في تكريمه من طرف جمعية « هوس » بالمحمدية ، عبد الوهاب لعروصي: أن أستنطق الصمت

… رجل صموت، كتوم، ناذرا ما يتحدّث، وكأنّي به ارتأى أن يترجم بوحه بما تحسن فعله يداه …قلت وأنا أمام سُحنته السمراء إنّه من أولئك الذين نشأوا جنوبا، يناجون أراوحا وذواتا لا يراها غيرهم، بين كتبان من رمال ذهبية ، وأفراح وأقراح يلفّها لون السراب…في انتظار دائم ، صبور، لقطرات تجود بها سحب الحرّ علّ الواحة تسرع نضج تمار النخيل الباسق…ولمّا آنس الرجل منّي قربا، باح ببضع شذرات كتب القدر عليّ أن أفكّ طلاسيمها – على عادتي في استنطاق أشكال من الصموت – فكان في صوته المتهدّج الشجي حافزي لأكلّم النأمة والنغمة …فحقّت ، بعد لأي، نبوءاتي.
في أرفود، المتربّعة شامخة في قلب درعة تافيلالت، كانت الصيحة الأولى للإبن البكر من الزوجة الثانية لأب يُحسن انتقاء الكائنات الصامتة…فحقت نبوءتي الأولى.
ومن عشق الطبيعة الخرساء الصاخبة، وإنصات عميق لصوت العزيف …صوت أمواج الرمال، كانت اليد الماهرة التي تخصّصت في ما يسرّ الناظرين من مباهج التأثيث للمدارات الحزينة، بها شمخت سينوغرافيا خشبة دار الشباب بأرفود الناطقة بسبعة ألسن، مسرحا يعاني شظف قِصر اليد، وبهاء العيون الرائية …فكانت الصنعة بإتقان اليد الماهرة …فحقّت نبوءتي الثانية.
ولأن العين الشاخصة لا يحدّها جدران الكثبان المتحوّلة…كان الولع بالسنيما في البيضاء، وقد استهواها الديكور لفضاء أرحب وأعقد، وقد تشرّبت بدعتها وإبداعها من المتحف الورزازي، معقل السنيما، فكان الولع بالشاشة الكبرى رفقة مخرجين كبار …وكانت مؤسّسة « آرتتيليب»، وشريط من بين أشرطة متلاحقة « ماذا تريد لولا « و « قضية بنبركة» …فحقّت نبوءتي الثالثة.
ولأن العودة للأصل أصل …كانت الواحة الاصطناعية الزائلة بمعرض التمور بأرفود، مخترقة العرف، لتعمّر ثلاثة أشهر بأمر من الجهات العليا …واحة من محاكاة الحلم المستخرج من صلب الانتظار المعهود…فحقّت نبوءتي الرابعة.
بعدها، إنّما هو الرجم بالغيب الذي تضعنا فيه ملامح الرجل المتمسّك بصمته الخلّاق.
فهنيئا لك صديقي بهذه الالتفاتة الدالة من أصدقاء، هم أيضا مثلي يعانون في صمت من صمتك القابل لألف تأويل …وطوبى لنا برفقتك الطيبة ….

(*) نص الشهادة في حق الفنان عبد الوهاب لعروصي
من تنظيم جمعية « هوس » الدورة العاشرة للفيستيفال


الكاتب : عبد الإلاه رابحي(*)

  

بتاريخ : 14/02/2024