هل باحت قضية «إسكوبار الصحراء» بكل أسرارها؟

هل يئس بارون المخدرات «الحاج أحمد بن ابراهيم» الملقب بـ «المالي» بعد أن قضى خمس سنوات بسجن الجديدة دون أن تظهر له بادرة أمل في مغادرته، سواء بتخفيض العقوبة في المناسبات الوطنية والدينية أم أن حبل الود مع من شملهم حبل التحقيق قد انقطع، وبالتالي سدت جميع الأبواب في وجهه، بما فيه أمله الأخير بترحيله إلى بلده مالي لقضاء ما تبقى له من عقوبة، خاصة وأن النظام السجني في المغرب مشدد لا فرصة فيه للفرار أو للامتيازات، خاصة عندما يتعلق الأمر بتاجر مخدرات على الصعيد الدولي… التحريات المنجزة في ملف «إسكوبار الصحراء»، الذي تتابع فيه مجموعة من الأسماء البارزة، على رأسها عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وسعيد الناصري، رئيس الوداد البيضاوي، أظهرت أن هذا الأخير استعمل قربه من مسؤولين، للنصب على بارون المخدرات المالي «الحاج أحمد بن إبراهيم»..

 

الحاج بن إبراهيم .. من موريتانيا إلى المغرب.. طريق محفوف بالمخاطر مفروش بالورود

هل كان بإمكان الحاج بن إبراهيم أن يدخل المغرب عبر طرق غير مشروعة كأن يلج البلاد عبر صحراء موريتانيا أو عبر المياه الإقليمية أو الدولية، مثلا، خاصة أنه خبر الطرق الوعرة للتهريب الدولي للمخدرات انطلاقا من البر أو البحر ؟ وهل تلقى «إسكوبار الصحراء» تطمينات من شركائه المغاربة بأن وضعه سليم، جعلته يركب الطائرة في اتجاه المغرب وهو مطمئن؟
اختفى «المالي» لمدة فاقت الست سنوات قيل إنه كان خلالها معتقلا بموريتانيا، أو محتجزا لدى أجهزة مختلفة قبل أن يطلق سراحه ويغادر في اتجاه المغرب، دون أن يكون على علم بمذكرة البحث الصادرة في حقه وطنيا عندما تم ضبط شاحنتين مسجلتين في اسمه محملة بما يقارب الأربعين طنا من الشيرا بالقرب من إحدى باحات الاستراحة…
عندما أعلنت مضيفة الخطوط المغربية عن قرب نزول الطائرة بمطار محمد الخامس الدولي بالبيضاء، كان الحاج بن إبراهيم يرسم أحلامه الوردية وذلك باسترجاع أمواله، التي توجد لدى الأغيار، كان يملك عقارات وأسهما في شركات، كما أن له أموالا لدى الأغيار. حطت الطائرة بأرضية المطار نزل الركاب ومن بينهم بن إبراهيم الذي ما أن سلم جواز سفره إلى أمن المطار حتى تحركت المكالمات الهاتفية والبرقيات مابين المسؤولين الأمنيين بالمطار وعناصر المكتب الوطني لمحاربة المخدرات التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي ستتسلم الحاج من شرطة المطار التي أخبرته بأنه مطلوب في استنطاق لدى مصالح الأمن.
رافق الحاج عناصر الشرطة إلى مقرها بشارع إبراهيم الروداني، حيث تم اطلاعه على كل عناصر ملف الأربعين طنا من المخدرات التي تم ضبطها بإقليم الجديدة، والشاحنتين اللتين كانتا تحملان المخدرات والمسجلتين في اسمه، وبعد استكمال عناصر البحث وانقضاء فترة الحراسة النظرية تم تقديم الحاج أمام أنظار وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة،الذي أمر بمتابعته من أجل جنح الاتجار الدولي في المخدرات ومسكها ومحاولة تصديرها، ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي وإحالته على قاضي التحقيق لدى ذات المحكمة، كان لحظتها سائقا الشاحنتين يقضيان عقوبة عشر سنوات من أجل نفس الفعل .

لماذا صمت «إسكوبار الصحراء» خلال نصف عقوبته؟

سيق بن إبراهيم نحو السجن المحلي بالجديدة، وبحكم أنه أجنبي تم إخبار سفارة بلاده بوضعه بمؤسسة سجنية بالجديدة، وبعد أن قضى ما يناهز الشهرين بسجن سيدي موسى، أصدرت الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية بالجديدة حكمها القاضي بإدانة المتهم الحاج أحمد بن إبراهيم الملقب بالمالي من أجل المنسوب إليه، وحكمت عليه بعشر سنوات سجنا نافذا وما يناهز المليارين، غرامة لفائدة الجمارك المغربية، وهو الحكم الذي استأنفه أمام الغرفة الجنحية الاستئنافية لكن تم تأييده، فتقدم بالطعن أمام المجلس الأعلى وهي الفترة التي امتدت على طول سنة ونصف قضاها بالسجن المحلي بالجديدة، وأثناء ترحيله إلى السجن الفلاحي «العدير» صادف دخول المغرب أولى مراحل «كوفيد 19»، حيث أخذت البلاد العديد من الإجراءات الاحترازية ومن بينها الإغلاق، فيما أخذت المؤسسات السجنية تدابير منع الزيارات حتى لا يتفشى الفيروس وسط السجناء.
الحاج بن ابراهيم بدأ في نسج علاقات مع رفاقه النزلاء بحكم أنه كان يعرف تضاريس المغرب الذي قضى فيه عدة سنوات، كما كان يتمتع بما يتمتع به باقي السجناء المغاربة والأجانب من زيارات عائلية وتطبيب وتغذية متوازنة، إضافة إلى زيارة سفارة بلاده وإجراء المكالمات الهاتفية المحلية، المدلى بها إلى إدارة السجن…
الحقوق الممنوحة للمالي بالسجن المحلي بالجديدة هي نفسها التي حصل عليها بالسجن الفلاحي «العدير»، إلا أن ما يختلفان فيه هو أن المحلي مغلق والفلاحي مفتوح، ومع تفشي «كورونا» عمدت المؤسسات السجنية إلى الحد من الزيارات العائلية، بل منعها، وبلغت التعليمات حد منع إدخال الملابس المستعملة والاكتفاء بإرسال الملابس الجديدة عبر شركات الإرسال، وكل هاته التعليمات الجديدة يسرت للسجناء استعمال الهاتف الثابت بأريحية كبيرة، ذلك أن بعض المؤسسات السجنية عمدت إلى وضع هاتف ثابت داخل كل غرفة من أجل منع الاختلاط بين السجناء، وهي الفترة التي ربما استغلها المالي لإجراء بعض الاتصالات هنا وهناك لتسوية بعض الملفات مع جهات سبق وأن تعامل معها سواء في الاتجار في الممنوعات أو تبييض الأموال، وهي المكالمات، وإن صحت، سيتم فتح تحقيق عنها لمعرفة محتوياتها، وهل فعلا تمت دون خضوعها لعملية التنصت أو الاستماع، كما كان الأمر يجري قبل كورونا في جميع المؤسسات السجنية، حيث كانت إدارة السجن تعمد إلى تكليف موظفين بالاستماع إلى مكالمات النزلاء، أم أن الفيروس ساهم في الاستعمال المفرط للهاتف داخل السجون، وبالتالي استغلال الحاج بن إبراهيم الهاتف كغيره لاستعماله في قضاء مآرب أخرى؟

اليأس !!!

هل يئس المالي بعد أن قضى خمس سنوات بالسجن دون أن تظهر له بادرة أمل في مغادرته، سواء بتخفيض العقوبة في المناسبات الوطنية والدينية أم أن حبل الود مع من شملهم حبل التحقيق قد انقطع، وبالتالي سدت جميع الأبواب في وجهه، بما فيه أمله الأخير بترحيله إلى بلده مالي لقضاء ما تبقى له من عقوبة، خاصة وأن النظام السجني في المغرب مشدد لا فرصة فيه للفرار أو للامتيازات، خاصة عندما يتعلق الأمر بتاجر مخدرات على الصعيد الدولي …التحريات المنجزة في ملف «إسكوبار الصحراء»، الذي تتابع فيه مجموعة من الأسماء البارزة، على رأسها عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وسعيد الناصري، رئيس الوداد البيضاوي، أظهرت أن هذا الأخير نصب على بارون المخدرات المالي، مستغلا علاقته بمسؤولين ليوهمه بالتدخل قصد ترحيله صوب بلاده مالي لاستكمال العقوبة السجنية.
سنة 2023 التي سيتم التحضير فيها لإغلاق السجنين المحلي والفلاحي بالعدير، ونقل نزلائهما إلى سجن الجديدة 2 ذو الوضعية الأمنية العالية والمغلقة ستدفع أحمد بن إبراهيم إلى نقطة اللاعودة والبحث بكل الطرق عن استرجاع ديونه وأملاكه التي سلبت منه، حيث خلال هذه السنة تم الاستماع إليه أكثر من عشر مرات، وكانت عملية الاستماع تستمر أحيانا لأيام دون توقف نظرا لضبطه خريطة متشعبة تضم شخصيات اقتحمت عالم الرياضة والسياسة والأعمال…

عودة
إلى عبد النبي بعيوي

كل الأضواء الإعلامية تركزت على سعيد الناصري، وهو أمر غير مستغرب على اعتبار أن رئيس الوداد البيضاوي شخصية عامة ومعروفة في عالم كرة القدم، لكن يبدو أننا نغض الطرف عن شخصية لا تقل أهمية ووزنا عنه، شخصية راكمت سلطة سياسية واقتصادية لسنوات عديدة، يتعلق الأمر بعبد النبي بعيوي، الرجل الذي بدأ من الصفر ثم أصبح برلمانيا ورئيس جهة، وفوق كل ذلك على رأس إمبراطورية حقيقية رائدها شركة «بعيوي للأشغال العمومية «، التي غيرت اسمها إلى « SBTX «منذ بضعة أيام فقط.
ولد عبد النبي بعيوي سنة 1971 بـ»فيلاج الطوبة البراني «، وهو حي شعبي بمدينة وجدة، لأب عامل في البناء وأم ربة بيت. في هذا الحي، الذي يسكنه بشكل رئيسي سكان فقراء، نشأ وأكمل تعليمه القصير، الذي لم يتجاوز الصف الإعدادي، بعد المدرسة، تبع الشاب عبد النبي خطى والده وتعلم النجارة. ولكن طموحه كان أكبر.
في نهاية الثمانينيات، سيغادر عبد النبي بعيوي التراب الوطني ليقيم كمهاجر سري في فرنسا، كما أنه قضى فترة في السجن بتهمة السرقة، وهو ما جنبه عقوبة الطرد.
وبمجرد تسوية وضعيته في فرنسا، عاد إلى مسقط رأسه في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، قوس محاط بهالة من الغموض، ولكنه تميز بإقامة جديدة في السجن لمدة عامين، وهذه المرة في إسبانيا، حيث تم القبض عليه وإدانته بتهمة الاتجار في المخدرات.
في هذه الفترة، قام بإنشاء شركة بعيوي للأشغال في وجدة. وهي شركة للأشغال العمومية أنشئت من عدم، بفضل رأس مال غامض المصدر، والتي انطلقت في بناء مساكن اجتماعية في عاصمة الجهة الشرقية وفي السعيدية.
تعود اللقاءات الأولى بين عبد النبي بعيوي و«المالي» إلى نهاية العقد الأول من سنوات 2000، حيث كان الرجلان يلتقيان في مطاعم المدينة البسيطة، لحظتها لم يكن لدى الحاج أحمد بن إبراهيم، المولود في كيدال بمالي، والذي دخل عالم تهريب المخدرات في عام 2006، أي سبب يبرر إقامته في وجدة، سوى أصول والدته، التي هي من مواليد وجدة.
ولحد الساعة مازالت علاقات العمل التي كانت تربط الرجلين حينها ، ودورهما الدقيق، من المزود ومن الناقل،غامضة في شبكة امتدت أنشطتها من منطقة الساحل إلى ليبيا ومصر وأمريكا اللاتينية، لكن مثل هذه الاتهامات الخطيرة هي الآن في أيدي القضاء، الذي يعمل على فك لغز هذه الشبكة، لكن ما سبب هذا التغير المفاجئ؟ ألم يستسغ الرجل أن شركاءه المفترضين السابقين جردوه من ممتلكاته التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدراهم، أم أن هناك أشياء أكبر مما نتداوله نحن قبيلة الصحفيين الذين نعيش شح المعلومات حول هذا الملف بحكم سرية التحقيق وتطويق أعناقنا بحبل بلاغات الوكيل العام للملك بالبيضاء؟!

هل جيء ببعيوي لضرب السياسيين التقليديين بوجدة

في الساحة السياسية بوجدة، حسب العديد من مصادرنا، كان عبد النبي بعيوي شخصا مجهولا تماما، لم يناضل قط في أي حزب سياسي، ولم يكن له اهتمام بالسياسة، ولكن نظرا لوضعه البارز الجديد، فقد اختير للترشح في الانتخابات التشريعية عام 2011، وقد كانت تدخلاته وخطاباته خلال الحملة الانتخابية مفككة وغير متناسقة، وكانت جميعها تختتم بدعوته « طي صفحة الفاسدين «، وفي البرلمان، اختار الانضمام إلى لجنة البنيات التحتية، وعلى مر السنين، أصبح عبد النبى بعيوي يتحكم في تشكيل مجالس الجماعات الترابية وتفكيكها وفق هواه، وكانت شركة بعيوي تفوز بالصفقات الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك الأوراش الحكومية الكبرى مثل الطرق والسدود، وفضلا عن ذلك، وقبل أيام قليلة من اعتقاله، فازت الشركة بعقد مشروع بناء سد بوخميس بإقليم الخميسات،على واد لكرو..
في عام 2015 تم انتخابه رئيسا للجهة الشرقية، وهو المنصب الذي سيعود إليه عام 2021… بعد أن أفلت بأعجوبة من الإدانة في محاكمة تبديد المال العام في ما يتعلق بتدبير أزمة كوفيد-19.
لا نعرف هل ستكون هذه القضية هي الأخيرة، وهي الأكثر خطورة، وبالتالي ستمثل نهاية ملحمة بعيوي وطنيا وجهويا، هذا ما سيسفر عنه التحقيق حيث سيستمع قاضي التحقيق مرة أخرى إلى سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي ورفاقهما المعتقلين في عكاشة اعتبارا من 25 يناير، ومن المؤكد أن تصريحاتهم ستكشف عن المزيد من المفاجآت.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 12/01/2024