فجأة تغير المزاج الوطني العام

عبد الحميد جماهري

فجأة تغير المزاج الوطني العام.
وطفت الأرواح فوق مياه الأنهار
والسواقي ..
وقد انتعشت
وترقرقت
وطاب نشيدها..
وتاهت، مثل أغنية فيروزية، بين الجداول والأغصان
وتحممَّت بالبياض فوق القمم…
نور أبيض يعطر العين..
صارت الجبال المكسوة بالثلج مشهدا مألوفا
في الشوارع والبيوت
وفي الهواتف والصفحات
فجأة: اكتشفنا أن المطر يحيي الأرض بعد موتها..
وأن ما عند الله قريب للغاية، وليس في غيب إرادته القصية والملغزة.
نسي الناس الحكومة، بالرغم من استغلال التساقطات في رفع الأسعار
(وهي معضلة مغربية بامتياز : فيها أن الفلاحين يتعبون في جني الخضر مثلا، وعند جمعها يرتفع الثمن بسبب الوحل، ولا حاجة إلى فهم هذه الجدلية )..
المطر، الذي يغذي مفارقات عجيبة في السياسة الوطنية، يحكم عندما يكون الجفاف
وعندما يحضر تغيب الحكومة: المغاربة يكتفون بالمياه الطبيعية وبالمطر لإطعام أنفسهم..
هكذا، في معادلة مغربية أخرى تشدهم السماء إلى الأرض أكثر
ويطمئنون أكثر..
ولم يغفل المغاربة، بسليقتهم أو بفعل العادة التي صقلها الجفاف، أن يتساءلوا: وهل ستستطيع الحكومة مثلا الحفاظ على المياه من الفرد
فلا تضيع في المواسير وفي البحار وفي قنوات الصرف غير الصحية؟
هذه الأمطار..
كانت منتظرة لكي تخضر نار الانتظار
لقد انتظروا الماء على أحر من الجمر!
الذين يحبون الأدب رفعوا القبعات تحية إلى بدر شاكر السياب
مطر
مطر
مطر
الفلاحون، الفقراء الموظفون البسطاء العمال المياومون: كلهم شعروا بأن الأرض والسماء ملكهم
وأن عليهم أن يحمدوا لله أنها تمطر
وأن عليهم أن يتصرفوا بان السماء ملك لهم
كما الأرض
ساعة المطر!
الوزراء الذين جعلهم الجفاف موظفين أشباح عادت إليهم الابتسامة
وانتعشت أرواحهم بالماء: وكان من الماء كل وزير حي!
كما لو أنهم أصبحوا شعراء هايكو :
مع مطر الربيع،
كل شيء يتحسن ويزداد جمالا..
شهر مارس
وشهر أبريل
يسيلان مع الماء
.. ويشتاق الصاخبون إلى صوت المطر .. ليصمتوا، آخ أيها البحتري : أنت الذي يمكنك أن تفسر هذا المزاج الوطني الرائق: السماء إذا لم تبك مقلتها لم تضحك الأرض ـ ولا نحن أيضا ـ عن شيء من الخضر.

لننسى» المعادلات الأممية وجيوستراتيجيات الماء والحق فيه.منذ أن وضع حمورابي قواعد السقي والري..
ولنقل بلغة الناس:.
هو المزاج العام يصنع في السماوات العلى
يصنع في تفاصيل التفاعل الحراري بين الشمس والريح، في قوارير سماوية وضعها الرب بين يدي الربيع.
في الشرق، حيث النوايا هي التي ترطب المزاج، ما زالت الأرض قطعة من الصيف عرضة لمزاج العاصفة بغبارها الاحمر ورملها..
ومع ذلك فالناس هناك يتنهدون ويرفعون مناقيرهم إلى السحاب وينشدون: آه يحيا المطر يحيا المطر!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/04/2024

التعليقات مغلقة.