الحق في اكتساب الجنسية

عبد العالي الصافي

حينما نتحدث عن الحق في اكتساب الجنسية-أية جنسية- نجد أنفسنا مضطرين لاستدعاء الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 15 بأنه لكل فرد حق التمتع بجنسية ما وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي ألزم الدول الأطراف لتأمين تساوي الرجل والمرأة في ما يتعلق بكافة الحقوق المدنية والسياسية، ومنها بطبيعة الحال حق اكتساب الجنسية، وإذا أعطت اتفاقية الجنسية سنة 1930 الحق للدول في تحديد مواطنيها، وتحدد تشريعها بشكل مناسب، فذلك يبقى مشروطا بأن يتوافق مع الإتفاقيات والعرف الدوليين، ومع مبادئ القانون المعترف به إجمالا في هذا الباب.
والاتفاقيات الدولية التي قدمنا في هذا الموضوع، وحددت شروط سن القوانين بخصوصه كثيرة، منها: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية حقوق الطفل ثم اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة الصادرة بتاريخ 29-01-1957 تحت عدد: 1040 و التي نصت على مجموعة من الحقوق من بينها أنه لا يجوز تغيير جنسية الزوج بشكل ٱلي سواء في حالة انعقاد الزواج أو انحلاله، ثم منع إجبار زوجة مواطن أحد الدول الأطراف من فقدان جنسيتها الأصلية، وأقرت الحق لزوجة أحد المواطنين في اكتساب جنسية زوجها إذا طلبتها.
لكن إلى أي حد التزم المغرب بالاتفاقيات الموقع عليها، فبخصوص اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة فإنه تحفظ على الفقرة التي تساوي بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بجنسية الأولاد، وأقرت ذلك بشروط نص عليها في الفصل السابع من الظهير الشريف رقم 1.58.250 كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 62.06، والذي جاء فيه ما يلي» يعتبر مغربيا الولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين..غير أن المولود في المغرب من أبوين مجهولين يعد كأنه لم يكن مغربيا قط إذا ثبت، خلال قصوره، أن نسبه ينحذر من أجنبي وكان يتمتع بالجنسية التي ينتمي إليها هذا الأجنبي طبق قانونه الوطني».
إلا أنه ومع ذلك فإن تعديل 2 أبريل 2007 اعتبر ثورة في إبانه، وذلك لما عدل الفصل السادس من الظهير المذكور، واكتفى بجملة جامعة مانعة وهي كالٱتي:» «يعتبر مغربيا المولود من أب مغربي أو أم مغربية»، وبالتالي فإن الجنسية المترتبة عن النسب والبنوة أصبحت تمنح للمولود من أب مغربي أو أم مغربية على حد سواء، الشيء الذي فتح أبوابا كانت موصدة منذ 48 سنة.
ومعلوم في القانون الدولي الخاص أن الجنسية تكون إما مرتبطة بالنسب أو الإقامة او الزواج، وعليه فإن مشرع القانون التعديلي 62.06 نص في الفصل التاسع على أنه تكتسب الجنسية المغربية عن طريق الولادة في المغرب والإقامة به، وبذلك أعطى الحق للمولود في المغرب من أبوين أجنبيين مولودين هما أيضا فيه شريطة أن يتم التصريح برغبته في ذلك داخل السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد.
نستنتج من هذا المقتضى أمرين هامين، الأول هو أن المشرع لم يشترط في المولود في المغرب من أبوين مولودين فيه شرط الإقامة، والأمر الثاني أنه يحق لوزير العدل أن يعارض في ذلك.
ثم انتقل المشرع في الفقرة الثانية من نفس الفصل لإقرار الجنسية المغربية أيضا للشخص المولود في المغرب من أبوين أجنبيين وله إقامة اعتيادية ومنتظمة في المغرب ووالده مولود بالمغرب، أي أنه حينما يكون المولود ووالده مزدادين بالمغرب دون الأم فإنه يشترط فيه أن يكون مقيما بالمغرب عكس الفقرة الأولى .
وتمنح الجنسية أيضا عن طريق الزواج، وهذا أيضا جديد القانون التعديلي، حيث أعطى الحق للمرأة الأجنبية المتزوجة من مغربي بعد مرور 5 سنوات على الأقل على إقامتها معا في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة أن تتقدم أثناء قيام العلاقة الزوجية إلى وزير العدل بتصريح لاكتساب الجنسية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفصل أعطى الحق للأجنبية المتزوجة بمغربي للحصول على الجنسية دون الأجنبي المتزوج بمغربية، وهو مقتضى ينسجم مع تحفظات المغرب على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.
كما تجدر الإشارة إلى أن التجنيس وفقا للمادة أعلاه يقترن بشرطي الزواج والإقامة بالمغرب.
وأخيرا هناك نوع ٱخر من التجنيس المرتبط بشرط الإقامة فقط، وهو المنصوص عليه في الفصل 10 المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 62.06، والذي أعطى الحق للأجنبية المقيمة بالمغرب بشكل اعتيادي ومنتظم لمدة 5 سنوات الحق في تقديم طلب التجنيس، وهو مقتضى جديد وصف بأنه يراعي سياسة المغرب الجديدة في موضوع الهجرة واستقبال المهاجرين، والتي تحاول اللحاق بالمنظومة الحقوقية الدولية، وهو مقتضى جعل المغرب يقفز قفزة قوية بوأته مكانة متميزة كنموذج صنف بأنه جيد، لكن على مستوى التنزيل هل أثر هذا القانون بشكل إيجابي على حياة المستفيدين منه أو أولئك الذين لهم الحق في ذلك ؟
الجواب يمكن أن نستخلصه من النص دائما، حيث ينص الفصل 13 من القانون على أن الجنسية تمنح بمقتضى ظهير بالنسبة لطالبي التجنيس بناء على شرط الإقامة فقط، وبمقتضى مرسوم في الحالات الأخرى، وينص الفصل 25 على أن الطلبات المقدمة لاكتساب الجنسية ترفع لوزير العدل، هذا الأخير الذي يحق له الإعلان عن عدم قبول الطلب أو التصريح، وأنه يبت في التصريحات المقدمة إليه داخل أجل سنة، وبعد فوات هذا الأجل دون رد فإنه يعتبر رفضا.
فبقراءتنا لكل هذه النصوص نسجل أنها معقدة للغاية، وأنه من الصعب استيعابها من المتخصصين والمهنيين فما بالك بالرجل العادي، ونعتقد أن هذا التعقيد مرده اختلاف المرجعيات المعتمدة لسنه بل وتناقضها في أحيانا كثيرة، وإذا كان النص القانوني في معظمه موجه في جزء كبير منه للأجانب الراغبين في التجنيس، فيجب أن يكون مبسطا.
الملاحظة الثانية أن النص لم يتطرق للجانب المسطري إلا نزرا يسيرا مما يستشكل معه الأمر في عقل المرتفق، فهو حينما تحدث عن كون الطلبات والتصريحات ترفع لوزير العدل لم ينص على شكل هذا الطلب أو التصريح، وأين يوضع وكيف ومن يقوم بذلك…إلخ، وبذلك يمكن اعتباره من الناحية المسطرية فقيرا جدا لدرجة يمكن اعتبار سنه كان دافعه الشكل دون التفكير في ٱليات أجرأته بشكل مبسط ينسجم مع قانون تبسيط المساطر، مما يجعل الولوج إليه يتسم بالصعوبة المطلقة، ودليلنا في ذلك أنه خارج الحملة التي نظمتها السلطات في هذا الشأن لفائدة المهاجرين الأفارقة ومواطني بعض البلدان العربية، فإن الطلبات والتصريحات نادرة جدا ولا نكاد نسمع بها.
وأن المغرب، وفي إطار سياسته الرامية إلى الانفتاح على الأجانب في عدد من الميادين نخص بالذكر قطاع الصحة، وفي إطار ورشة تبسيط المساطر، وأيضا وانسجاما مع ما جاء به تقرير النموذج التنموي بأن القوانين والأوراش يجب أن يكون لها وقع على المجتمع، أي دراسة الجدوى، يجب عليه مراجعة هذا القانون في أفق توضيحه وتبسيطه ووضع مساطر واضحة وشفافة لتسهيل الولوج لهذه الخدمة، و بت الروح فيها، مع إعطاء الحق في سلوك المساطر القضائية في حالة رفض التجنيس أو منح الجنسية لمن يرى في نفسه أنه مستوف للشروط المنصوص عليها ، دون أن ينسى وهو في طريقه للتغيير من رفع تحفظاته التي تساهم إلى حد كبير في عرقلة التطبيق..

الكاتب : عبد العالي الصافي - بتاريخ : 24/06/2023

التعليقات مغلقة.