منطقة الهراويين الشمالية.. من المسؤول عن فرملة البرامج التنموية المخصصة لها وأين “طارت” الملايير التي رصدت لتأهيلها

لا تزال منطقة الهراويين الشمالية الواقعة على أطراف مدينة الدار البيضاء تعيش على وقع التهميش والإهمال رغم أنها تعتبر مدخلا رئيسيا للعاصمة الاقتصادية من الطريق السيار المؤدي إلى الكثير من المدن المغربية .
الهراويين الشمالية التابعة تسييريا لعمالة سيدي عثمان يعيش سكانها البالغ عددهم قرابة 70 ألف نسمة أوضاعا صعبة إن لم نقل مزرية، بين ظروف اجتماعية هشة وبنية تحتية منعدمة وارتفاع كبير في معدلات الجريمة..قبل سنوات عديدة سنة( 2013) وقعت اتفاقية شراكة- في إطار سياسة المدينة، وذلك تماشيا مع التقطيع الجماعي والإداري المستحدث في الدار البيضاء سنة 2008، والذي تم بموجبه إلحاق منطقة الهراويين الشمالية بالمدار الحضري ضمن نفوذ مقاطعة مولاي رشيد- لتمويل مشروع إعادة الهيكلة والإدماج لمنطقة الهراويين الشمالية، وهو المشروع الذي تكونت أطرافه المتعاقدة من وزارة الداخلية، ( المديرية العامة للجماعات المحلية)، وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وزارة الاقتصاد والمالية، ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى، عمالة مقاطعات مولاي رشيد، شركة العمران، الوكالة الحضرية للدار البيضاء، مجلس عمالة الدار البيضاء، مجلس جهة الدار البيضاء، الجماعة الحضرية الدار البيضاء، شركة ليدك، المكتب الوطني للكهرباء، رئيس مقاطعة سيدي عثمان (رئيس اللجنة المحلية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، وبلغت ميزانيته23 مليار درهم، وحسب ما جاء في تقديم ديباجة تلك الاتفاقية فإن المنطقة التي تحتضن 50.000نسمة ( آنذاك) تقطن في أحياء عشوائية تفتقر للحد الأدنى من المرافق والتجهيزات الأساسية من طرق وكهرباء وماء صالح للشرب وتطهير سائل وصلب وغياب مرفق النقل العمومي وكذا النقص الكبير في تجهيزات القرب من مؤسسات تعليمية ومراكز صحية… وكان من المنتظر أن يتمحور البرنامج حول وضع تصميم خاص بالشبكة الطرقية لمنطقة الهراويين الشمالية تحت إشراف الوكالة الحضرية للدار البيضاء، وتجسدت مقاربة وضع هذا التصميم في إنجاز الشبكة الطرقية، والتي تتجلى في إنجاز الطرق الضرورية لفك العزلة عن المنطقة وتوسيع الطرق الداخلية .
هذا البرنامج الاستعجالي كان سيتم تنفيذه بتكلفة مالية تقدر بمائتين وثلاثين مليون درهم بما فيها مصاريف تدخل شركة العمران خلال سنوات 2013و2014و2015 بتمويل من مختلف الفاعلين المؤسساتيين وجمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
هذه العملية التي كان من المنتظر أن تتم على مرحلتين تمتد المرحلة الأولى بين سنة 2013و2014، وتشمل إنجاز الطرق الضرورية لفك العزلة عن المنطقة وهي الطرق العابرة التي تمكن الربط بين داخل الأحياء وخارجها،
أما المرحلة الثانية فكان من المقرر أن تبدأ خلال سنة 2015 ، وتشمل توسعة الطرق الحيوية للمنطقة وإنجاز الطرق الداخلية التي تمكن من الربط الداخلي بين الأحياء، وتقدر مساحة هاته الطرقات ب 252.000 متر مكعب وتقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى تشمل الطرق الضرورية لفك العزلة عن المنطقة على مساحة 37 هكتارا خلال 24 شهرا، والمرحلة الثانية إنجاز وتوسعة الطرق الداخلية وتشمل 25.2 هكتارا لمدة 12 شهرا… لكن هذا البرنامج، للأسف، بقي حبرا على ورق ولم ينفذ فيه إلا النزر القليل .
الداخل إلى الهراويين الشمالية سيصعق من هول الخصاص المسجل في المنطقة، ومن مظاهر البؤس الذي يعتبر وصمة عار على جبين كل مدبر أو مسؤول لم يقم بما هو مطلوب منه، صور تحيلك على القرون الوسطى بين البناء العشوائي والقصديري ومرابض الحيوانات المختلفة وسط الأزبال ووديان الوادي الحار التي تجري في الأزقة، والسواد المخيم على كل نقطة من نقط هذه المنطقة، التي سقطت من برامج المدبرين، والتي يتساءل ساكنتها عن مآل الملايير الطائلة التي رصدت لهذا البرنامج بهدف تأهيل المنطقة، وهي الأموال التي لا تعرف الساكنة أين “طارت” أو اختفت، ومن المسؤول عن هذا الوضع المخزي الذي يؤخر الهراويين سنوات وسنوات عن الالتحاق بركب التنمية الذي تعرفه باقي مدن وأحياء البيضاء، هذه الأخيرة التي ترنو لأن تصبح مدينة المال والأعمال والتجارة والاقتصاد، ولكن بمناطق كهذه يغلب عليها طابع التخلف وتحتل أزقتها العربات المجرورة والدواب، والتي تستقبل أول الوافدين على الدار البيضاء لكونها تعتبر مدخلا رئيسيا للمدينة من الطريق السيار، فإنها تعطي الانطباع بأنها عاصمة للفقر والبؤس والتخلف والهشاشة الاجتماعية.
فالاتفاقية المذكورة أعلاه التي كان محددا لها سنة 2015 كحد أقصى لإنجازها، والتي جاء في ديباجتها أنها تروم إعادة تأهيل هذه المنطقة سعيا وراء توفير شروط الاندماج الفعلي لساكنة هذه الأحياء بالمجال الحضري، لم ينجز منها الشيء الكثير حيث بقي الحال على ما كان عليه، وإلى حدود كتابة هذه السطور، رغم أن جلالة الملك دشن في سنة 2016 أشغال إعادة الهيكلة للمنطقة، وفقا للرؤية الملكية الطموحة القاضية بجعل العاصمة الاقتصادية ترقى إلى الأهداف التي تجعلها عاصمة للمال والأعمال إلا أن هذه الرؤية لم يتم تنفيذها بالشكل المطلوب بل ما زالت هذه المنطقة تغوص كل يوم في بحر التخلف والتدهور والتساؤلات التي تتناسل حول مآل الأموال التي رصدت لتأهيلها والبرامج التي وضعها المسؤولون لإنقاذها دون أن يجدوا أجوبة شافية عن سبب إسقاط منطقتهم سهوا أو عمدا من أجندات التنمية، وعن من يستفيد من فرملة المشاريع المبرمجة لتأهيلها؟


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 28/02/2024