مشاورات بنموسى.. إرادة حقيقية لتجويد التعليم أم نكوص به إلى الوراء؟

 

فتح وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بابا جديدا أمام المغاربة يهدف، حسبه، إلى فسح المجال أمام كل مكونات المجتمع المغربي للدلو بدلوها في بركة منظومة التعليم المغربي الراكدة والخروج بآراء وحلول سحرية قد تسعف المغاربة وتعينهم على تجويد التعليم وإصلاحه ووضعه في سكته الصحيحة، وزير التعليم وهو يطلق بحماس مشاوراته الوطنية لتجويد المدرسة العمومية وينتقل من مكان لآخر للترويج لهذه المشاورات التي بدأها منذ مدة مع مؤثرين في السوشل ميديا، ربما نسي أو تناسى أنه بهذه الخطوة يعود بالمغاربة سنوات ضوئية إلى الوراء، إذ يبدو أنه قد ضرب عرض الحائط بكل ما تم التوصل إليه سابقا مع مكونات المجتمع المغربي الفاعلة في الميدان والعارفة بخبايا الأمور والقادرة، إن هي لمست إرادة حقيقية في التغيير، على إيجاد الحلول المناسبة القمينة بالخروج بالمدرسة المغربية من عنق الزجاجة، مفضلا إطلاق مشاورات يعتبرها السيد الوزير، كما جاء في أحد تصريحاته الصحفية، فرصة مهمة للتبادل والتقاسم مع التلاميذ من مختلف المستويات الدراسية، لمشاركة طموحاتهم واقتراحاتهم بشأن توفير تعليم ذي جودة للجميع، والحال أن طموحات التلاميذ المغاربة ومعهم أولياء أمورهم والمغاربة أجمعين معروفة وواضحة ولا تحتاج من أجل تحقيقها إلى مزيد من الانتظار والتمطيط والتماطل والمشاورات غير المجدية، ونطرح السؤال في خضم هذا الحماس والنشاط عن مآل القانون الإطار وكل ما له علاقة به وما يعرف بحافظة المشاريع التي تمت صياغتها انطلاقا من هذا القانون وعن جدوى ومآل الخطط التي يتم وضعها لتجويد التعليم بعيدا عن كل ما تم الاتفاق عليه سابقا وعن التراجعات الخطيرة التي تسجل في هذا الميدان، وعدم الاستمرار في تنزيل المشاريع الإصلاحية والبدء مع كل وزير جديد في تجارب جديدة..كما نتساءل أيضا هل السيد الوزير ومن ورائه وزارته والحكومة لا يعرفون ما يجب القيام به لتجويد التعليم ببلادنا، وهل هو محتاج لمشاورات جديدة وقد كان رئيسا للجنة النموذج التنموي الجديد حيث جاب المغرب طولا وعرضا والتقى بمغاربة من مختلف المشارب استقى آراءهم في مختلف الميادين ومن بينها ميدان التعليم، وعرف ما يحتاجه هذا الأخير وما يعانيه ومعه التلميذ المغربي من أعطاب ومشاكل لا تعد ولا تحصى وقد ضمنها في تقرير النموذج التنموي الجديد واضعا اليد على مكامن الخلل ومستلهما الحلول الممكنة التي اطلع عليها الجميع، فهل ما توصل إليه خلال فترة ترؤسه للجنة النموذج التنموي الجديد وحزمة التوصيات التي رآها مناسبة لإنقاذ التعليم تتعارض أو لا تساير مهمته الجديدة كوزير لقطاع يعاني من عدد لا يحصى من الإشكالات والعقبات المتفاقمة؟ كما أن دراسات وتقارير واستطلاعات لمؤسسات رسمية مغربية أخرى منها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أعطت صورا قاتمة عن مستوى التلاميذ المغاربة وضعف مردوديتهم خصوصا بالعالم القروي وارتفاع مستوى الهدر المدرسي والإضرابات وأوجه القصور في الجسم الإداري والتربوي وضعف مستوى التأطير ونظام توجيه التلاميذ والغش الذي تزدهر سوقه هذه الأيام مع اقتراب الامتحانات، والعنف المدرسي وتعاطي المخدرات بين صفوف التلاميذ والقائمة تطول… مقدما توصيات من شأنها القضاء على مثل هذه الاختلالات التي تثقل كاهل المدرسة المغربية وتضع بلادنا في مقدمة البلدان ذات النظام التعليمي الضعيف وغير المشرف والذي لا يرقى إلى مستوى تطلعات كل المغاربة .
إذن، فالسيد الوزير ليس في حاجة إلى مشاورات تعينه على إيجاد الحلول لتجويد المدرسة فأهل مكة أدرى بشعابها ،كما يقال، وهو أدرى بما تحتاجه مدرستنا لترتقي وتتبوأ من المراتب أعلاها، إلا إذا كان المسؤولون على هذا القطاع الذي يعد رافعة للتنمية يمنون النفس بالعثور خلال مشاوراتهم العجيبة هذه على عصا سحرية تعفيهم من بذل المزيد من الجهود، وتكفيهم مرارة البحث وصعوبة الطريق ! إن من أولى الخطوات، التي يقدمها المختصون، النهوض بالتعليم الأولي لما لهذا الأخير من إمكانيات تسمح للتلاميذ باكتساب مهارات وقدرات معرفية تساعدهم على النجاح في الولوج للمرحلة الابتدائية وهم مسلحون بشروط الإدماج والنجاح، فالتعليم الأولي، كما جاء في تقريرسابق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، هو أساس بناء المدرسة المغربية الجديدة، إضافة الى العمل على تأهيل الموارد البشرية والكفاءات والاعتناء بالعنصر البشري والعمل على بناء الثقة بين التلميذ ومعلمه وأولياء الأمور ووضع استراتيجيات تراعي خصوصيات واقع التعليم ببلادنا قابلة للتنفيذ على أرض الواقع وخلق مدرسة تراعي تكافؤ الفرص وتساوي بين كل فئات التلاميذ المغاربة مع توفير الوسائل الضرورية القادرة على محاربة بعض الظواهر التي تنخر جسم المنظومة التعليمية ببلادنا، وعلى رأسها الهدر المدرسي خصوصا بالعالم القروي، وظاهرة الدروس الخصوصية، إلى غير ذلك من الحلول التي ما فتئ المختصون ينادون بها.
أن بدء مشاورات وطنية لتجويد التعليم هو محض عبث وهروب من الحلول الحقيقية المعروفة للجميع، والسير بالمنظومة التعليمية نحو خيط سراب جديد سيزيد من تعميق اختلالاتها وتضييع المزيد من الوقت الثمين لإخراجها من هوتها السحيقة التي تتخبط فيها، فبعيدا عن كل إرادة حقيقية لإنقاذها وتجويدها وإصلاحها، ستبقى مشاورات بن موسى وتخريجته الجديدة درا جديدا للرماد في عيون الآملين بواقع وغد أفضل لمدرستنا العمومية


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 02/06/2022