في لقاء لتقديم أعمالة الروائية الكاملة.. محمد برادة: أكتب محفوفا بالقلق واللايقين في انتظار «مفسر الأحلام»

«أكتب محفوفا بالقلق والترقب واللايقين».. هكذا تحدث الروائي والناقد المغربي محمد برادة في لقاء نظم بالمعرض الدولي للنشر والكتاب يوم الجمعة 2يونيو الجاري، بمناسبة إعادة طبع أعماله الروائية الكاملة من طرف دار نشر الفينك في حلة فنية تشبه «ماتريوشكا» روسية، وفاء لواحد من أعمدة الأدب المغربي الذي بصم بتعدده، ناقدا، قاصا، مربيا، مسرحيا، على مسار لافت هو ما أغرى دار النشر بالإقدام على هذه المغامرة في زمن اللاقراءة الآخذ في التمدد.
مغامرة اعتبرها الروائي المحتفى بأعماله الكاملة، ربما جاءت «لتراهن على قراء محتملين من جيل جديد وقد تكون تأريخا لظهور الرواية المغربية «بعد مسار من الاجتهادات، شكلا ومضمونا، لافتا الى أن الأجيال القارئة تتغير في المغرب رغم أن بنيات الحقل الأدبي هشة وتحتاج دوما لإلى دعم القراء.
و»بعيدا من الضوضاء، قريبا من السكات»، وبصوته الهادئ، اعتبر برادة أن الصدى الذي تركته روايته الأولى «لعبة النسيان»، التي طرحت سؤال الأم بشكل مختلف، هذا الصدى هو ما حفزه على مواصلة درب الكتابة الشاق ، كتابة قدم إليها في مرحلة حارقة اجتماعيا، متوترة ساسيا، وضاغطة نفسيا، حيث أصبحت الكتابة في معناها العميق هي ما يبرر الاستمرار في الحياة وفرس رهان على المستقبل في شروط وسمها القمع والتسلط، ما جعل منها مرحلة راهنت على التعبير بالأدب عما عجزت عنه السياسة .
وفي معرض حديثه عن العلاقة الملتبسة بين الكتابة والحياة، كشف مؤلف « الضوء الهارب» أن العنصر الكامن وراء خوضه مغامرة الكتابة هو الرغبة في القبض على «علاقته بالحياة «باعتبار الكتابة واسطة لتجلية العلاقة بين الفرد والعالم، بينه وبين الآخر، ثم بينه – وهذا هو الأهم – وبين ذاته، حيث أشار صاحب» رسائل امرأة مختفية» الى أن ما يعني القارئ هو النصوص المكتوبة في أسيقة معينة ، والتي «تتعالى على شروطها وتتخاطب وتتفاعل مع المتلقي».
نوستالجيا الحنين الى الطفولة، وإلى طفولة المكان، كانت تلوح كنجمة جاذبة على محيا محمد برادة، وهو يستعيد ذكريات طفولة، بحلوها ومرها، بتجربة كتابة الطفل الأولى ممهورةً على ورق الرسائل الى الخال البعيد، طفولة تمنح الوهم بالقدرة على مجابهة الزمن.. هي علبة سوداء ننزع إليها للتأمل و»نفض الغبار عن رحلة الحياة»، طفولة لا تظل ثابتة وواضحة بغير خبايا وأوهام. إنها طفولة رعت حروفه الأولى منذ حبوه بفاس وشكلت حافظته الأولى بمتاهات أزقتها الصاعدة، الهابطة، بـ»العيون الغنج من وراء اللثام»، أو بحواري قاهرة المعز، حيث الفن والسينما والثقافة الشاسعة الأمداء التي وضعت كاتب» «موت مختلف» أمام أسئلة الهوية واللغة المتعددة في وحدتها، حيث هناك تعلم معنى الانتماء الى الأرحب والأعمق: العالم.
ومن منطقة اللايقين التي يصدر عنها برادة في كل كتاباته، تشكل التجربة الحياتية أداة مراهنة على موضوعات بعينها، منحوتة بلغة تتحدر من رواسب الطفولة، كتابة تنتمي الى المعيش و»ما ينحفر في المسام واللاوعي» تنتمي الى الحياة وتجلياتها وأصواتها، وتضع الفرد أمام تاريخه الخاص قبل أن تدفعه إلى مواجهة أسئلة المجتمع، لم يستنسخ فيها برادة الواقع ولا اطمأن يوما الى وصفة جاهزة حتى بعد طول تجربة لأن الكتابة «تظل مفتوحة على المجهول» وتظل متطلبة بشكل مخصوص ولغة تنقل ما تلبد في ثنايا الذاكرة والوجدان.
هل صدقت ليلى الشاوني مديرة»دار الفنك» محمد برادة حين قال ذات يوم «لقد قلت كل شيء»؟
لا أظن، فبرادة لا يزال مصرا على حرث أراض إبداعية بكر، كما قال الناقد حسن المودن، وهو بذلك كاتب مخاتل كما وصفه الناقد رشيد بنحدو في تقديم اللقاء، وأما وجه المخاتلة فهو صدور مسرحيته الثانية قبل أيام، ونصه السردي القادم بعنوان مؤقت « لديك أزمة إيمان، قال مفسر الأحلام».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 05/06/2023