدارة المركزية في توجيه عمل القائمين على البعثات الدبلوماسية المغربية في الخارج، قائلا إن “الإدارة المركزية هي التي ترسم وتأمر وتوجه في كل ما يتصل بالعمل الدبلوماسي، الذي من المفروض أن يتم بالطرق المناسبة في ضوء الأوضاع الخاصة لبلد إقامة الدبلوماسي”. كما انتقد ما سمّاه “غموض التواصل وضعف الإلمام، الذي لا يأخذ بعين الاعتبار مجالات الحياة الخاصة للشعوب والتحولات التي تعرفها”.
وتوقف الشاوي عند عمل الدبلوماسية المغربية في أمريكا اللاتينية، التي تشهد نشاطا مكثفا لخصوم الوحدة الترابية للمغرب، واستعرض عددا من الثغرات التي تخترقه، منها عدم تغطية كل بلدان المنطقة، أو تغطية بعض الدول بالوكالة عن طريق السفارات المتواجدة في عواصم الدول التي تربطها بالمغرب علاقات جيدة، حيث تغطي أحيانا سفارة واحدة ثلاث دول، في حين أن هناك دولا تغيب فيها الدبلوماسية المغربية بشكلٍ كلي، مثل فنزويلا والإكوادور والباراغواي، نظرا لمواقفها الداعمة لأطروحة الانفصال في الصحراء المغربية.
وبالموازاة مع ذلك، اعتبر الشاوي أن التمثيل الدبلوماسي المغربي في أمريكا اللاتينية، حديث العهد ومتأخر، إذ لم يتم تمثيل المملكة في دولة الشيلي إلا سنة 1997، وقبله بست سنوات، أي في 1991، استقر أول سفير مغربي في المكسيك، بينما لم يتمكن السفير المغربي من مباشرة مهامه في غواتيملا إلا قبل أربع أو خمس سنوات.
وأضاف السفير السابق “ليس من الضروري أن نتساءل عن الأوضاع الملموسة القائمة في تلك التمثيليات الدبلوماسية من الناحية السياسية والمالية وطبيعة العاملين فيها، والميزانية العامة المخصصة لتدبير وتسيير العمل فيها، لأن ذكر هذا الجانب من النشاط الدبلوماسي العام يثير الكثير من التساؤلات المرتبطة بالجدوى وكيفية صرف المال العام، فضلا عن السلوك الدبلوماسي للقائمين على هذه التمثيليات”.
ومن جهته يرى سعيد خمري، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، عكس ما جاء به السفير السابق عبدالقادر الشاوي، أن «الدبلوماسية المغربية عرفت في عهد جلالة الملك دينامية مهمة باعتمادها على عدد من الركائز الأساسية، خاصة في ما يتعلق بالقضية الوطنية».
الركيزة الأولى، بالنسبة لخمري، الواقعية السياسية، وتتمثل في المقترح المغربي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية «مبادرة الحكم الذاتي» بالأقاليم الجنوبية.
وأوضح من خلال تحليله لهذه الركائز أن الركيزة الثانية، تتجلى في أن المغرب عمل على تنويع علاقاته الدولية، بالحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه التقليديين، وبالانفتاح على شركاء جدد لتوطيد العلاقات سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين من خلال زيارة جلالة الملك للصين وروسيا…
أما الركيزة الثالثة تتجسد، حسب الأستاذ الجامعي خمري، في كون المغرب اتخذ قرار العودة القوية إلى الاتحاد الإفريقي على المستوى السياسي، وفي الشق الاقتصادي والتنموي طورت علاقاته مع العديد من الدول الافريقية، على المستوى المالي والمشاريع التنموية بالإضافة إلى مجهودات المملكة في التعاون على المستوى الأمني وحفظ السلام في إفريقيا ومكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل والصحراء»، فضلا عن ما سماه خمري بالدبلوماسية الدينية المتمثلة في علاقات الزوايا الدينية وفي تكوين الأئمة للدول الإفريقية.
واعتبر الأكاديمي أن من ثمار هذه الدينامية الدبلوماسية، الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على صحرائه، والموقف المتقدم لإسبانيا ثم الموقف الإيجابي الأخير لدولة ألمانيا الداعم للمقترح المغربي حول مشروع الحكم الذاتي، فضلا عن افتتاح عدة تمثيليات وقنصليات لعدة دول بالأقاليم الجنوبية: 27 قنصلية في الداخلة والعيون.
وأكد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن كل هذه العوامل جعلت من المغرب قوة إقليمية صاعدة لا يمكن تجاهلها، وعززت المكانة السياسية والدبلوماسية المغربية في المنتديات الدولية ولدى المنتظم الدولي، وجعلته في وضع قوي للدفاع عن القضية الوطنية والوحدة الترابية للمغرب.
كما ساهم م بوبكر حمداني، رئيس مركز التسيير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية بالعيون بمداخلة بنفس المناسبة حول»الصحراء المغربية ودور المجتمع المدني في الدبلوماسية الموازية»، أكد فيها أن القضية الوطنية هي النظارة التي يرى بها المغرب نوعية علاقاته الدولية مع الدول الأخرى، مشددا على أن المغرب لن يتفاوض عن مغربية الصحراء بل سيجلس إلى طاولة الحوار مع الأطراف المعنية بهذا النزاع المفتعل، من أجل إيجاد حل سياسي في إطار السيادة الوطنية على أقاليمه الجنوبية.
وشدد نفس المتحدث على أن المغرب مستمر في مساره التنموي بالأقاليم الجنوبية، ولن يتوانى عن القيام بالمشاريع التنموية لفائدة أقاليمه وساكنتها المغربية على جميع المستويات والأصعدة.
واعتبر أن مكونات المجتمع المدني سائرة هي الأخرى في دعم هذا النهج التنموي، مع ضرورة تعدد المبادرات التنموية من أجل تحقيق التقدم والرفاه للساكنة، ولتكميل مجهودات الدولة المغربية في هذه المسيرة التنموية.
كما توقف عند الدور المحوري والسياسي الذي يلعبه المجتمع المدني بالمغرب عامة والجهات بالصحراء المغربية على المستوى الدببلوماسي الموازي في إفشال كل المخططات اليائسة لخصوم الوحدة الترابية المتعددين.
كما أشاد حمداني بالمسؤولية القوية التي يتحملها المجتمع المدني المغربي في المنتديات الدولية والمنظمات الدولية المتمثلة في الترافع والدفاع عن القضية الوطنية وكشف المناورات الدنيئة والمغالطات التي ما فتئ خصوم الوحدة الترابية يروجونها ضد قضية الصحراء المغربية.


الكاتب : مكتب الرباط: عبدالحق الريحاني

  

بتاريخ : 23/01/2023