«لا حياء في خيال» للشاعرة التونسية روضة البوسليمي

الكتابة بعينين غائمتين، ماطرتين

 

تحزنوا «لا
لا تجوعوا كثيرا
كأيّامي
افتحوا صدوركم
لعطايا السّماء
ترشّفوا على مهل
عنب القصائد المغتالة
ناموا متوسّدين قطن الأماني
الهارب من صقيع الأيادي
وآرفعوا عقيرة النّاي الحزين
وجلجلة الأماني
ص 3

هي مثل موجة تمردت عن بحرها.. شاعرة فوق العادة، ممكن أن أصنفها ضمن التجارب التي لم تتأثر بسوق الرداءة وما أًصبحت تشهده الساحة الثقافية العربية المتأثرة بكتابات الفيسبوك، وبعض المواقع الإلكترونية.
روضة البوسليمي عرفتها مند بداية تعثراتها إلى اليوم، ولمست فيها تلك الشاعرة السريعة التأقلم مع النص العربي الجاد / وليست متأثرة بشاعر ما بل لامست في تجربتها أن لصوتها نكهة خاصة،متفردة في طريقة اشتغالها على متنها الشعري، لا تهتم إلى بما تمليه مشاعرها، من نصوص مسترسلة ومفعمة بتشذرات روحها في هذا الكون المتناقض، تحاول من خلالها أن تحاكي كبار الشعراء العالميين.
تتميز نصوصها بسلالة الأسلوب وموسقة داخلية تتماوج في صعود وهبوط مع طول نفس وتماسك بين الأشطر بلغة شفافة لا غموض فيها ،لغة سليمة ومباشرة.
أبدأ من عنوان منجزها الشعري الصادر عن منشورات جامعة المبدعين المغاربة»لا حياء في خيال».
يعتبر العنوان عتبة أولى وتستحق الوقوف عندها ومساءلتها: أين الدهشة وأين الشاعرية ؟
لا حياء في خيال عنوان مباشر، مخادع لأنه يحيلنا إلى الكتابات السردية التقريرية، في البداية طرحت كم عنوان على الأستاذة روضة، هي أيضا طرحت كم عنوان / لكنها في الأخير استقرت على ما هو عليه حاليا.
دخلت إلى المتن الشعري لاكتشاف علاقة العنوان بالنصوص، ثم تأملت نضج الأستاذة روضة البوسليمي،وحاولت أن أرجح فكرة كونها تريد أن تتبرأ من عواطفها وتقول للمتلقي:لا علاقة لي بما صدر من وحي الخيال .
بينما من يتمعن بطريقة تحليلية في نصوصها، يجدها تلك المرأة العاشقة المتذمرة أحيانا، والمتفائلة في أغلب تصوفها الكامن بشكل جلي بين أشطر قصائدها المسترسلة.
تقول في إحدى قصائدها :
«ورب مجنونة
ذات النور الكاشف
شبت على مواويل المساء
تناجي السماء
مناجاة المرتجف»
ص 5

لعلها هي نفسها لا تعلم ما تحتويه نصوصها من شعرية فائقة المعنى، لا تعتمد على الغموض والإبهام، بل ضليعة في البلاغة من مجازات وكنايات، وتشبيهات تعود بنا إلى الأصل، لكن بحداثة تلغي كل القواعد المعقدة . هي روضة البوسليمي تنثر عواطفها، تنثرها بفصاحة الشاعرة المتمكنة من لغتها والواثقة من قاموسها:
تناجي / تبتهل/ وتتدلى مجازا في أغلب قصائدها إلى سمو يليق بها ..
هي شاعرة الحزن والأسى مهما تفاءلت نصوصها، شاعرة الهشاشة العاطفية ورهافة الإحساس، وشاعرة الحب والجمال، تكتبها بعينين غائمتين ماطرتين أحيانا حسرة على خذلان الأزمنة المتعاقبة بتناقضاتها .

تقول:
«لا تقومي للقحط
وإن جار..
فقط
اهتمي لقلبك الخصيب
أيتها السنديانة اليتيمة
ولك عبر
في حكاياتي»
ص 11
هي شاعرة لا تهادن،ضاجة حتى في شرودها لا تعرف السكينة ، لعلها تحاول محاربة الخبث بالكتابة الصارخة .تقول :
لا حياء في خيال
على الرمال
وعند الفجر
ألون بسحر الكثير
أركب صهوة الخيال
وأمضي
هناك
هناك على الكثبان
أريح حياتي بزفرة»
ص 46

رغم أن الشعر لا يقول كل شيء، فقصائد روضة تتحدى هذا المفهوم وتقول كل شيء بصوت واضح صادح بالألم والأمل ،
وعلى أمل مزهر
«في وسيط صدري
يشتعل فتيل ذكرى وعد
وإذا ما استنهض
يقرض قلبي
وإن تناوم
يزاور حنيني «
ص 71

الشعر الذي لا يترجم مكنونات الذات يعتبر مجرد كلام تافه مصطنع.مخطئ من قال أعذب الشعر أكذبه، فسائر الفنون التي ترتبط بالحواس يجب أن تكون صادقة لتصل إلى أعماق الآخر بصدق. فما ينطلق من الذات أكيد سيصل إلى الذوات الأخرى بنفس الصدق. فحسب تجربتي المتواضعة أرى أن الشعر مرتبط بالحالة النفسية للشاعر، وقد يترجم يوميات الشاعر حسب تقلباته المزاجية الخاصة .
مذ دهر وأنا لا اهتمام لي
إلا بفوضى الأسئلة
التي تناوش هدوئي
يسألني على حين غرة
سؤالا سهلا صعبا
فأجيب دون تفكير
قلبي مكتظ بك

هي ذي روضة البوسليمي الكاشفة عن صدرها في خيال، العالقة بين تفاصيل ذاتية محضة، تتغنى بتقلبات مزاجية بدون رقيب، لا تعيد تنقيح نصوصها ولا تهتم بصناعة الكلام، بل تؤمن بعفويتها وسليقتها، وهذا ما يجيز لي أن أنصفها كشاعرة حقيقية لا تتصنع البكاء ولا الضحك .
وفي منجزها الشعري الصادر عن جامعة المبدعين المغاربة ما يبرر ورقتي هذه .

*المجموعة الشعرية «لا حياء في خيال» صادرة عن منشورات جامعة المبدعين المغاربة..


الكاتب : محمد اللغافي

  

بتاريخ : 21/12/2022