هل تخرج فرنسا من دوامة العنف في أحيائها الهامشية ؟

باريس: يوسف لهلالي

وصل الغضب الذي تخلل الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها فرنسا، في الأيام الأخيرة، إلى مستوى كبير من العنف، من خلال استهداف رموز الدولة ومؤسساتها بعد محاولة إحراق منزل رئيس بلدية، يوم الأحد الماضي، في حادث لقي تنديدا واسعا، مما يجعل الحكومة أمام أزمة مفتوحة، ورغم التهديدات التي تقوم بها هذه الأخيرة، والتي تعلن تعبئة كل قوات الأمن وكل قدراتها، فإن العنف مستمر وينتشر من مدينة إلى أخرى رغم تراجعه الليلة الماضية، ورغم اعتقال حوالي 3000 شخص وإدانة حوالي 120 منهم بالسجن النافذ.
ومع تزايد الهجمات على رؤساء البلديات ومسؤولين منتخبين في فرنسا، أكدت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن أن الحكومة «لن تتسامح مع أي عنف» وأنه سيتم تطبيق «أقصى درجات الحزم» في العقوبات.
ومس العنف العديد من مؤسسات الدولة، وحسب وزارة الداخلية فقد تم استهداف عشرة مراكز شرطة وعشر ثكنات للدرك بالإضافة الى مدارس وبلديات، قبل أن ينتقل التخريب إلى نهب المتاجر بمختلف أشكالها، كما تعرضت العديد من المدن في الليالي الماضية إلى أعمال شغب ونهب وتخريب، وقدرت الخسائر حتى الساعة بـ 200 مليون يورو، وهو رقم يتجاوز الخسائر التي شهدتها فرنسا في احتجاجات سنة 2005.
دوامة العنف هذه توقعها العديد من المتتبعين لقضايا الأحياء الشعبية بفرنسا، والتي تجمع كل أشكال الفقر والتهميش بكل أنواعه، وغياب استثمار الدولة في هذه المناطق، وازدادت أزمة هذه الأحياء بفعل التضخم التي أحدثته الحرب الأوكرانية الروسية، بالإضافة إلى سلوكيات الأمن الفرنسي في هذه الأحياء وتعامله التمييزي والعنصري ضد هذه الأقليات التي تتعرض لمراقبة الهوية باستمرار، حسب الأرقام التي نشرتها المنظمات الحقوقية.
هذا بالإضافة إلى وقف سياسة المدينة من طرف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث مكنت هذه السياسة في السنوات الماضية من إعادة تحديث العديد من الأحياء الهامشية وخلقت فرصا للشغل، وهي سياسة تتعرض بانتظام لانتقادات اليمين المتطرف، الذي يزعم أحد أقطابه، ايريك زمور، أن الدولة الفرنسية تهتم بهذه الأحياء أكثر من القرى الفرنسية.
بعض الصحف الفرنسية مثل مجلة «الاوبس» قالت إنه لا بد من الجرأة وقول الحقيقة، وهي أن هناك عنصرية بمؤسسة الشرطة الفرنسية، وأن فرنسا لا يمكنها الاستمرار في إنكار هذا الواقع إذا أرادت حل مشكلة الأحياء الهامشية.
وتعتبر عمليات العنف والنهب والتدمير التي تمس المصالح القليلة التي توجد بهذه الأحياء سلوكا غير مفهوم من باقي الفرنسيين لعجزهم عن فهم وضع التهميش والعنصرية والميز، الذي يعيشه شباب هذه الأحياء من أصول أجنبية. لهذا، فإن أي تجاوز للشرطة، كما وقع يوم الثلاثاء الماضي، خاصة بعد كذبها في البداية حول هذا الحادث المأساوي، حيث تحدثت عن شرطي في حالة دفاع عن النفس قبل أن يتبين من خلال فيديو وثق الحادثة أن ما قالته المؤسسة ومسؤولوها كذب، سيزيد من فقدان الثقة في هذه المؤسسة سواء من طرف هؤلاء الشباب أو من طرف كل المواطنين، وذلك بسبب لجوء هذا الجهاز إلى الكذب والتستر على التجاوزات غير القانونية لبعض أفراده، وهو الجهاز الذي تتفشى فيه العنصرية، كما ذكرت ذلك عدة منظمات فرنسية مثل «ايس او ايس راسيزم».
هذا التدبير السيء للأزمة، اليوم ، وكذا هذا الهروب إلى الأمام من خلال القبضة الحديدية التي يتم بموجبها اعتقال حوالي مئات المراهقين كل ليلة، هي عوامل لن تساعد الحكومة على وقف هذا العنف، وحتى إن توقف فسيكون ذلك بشكل مؤقت لينفجر في أقرب فرصة، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية الكبيرة على صورة فرنسا في الخارج.
ورغم مرور ستة أيام والحديث عن الانتشار المستمر لقوات الأمن، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة، فإن الأزمة مازالت مستمرة رغم تراجع حدتها. وقد دفعت أعمال العنف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إلغاء زيارة الدولة إلى ألمانيا، كان من المقرر أن تبدأ الأحد وتستمر يومين، بعدما اختصر أيضا مشاركته في قمة للاتحاد الأوروبي استضافتها بروكسل الجمعة.
كما قامت عدة دول بتحديث نصائح السفر لرعاياها بفرنسا، ودعتهم إلى تجنب زيارة المناطق التي تشهد أعمال شغب، وهو ما قامت به بريطانيا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مما جعل فرنسا تشعر بالإهانة خاصة أن بلدانا مثل إيران والجزائر طالبتها بالكف عن استعمال القوة المفرطة ضد مواطنيها.
إضافة إلى أن السلطات الفرنسية مترددة في اللجوء إلى حالة الطوارئ في البلاد، وهي مسألة تلقى متابعة حثيثة في الخارج خصوصا أن فرنسا تستضيف في الخريف كأس العالم للركبي ثم دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس في 2024، ويسمح فرض حالة الطوارئ للسلطات الإدارية باتخاذ إجراءات استثنائية مثل منع التجول.
بدورهم بدأ مسؤولو قطاع السياحة في الشكوى من إلغاء الحجوزات بسبب صور العنف التي نقلتها مختلف القنوات الدولية عن الوضع في عدد كبير من مدن فرنسا إثر مقتل الشاب نائل (17 عاما) الثلاثاء برصاص شرطي خلال عملية مراقبة مرور.
فهل تخرج فرنسا من دوامة العنف؟ وهل ستجد حلولا حقيقية لهذه الأزمة من خلال معالجة جذورها؟

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 05/07/2023

التعليقات مغلقة.