في ندوة ناقشت وضع «العرب وأعباء الفراغ الاستراتيجي»

أوجار: لا أؤمن بنظام إقليمي عربي وجاري القريب يناور ويخطط لتدمير بلدي
الكتبي: لم نستطع، كعرب، إنتاج مشروع فكري وثقافي متكامل يفهم لغة المستقبل
النخب العربية تملكها جبن تاريخي جعل أغلبها يختفي في جلباب السلطة

 

ناقشت الندوة الرابعة من ندوات منتدى أصيلة في دورته الرابعة والأربعين «العرب اليوم وأعباء الفراغ الاستراتيجي» يوم الثلاثاء 17 أكتوبر الجاري، واقع النظام الإقليمي العربي وعوائق بناء رؤية استراتيجية تلم شتات مشاريعه المتعثرة بين الأقطار العربية، بحثا عن أفق مشترك واع برهاناته، وبحجم التحولات الدولية المتسارعة من حوله، والمعادلات الجيوستراتيجية التي تتكلم لغة المصالح وتتبنى المنطق الهيمني، وتحتكم إلى آلية القوة.

في هذا الإطار اعتبر محمد بنعيسى، رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، أن «هذه الندوة تأتي والعالم العربي يعيش وضعا خاصا، وفي ظرفية دقيقة تحتاج استشرافا ثاقبا لتشخيص الواقع ولاستكناه المستقبل»، خاصة وأن» خارطة العالم تغيرت في العقود الأخيرة ، والموازين الجيوسياسية تبدلت ، وقواعد النظام الدولي لم تعد كما كانت، وهو ما يقتضي «مراعاة هذه المستجدات في أي تفكير معمق جاد».
واعتبر بنعيسى أن الندوة ترمي إلى تسليط الأضواء الكشافة على هذه المعادلات في كل اتجاهاتها ورهاناتها وآفاقها المستقبلية عبر « تقديم الرؤية الساطعة والفهم الرصيد للمعادلة الجيو سياسية العالمية بتأثيراتها الإقليمية، تلمسا للمسلك الناجع لاستعادة العرب زمام المبادرة الاستراتيجية في سياق دولي متغير، وعبر نبذ الأحكام المتسرعة والمصادرات التبسيطية من أجل الإسهام الفعال في إرساء حوار جدي حول آفاق مستقبل عربي».
الندوة التي ترأست جلستها الافتتاحية الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة «مركز الإمارات للسياسات› بأبو ظبي، انطلقت من أن أية قراءة لمجريات السياسة العربية في العالم العربي، لا بد أن تسائل تأثير الصمت العربي حيال الأزمات والتحديات المطروحة أمام العالم العربي، وأقربها الأزمة الحالية في غزة. فحجم الإشكالات يزيد عن إمكانات الحلول الجذرية. لذا فإن أي تشخيص لابد أن يدخل في الاعتبار ، حسب الدكتورة ابتسام الكتبي، الواقع الداخلي لهذه الدول، ثم التدخلات الأجنبية والقوى الإقليمية، والتي شكلت في مجملها حالة التراجع التي نعيشها اليوم، مشيرة إلى التحولات الإقليمية والدولية التي عاشها العالم في العقدين الأخيرين، والتي ساهمت في تعميق حالة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة العربية مما جعلها «أقل فاعلية في رسم وتشكيل عناصر حاضرها مع صعوبة التأقلم مع هذه التحولات لافتقارها للمؤسسات الفاعلة بالإضافة الى الأزمات الاقتصادية وتفكك مؤسسات الدول الوطنية، إن وُجدت، وحالة الحروب (السودان، لبنان، ليبيا، سوريا، العراق) ما يجعل إدارة هذه الأزمات مستعصية. ولفتت الكتبي الى أن الإصلاح يبدأ من خريطة عمل بثلاثة محاور: الاستقرار الأمني والسياسي، ثم تعزيز الاعتدال والوسطية لمحاربة التطرف، وأخيرا تحقيق التنمية واستفادة الشعوب من عائداتها لأن غياب هذه اللبنات الثلاث هو ما جعل العرب غير قادرين لحد الساعة على «إنتاج مشروع فكري وثقافي متكامل يفهم لغة المستقبل ويواكب التحولات الرقمية، ويسحب البساط من أصحاب الشعارات القومية أو الدينية».
وزير العدل الأسبق محمد أوجار، اختار لغة عارية وجارحة وهو يُوَصّف حالة العالم العربي اليوم، والتي لا يمكن التدليل عليها بشكل أبلغ من مشاهد العنف والتقتيل الدائرة اليوم في غزة، والتي تبيد الفلسطينيين كل يوم على مرأى ومسمع كل الحكومات العربية وجامعة الدول العربية « التي كل تراثها بيانات فقط، وعقد قمم لا طائل منها»، ما حدا به إلى القول، بكل أسى، إنه «لا يوجد نظام إقليمي عربي لأنه لو وجد لتصرف مثل ما تصرف النظام الأطلسي أو الأنكلوسكسوني المناصر لإسرائيل»، مؤكدا أنه «لا يؤمن بوجود نظام عربي إقليمي وهو يرى جاره يعبئ كل طاقاته لتدمير بلده المغرب»، متسائلا «كيف يمكن لليبيين أيضا أن يشعروا بالانتماء إلى هذا النظام والمواطنون يستشعرون بأن كثيرا من المسؤولية على الكوارث التي يعيشها يتبناها أو يمولها أشقاء عرب؟» مضيفا أن تجارب العرب على مدى 60 سنة أثبتت أن اللغة والامتداد الجغرافي الشاسع والانتماء لنفس الدين لا تكفي لإرساء هذا النظام ما لم يتمتع مواطنو هذه الدول بالحرية والعدالة والكرامة، وهو الأمر الذي يؤكد أوجار بشأنه أن «العرب عليهم أن يقروا بفشلهم الجماعي في إشراك المواطنين في التدبير الديمقراطي داخل بلدانهم القطرية، وفي بناء منظومة قيم لأنهم لايؤمنون بالحكم الرشيد، بحسن الجوار وبقيم الديمقراطية بل بعقيدة التسليح لمحاربة المعارضة».
وصوب أوجار سهام نقده، وهو يعدد مظاهر الأزمة، إلى النخب العربية، معتبرا أنها «كانت جبانة، ولم تقدم اليوم مشروعا تحديثيا متكاملا بل تملكها جبن تاريخي جعل أغلبها تستأسد ويختفي في جلباب السلطة».
وفي حديثه عن التجربة المغربية، أشار أوجار إلى أنه بمراس امتد 12 قرنا، استطاعت الدولة المغربية أن تنتج فعلا تاريخيا مكنها من تدبير أزمة الإسلام السياسي بحكمة، حيث استطاعت، عبر الممارسة الديمقراطية، تحويله إلى صوت من داخل المؤسسات رغم فشله ميدانيا، وجعلت تقييم تجربته بيد الناخبين الذين اكتشفوا زيف شعاراته، بالإضافة إلى حسن تدبيره لملف الربيع العربي الذي تمت مصادرة مطالب الشباب، خلاله، في عدد من الدوال العربية بسبب التعامل القمعي والثورات المضادة والتي أدت في النهاية إلى انهيار الدولة الوطنية، إذ لا يمكن حسب أوجار «أن نبني دولة وطنية أو نظاما إقليميا عربيا بدول لا تحترم الحريات ولا الدساتير، ولا تؤمن بتداول السلطة، وبدول لا تدبر اختلافاتها بشكل ديمقراطي ولا تشرك المرأة في صناعة القرار».
وختم أوجار مداخلته بالتشديد على دور النخب التي عليها اليوم «أن تنخرط في مشروع جديد يساهم فيه الأكاديمي والمثقف والجامعي، بل عليها أن تتجرأ وتتحدث لغة مزعجة حتى لا نظل خارج الترتيبات الدولية، ونظل يتامى الأنظمة الديمقراطية وخارج الزمن الجديد».
بدورها شددت معالي الوزيرة سميرة إبراهيم بن رجب، مبعوثة الديوان الملكي البحريني، على أنه لا يمكن قراءة أسباب تراجع النظام الإقليمي العربي دون الرجوع إلى التحولات السياسية العربية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، وفرض نظام الأحادية القطبية والعولمة، ودون الأخذ بعين الاعتبار دخول أمريكا لإدارة الصراع الجيوستراتيجي على منطقة الشرق الأوسط وضمان نفوذها بالمنطقة، في غياب تام لأي دور استراتيجي عربي لحماية الأمن القومي، وهو ما تجلت اولى أجنداته بتحييد الدور المركزي المصري بعد اتفاقات أوسلو، وغزو العراق الذي شكل لعقود سدا منيعا أمام تمدد الأطماع الإقليمية والدولية. واعتبرت مبعوثة الديوان الملكي البحريني أن إسقاط العراق كقوة اقتصادية وسياسية وثقافية من معادلة الأمن القومي العربي، شكل بداية انهيار النظام العربي الرسمي وبداية التدخلات المكشوفة لإرساء نظام دولي جديد من لاعبيه الأساسيين في المنطقة: إيران وإسرائيل وتركيا عبر اختراق المنطقة، أفقيا وعموديا، أمام عجز الأنظمة العربية عن الرد وعجز الجامعة العربية وهو ما ظهرت ارتداداته الأولى مع الربيع العربي في2011 التي دفعت أحداثه المنطقة إلى مزيد من التفكك والانهيار أو التواطؤ في بعض الأحيان، الذي كان « تباشير أولى لشرق أوسط جديد، في لعبة براغماتية دقيقة تؤمن بالمصالح من جهة، وترفع وتيرة الشقاق والخلافات والانشغال بها». لكن رغم هذه الصورة القاتمة، ترى سميرة إبراهيم أن الوضع العالمي اليوم الذي أفرزته الحرب الروسية – الأوكرانية وفشل السياسيات الأمنية الأوربية تشي ببوادر نظام عالمي جديد على الدول العربية أن تضمن لها فيه موقعا متقدما، خاصة مع تصاعد وعي الأجيال العربية اليوم بالقضية الفلسطينية، وبروز إعلام قوي بدت معالمه جلية في مواكبته لحرب غزة ودحض المعطيات التضليلية لإسرائيل والغرب.
الوزير المنتدب السابق لدى وزارة الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج عبد الكريم بنعتيق، لفت في مداخلته الى أننا جميعا اليوم أمام ما يحدث في غزة، مدعوون للتفكير في ولادة مشروع حقيقي للتجاوز، معتبرا أننا «نتقن سياسة القطيعة واللاتعايش» وهو ما أوصل العالم العربي الى هذه الحالة المتقدمة من التفكك والانهيار، رغم امتلاك المنطقة لرأسمال بشري (492مليون نسمة بامتداد جغرافي يصل الى 13 مليون كلم مربع). وأشار بنعتيق في هذا الصدد إلى عوامل أخرى ساهمت في تأزيم الوضع العربي، منها الانكماش الاقتصادي والأمية وضعف التبادل العربي، وانعدام الاستقرار بسبب الحروب، متوقفا عند فشل الربيع العربي الذي جعل الغرب يعتبر أن «التغيير الديمقراطي شبه مستحيل في العالم العربي»، وهو ما يتطلب حلول مستعجلة لخصها في: القطع مع مشروع جامعة الدول العربية وإنشاء اتحاد الدول العربية، بمجلس أعلى يضم رؤساء وملوك الدول بمؤتمرات استثنائية ودورية تقطع مع ظاهرة المؤتمرات العربية التي لا تزيد إلا في تأجيج الصراعات، ثم انتخاب برلمان عربي حقيقي بالاقتراع المباشر، وإطلاق بنك عربي للاستثمار من مهامه تمويل فلاحة عصرية لتحقيق الاكتفاء، معتبرا في هذا الصدد أن «عدم تحقيق الأمن الغذائي للشعوب، خيانة للسيادة الوطنية»، وأخيرا التفكير في عقيدة دفاعية موحدة مادام العالم العربي يحتل المركز الخامس على مستوى شراء التسلح».


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 19/10/2023