من أجل إطار قانوني حداثي لمهنة المحاماة (1)

كان المؤتمر الوطني للمحاميات والمحامين الاتحاديين بتطوان/المضيق قد انعقد يومي الجمعة 12 والسبت 13 ابريل 2019 تحت شعار «المحاماة شريك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات» أسبوعا فقط قبل انعقاد المؤتمر 30 جمعية هيئات المحامين بالمغرب (وهي جمعية تأسست سنة 1962 في إطار قانون الجمعيات)؛ بمدينة فاس أيام 18، 19، 20 ابريل 2019، تحت شعار «من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة» في حين تنكب وزارة العدل منذ ثماني سنوات على دراسة الأجوبة على النقاط التالية:
ـ الاختلاف بين الأنظمة الداخلية للهيئات ـ ملاحظة ارتفاع واجبات الانخراط والاختلاف بين الهيئات ـ ملاحظة أهمية تخصيص جزء من هذه الواجبات لتكوين المتمرنين ـ ملاحظة عدم خضوع بعض الهيئات للمحاسبة مع التساؤل حول مالية هذه الهيئات ـ اعتبار التنظيم الحالي يشكل وصاية على المحامين ـ عدم اتفاق الهيئات على الإطار الموحد وعدم التزام بعضها بالتطبيق السليم والأمثل لمقتضيات المادة 57 من قانون المحاماة ووضع تصورات مغايرة لمدلول النص من طرف هيئات أخرى وملاحظة ردود فعل قوية وتضارب في العمل… إلى جانب مواضيع أخرى مثل الولوج إلى المهنة وامتحان الأهلية وقواعد التخليق والتأديب… إلخ. حسب ما جاء في ورقة بعنوان: مهنة المحاماة – التأهيل – التخليق – التحديث وهي وثيقة تم إعدادها من طرف مديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل منذ أكثر من ثماني سنوات.
ويمكن سرد القضايا التي يتعين على المحامين أن يجيبوا عنها في المواضيع التالية:
الأولي حول النظام المالي للهيئات، وتعيين وكيل حسابات Régisseur.
الثانية حول التنسيق بين الهيئات وضرورة إحداث المجلس الوطني للهيئات
الثالثة حول تفعيل دور المحامي في المجتمع. المحامي لا يقتصر دوره على تمثيل الأطراف أمام المحاكم.
الرابعة حول التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب. نظامها الأساسي غير دستوري حيث يقصي فئة من الترشح لانتخاب أجهزتها.
الخامسة حول التقاعد ونظام التكافل الاجتماعي بين المحامين.
السادسة تتعلق بالتكوين والتكوين المستمر لتجاوز الإعاقة المهنية Sclérose إضافة إلى دمقرطة الخدمات. ندوة التمرين بدون برنامج.
السابعة حول نظام المساعدة القضائية ومساهمة الدولة في أعبائها.
الثامنة حول الجمعية العمومية التي يتعذر استمرارها بشكلها الحالي.
التاسعة حول آليات المساءلة. القانون لا يسمح لا بإقالة المنتخب ولا بمحاسبته.
العاشرة النظام الانتخابي. يتم التنافس فيه بدون برنامج ولا التزامات ويتعين إحداث نظام التصويت باللائحة. مع تخصيص كوطا للمحاميات.
هذه القضايا كان من المنتظر أن يعالجها المحامون في مؤتمرهم 28 المنعقد بمدينة السعيدية في ضيافة هيئة المحامين بوجدة أيام 6، 7، 8 يونيه 2013 غير أن الأجواء كانت غير ملائمة لمناقشتها بسبب ما عرفته الجلسة الافتتاحية من تجادبات مع وزير العدل حول مرسوم بتحديد كيفية صرف مستحقات المحامين عن مهامهم في إطار المساعدة القضائية.
في الزمن الماضي كانت لجنة الحقوق والحريات هي التي تعرف صخبا ونقاشا حادا لأسباب مرتبطة بالنضال الحقوقي والسياسي المرتبط بدوره بالصراع حول السلطة.
لكن لجنة الشؤون المهنية أصبحت تستقطب العديد من المشاركين ابتداء من المؤتمر 25 المنعقد بمدينة مكناس وكان ذلك بمناسبة إعداد مشروع قانون جديد للمهنة والذي صادق عليه بعد ذلك مجلس النواب بالإجماع ليتعطل عند عرضه على الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) رغم أن مكوناته السياسية هي نفسها في مجلس النواب (وهو ما أسميته في مناسبة أخرى بفوضى سياسية)، وصادف هذه الفوضى السياسية انعقاد المؤتمر السادس والعشرون لجمعية هيئات المحامين بطنجة أيام 15 و16 و17 من شهر ماي سنة 2008 حيث اتجه النقاش في لجنة الشؤون المهنية إلى المطالبة بإلغاء القانون خاصة مقتضيات المادة 57 المحدث بموجبها حساب ودائع وأداءات المحامين تودع به لزوما المبالغ المسلمة للمحامين على سبيل الوديعة. لكن التوصية التي صاغها مكتب الجمعية تجنبت مطلب الإلغاء واكتفت بالإشارة إلى مواصلة الحوار من أجل إدخال تعديلات على القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة ليصادق عليه مجلس المستشارين بصيغته التي صادق عليها مجلس النواب (ولا داعي لسرد الأسرار الماورائية لعرقلة النص أمام مجلس المستشارين).
غير أن القضايا التي تهم سير عمل الهيئات وتدبير ماليتها والأوضاع الاجتماعية والصحية للمحامين وتقاعدهم وتفعيل دورهم في المجتمع وتوسيع مجالات عملهم لا زال يعرف الفراغ وانعدام الجدية في التعاطي معها.
ولا زال المحامون يتجنبون وضع آلية لمساءلة منتخبيهم (النقيب ومجلس الهيئة) بالرغم من الصلاحيات والسلطات الواسعة المسندة إليهم بمقتضى القانون. وهو وضع لم يعد يتماشى مع ما ينص عليه الدستور الجديد (دستور 2011) الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. مما يدعو إلى تدخل القانون لوضع آلية تسمح للمحامين بسحب الثقة من منتخبيهم وإقالتهم وإجراء انتخابات جديدة لتعويضهم.
رفعت عرائض تطالب بالافتحاص المالي لبعض الهيئات وتم عزل بعض الأمناء من طرف المجالس التي عينتهم واتسم تدبير الشأن المهني بمزاجية المنتخبين وهم يتباهون بحصانة عدم إمكانية إقالتهم. هذا وضع شاذ ينبغي ألا يستمر.
وعندما لا يرضى المحامون على تدبير شؤونهم المالية والأدبية أليس من حقهم عقد دورة استثنائية لسحب الثقة وانتخاب نقيب ومجلس جديد للحرص على ضمان الشفافية والتدبير المعقلن لأموالهم؟ وإذا كان القانون المنظم للمهنة لا يسمح بذلك فإن على المحامين إعداد مشروع نص قانوني يسمح لهم بممارسة حقهم في الرقابة والمساءلة طبقا لمبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة. كما تبدو ضرورة إصدار نص تشريعي خاص بنظام مالية الهيئات يحدد طرق مراقبتها وأوجه صرفها ويرتب الأولوية لتمويل تقاعد المحامين وتخصيص نسبة من المداخيل ترصد لزوما لهذا الغرض.
ينتظر المحامون أجوبة حول القضايا العشر المشار إليها أعلاه.
الأولي حول النظام المالي للهيئات، ولم لا، تعيين وكيل حسابات Régisseur.
جرت الانتخابات المهنية للمحامين خلال شهر جنبر 2017 لانتخاب نقباء جدد وأعضاء جدد لمجالس الهيئات لمدة ثلاث سنوات وتم انتخاب نقباء وأعضاء مجالس دون برنامج والتزامات. فعلى أي أساس يمكن للناخبين مساءلة منتخبيهم؟
من المفروض أن تبدأ المجالس أعمالها بإقرار ميزانية سنوية مع بداية شهر يناير يتقيد بها الأمين عند الصرف تحدد فيها التوقعات حول المداخيل والنفقات وتحديد الأولويات. كما يتم تعيين مراقب للحسابات في نفس الوقت. هذا هو منطوق القانون الحالي.
يمكن للميزانية أن تعرف عجزا تصبح معه المجالس عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه بعض المؤسسات المتعاقد معها (شركات التأمين عن المسؤوية والصندوق التعاضدي للتقاعد أو للاستشفاء). وعندما يتصرف المجلس في المالية بدون تخطيط أو يدخل في التزامات تفوق قدراته المالية فإن مخاطر وقوعه في العجز المالي واردة بكثرة. خاصة في غياب وكيل حسابات مختص.
المداخيل الأساسية القارة للهيئات تأتي من أربعة موارد الأول الاشتراكات والثاني رسوم الدمغة والثالث رسم المرافعة والرابع عائدات حساب الودائع.
رسم المرافعة أو ما نسميه ب (حقوق المرافعة Droit de Plaidoirie) هو رسم أحدث في فرنسا بأمر ملكي Ordonnance Royale سنة 1667، وفي المغرب أحدث هذا الرسم بمقتضى ظهير 4 مارس 1947 منشور بالجريدة الرسمية بالفرنسية عدد 1799 صفحة 323. أما النص الذي ينظم حاليا هذا الرسم فهو قانون المالية لسنة 1984 المنشور بالجريدة الرسمية بالعربية عدد 3730 مكرر. وفي الصفحة 531 نجد الباب الثالث من الملحق يتحدث عن رسم المرافعة ويقول عنه في الفصل 65 «يقبض كذلك من المدعي عن كل دعوى أصلية في المادة المدنية أو التجارية أو الإدارية رسم قضائي يدعى رسم المرافعة، ويدخل في المصاريف المصفاة، ومبلغ هذا الرسم عشرة دراهم سواء أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف» (في فرنسا تم رفع هذا الرسم إلى مبلغ 8,84 يورو منذ ماي 1989 أي ما يقرب مائة درهم). أما الفصل 66 من نفس الملحق فينص على أنه (يدفع كاتب الضبط رسم المرافعة في نهاية كل شهر إلى أمناء مختلف نقابات المحامين «يقصد هيئات المحامين»… وتخصص الهيئات هذه المبالغ لسد حاجات مشاريع الاحتياط والمساعدة العاملة تحت مراقبتها. ويمكن أن تطلب وزارة المالية اطلاعها على محاسبة «نقابات» المحامين). وقد نقل هذا النص حرفيا بخصوص وجه الاستعمال عن النص الأصلي لسنة 1947.
إن ملايين الدراهم وربما الملايير من حقوق الـمرافعة لا تستخلص في نزاعات وحوادث الشغل ولا نعلم شيئا عن مصيرها علما أن حقوق المرافعة تستخلص من المنفذ عليه لأنها تدخل في المصاريف المصفاة في القضايا المعفية من أداء الرسوم القضائية (قضايا منازعات الشغل وحوادث الشغل والأمراض المهنية وقضايا النفقة وباقي القضايا التي يتمتع فيها المدعون بالمساعدة القضائية مثل قضايا المسئولية التقصيرية…). ونستغرب لخلو التقارير المالية لبعض الهيئات من أية إشارة للمبالغ المستحقة للهيئات عن هذا الباب كما لا تشير إلى الخطوات التي سلكتها مجالس الهيئات لاستخلاص هذه المستحقات. علما أن المسؤولية كاتب الضبط حسب القانون.
ونتساءل أيضا هل تصرف هذه المبالغ فيما خصصت له بمقتضى القانون (أي التقاعد والمساعدة الاجتماعية) أم أنها تحول إلى حسابات التسيير لتغطية العجز الذي قد تعرفه الميزانية؟ وهل تضطلع وزارة المالية بمهامها في مراقبة أوجه صرف المبالغ المستخلصة في هذا الباب؟
أما الاشتراكات السنوية التي يؤديها كل محام بصفة متساوية ورسوم الدمغة التي يؤديها كل محام عن كل قضية فتحدد بمقتضى قرار مجلس الهيئة ويختلف مقدار الاشتراكات ورسوم الدمغة من هيئة إلى أخرى.
عائدات حساب الودائع تخضع في جزء منها للتفاوض مع الأبناك وفي الجزء الآخر إلى اقتطاعات مقابل الخدمات تحدد بمقرر تنظيمي من المجلس ويشار إليها في النظام الداخلي لحساب الودائع.
وعندما تكون أبواب المداخيل محددة ويمكن التنبؤ بنسب استخلاصها فإنه من غير المعقول أن يتم تدبير المالية بدون مخطط ميزانية.
قد تكون هنالك مداخيل استثنائية نتيجة انخراطات جديدة ولكنها تبقى استثنائية لأنها غير متوقعة.
جانب آخر يكثر فيه الحديث بين المحامين ويتعلق بجدوى بعض النفقات وبالدرجة الأولى نفقات السفريات ويطرح السؤال عن مردودية هذه السفريات التي لا يقدم عنها أي تبرير بحيث تكتفي التقارير المالية والأدبية بالإخبار فقط دون بيان حصيلة مردودية النشاط ومدى استفادة المحامين من تلك المشاركات.
بعض الهيئات تتوفر على مشاريع ضخمة ذات الصبغة الاستثمارية لكن التقارير المالية لا تتضمن تفصيلا عن توقعاتها المستقبلية من حيث التحملات والمداخيل طبقا لقواعد الموازنة نظرا لعدم تخصصها في المجال.
وعندما لا يرضى المحامون على تدبير شؤونهم المالية والأدبية أليس من حقهم عقد دورة استثنائية لهيئتهم الناخبة لسحب الثقة وانتخاب نقيب ومجلس جديد للحرص على ضمان الشفافية والتدبير المعقلن لأموالهم؟ إذا كان القانون المنظم للمهنة لا يسمح بذلك فإن على المشرع التدخل لإعادة النظر فيه بكيفية تسمح للمحامين بممارسة حقهم في الرقابة والمساءلة طبقا لمبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة الذي أقره الدستور الجديد.
كما تبدو ضرورة إصدار نص تشريعي خاص بنظام مالية الهيئات يحدد طرق مراقبتها وأوجه صرفها ويرتب الأولوية لتمويل تقاعد المحامين وتخصيص نسبة من المداخيل ترصد لزوما لهذا الغرض. ونسبة أخرى خاصة بالتكوين والتكوين المستمر.
الثانية حول التنسيق بين الهيئات وضرورة إحداث المجلس الوطني للهيئات
مجالس الهيئات تحاول (مجرد محاولة لم تعد ذات بال) التنسيق فيما بينها في إطار جمعية تسمى جمعية هيئات المحامين بالمغرب وهي جمعية مؤسسة سنة 1962 في إطار قانون الجمعيات تخضع لمسطرة التصريح بالتأسيس والتجديد كغيرها من الجمعيات المدنية.
تعقد هذه الجمعية مؤتمرا مرة كل ثلاث سنوات يشارك فيه عدد محدود من المحامين (كوطا لكل هيئة) تصدر عنه توصيات وليست له صبغة تقريرية رغم أن القانون الأساسي يذكر المؤتمر ضمن الهياكل التقريرية للجمعية، ولا يتداول المؤتمر لا في التقرير الأدبي ولا في التقرير المالي للجمعية ولا توجد في القانون آلية تسمح لعموم المحامين بمحاسبة الأجهزة المسيرة لهذه الجمعية لا ماليا ولا أدبيا. كما أن الموتمر ليست له صلاحية تجديد أجهزة الجمعية.
تتكون أجهزة الجمعية من المجلس ـ المكتب ـ المؤتمر ـ ندوة الرؤساء ـ وندوة النقباء.
يتكون مجلس الجمعية من جميع أعضاء مجالس الهيئات أما المكتب فيتكون من أعضاء منتخبين ومن النقباء الممارسين للهيئات ومن الرئيس السابق للجمعية.
ومن بين مهام مكتب الجمعية السهر على التنسيق بين الهيئات الأعضاء في كل مجالات عمل الجمعية وطنيا ودوليا. ومنها صياغة موحدة للأنظمة الداخلية للهيئات الأعضاء. وهي مهمة لم ينجح فيها مكتب الجمعية ووصلت الخلافات ذروتها بمناسبة دخول المادة 57 من القانون المنظم لمهنة المحاماة حيز التطبيق.
جمعية هيئات المحامين لا يشارك المحامون في انتخاب أجهزتها المسيرة ولا حق لهم في الترشح لها كما لا يملكون الحق في محاسبتها. هذه الجمعية لا يمكنها أن تفرض على المحامين مقترحاتها وهذا هو السر في عدم نجاح أجهزتها في القيام بمهام التنسيق بين الهيئات الأعضاء فيها.
وهذا هو السر أيضا في وجود جمعية هيئات المحامين بالمغرب في موقف ضعف في الحوارات التي تجري مع أجهزة الدولة لأنها غير معترف بها كهيئة مؤسسة بمقتضى القانون (وزارة المالية بخصوص الضرائب والرسوم القضائية. والحكومة بخصوص الملف الاجتماعي من تقاعد وتغطية صحية. ووزارة العدل بخصوص المناخ العام لممارسة المهنة داخل المحاكم. ووزارة الداخلية وباقي الإدارات العمومية بخصوص توسيع مجال عمل المحامين وتمثيل المواطنين أمام جميع الإدارات العمومية),
ولأن المحامين يعانون من تهميش دورهم في المجتمع وعدم تمكنهم من تمثيل المواطنين أمام مختلف الإدارات العمومية، ولا تبذل الهيئات ولا السلطات أي مجهود في هذا المجال، فإن المحامي يبقى عرضة لأنواع من الاستهزاء بل ويتعرض أحيانا للطرد أمام أنظار العموم.

في عرض اليوم الدراسي المنظم من طرف الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين


الكاتب : احمد ابادرين (*) محام بهيئة مراكش

  

بتاريخ : 28/10/2023