فرنسا تعترف اقتصاديا بالسيادة المغربية على الصحراء ولكن..!

عبد الحميد جماهري

زيارة الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية، فرانك ريستر، تزامنت مع حديث متواتر عن تفعيل التزام ديبلوماسي فرنسي، كان قد أعلن عنه وزير خارجية فرنسا سيجورنيه في آخر زيارة له.
ومن المقرر أن يصدر بلاغ رسمي في هذا الأمر، من طرف الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية، فرانك ريستر، خلال زيارته المقبلة للمغرب، المقررة يومي 4 و5 أبريل الجاري، حسب نفس المصدر.
والالتزام المقصود هو الكشف، بتفخيم كبير تحدث أصحابه عن قرار تاريخي وحاسم وغير مسبوق، وتحول باهر الخ ..الخ، حيث سمحت باريس لمؤسسات الدولة العمومية بالانخراط في تمويل مشاريع في التراب الوطني المغربي بالجنوب.. لا سيما تمويل مشاريع بجهتي الساقية الحمراء العيون والداخلة وادي الذهب..
الخارجية الفرنسية أعطت الضوء الأخضر لتمويل مشاريع في الأقاليم الجنوبية من قبل مؤسسات مالية فرنسية للتنمية مثل «بروباركو» (شركة تابعة للوكالة الفرنسية للتنمية) أو بنك الاستثمار العام «Bpifrance».
قد يكون هو ذا التعريف العملي لما صرحت به فرنسا، في مجلس الأمن عبر ممثلها الدائم أو عن طريق رئيسها أو رئيس ديبلوماسيتها أو سفيرها في المغرب..
وهو القول بأن»علينا المضي قدما»..
الخطوة لا يمكن الاستهانة بها، بحيث إنها تزكي وتقوي اختيارات المغرب من حيث وقف سياسته على مصالح ساكنة الأقاليم الجنوبية، وهم مغاربة ويخضعون للقانون المغربي سواء في الاستثمارات أو في الضريبة أو في المنافسة، وغير ذلك من معايير الفعل الاقتصادي..
ومن اللحظات المهمة ولا شك أن الخطوة الفرنسية، تقطع مع ما تذهب إليه المحكمة الأوربية بخصوص الدعوى ضد الاتحاد الأوروبي في علاقته الاقتصادية المغربية.. والقرار ذي الصلة باتفاقيات الصيد البحري والفلاحة الذي ينتظر حكم الاستئناف الذي تقدم به الاتحاد الأوربي لدى المحكمة ..
التسلسل المنطقي لمجريات العلاقة بين باريس والرباط يضع سياقا إيجابيا لهذه الخطوة، باعتبار أنها تفسر بكونها خطوة تسير في الاتجاه الذي ترغب فيه الرباط، أو لنقل إنها ما يشبه الاعتراف بمغربية الصحراء .. بالاقتصاد لا بالسياسة، أو بالاستثمار تحديدا لا بالموقف الديبلوماسي..
*نحن في بداية شهر أبريل، وهو الشهر الذي يكون فيه الموعد السنوي مع قضية الصحراء في مجلس الأمن، وهناك تواريخ محددة، منها موعد ديميستورا مع الجهاز التنفيذي الأممي لتقديم إحاطة علما، يوم 16 أبريل، بعد زيارات في نهاية السنة التي ودعناها إلى المنطقة وزيارات»تكميلية» إلى جنوب إفريقيا وروسيا والمملكة المتحدة!
*المفروض بأنها مناسبة دولية تبرز فيها المواقف وإن كان المجلس الأممي لا يصوت في هذه المرحلة، بل لا يصدر عنه أي بيان عادة بخصوص القضية الوطنية.
ومازالت الأطراف المعنية ترفض الجلوس إلى مائدة
المفاوضات، بالرغم من القرارات السابقة.. وهو ما يضع مسؤوليات كبيرة على مجلس الأمن وعلى أصدقاء المغرب بالدفع نحو ميل الكفة لفائدة المقترح المغربي باقة المكتوب***** الدولي..
ماذا يعني القرار الفرنسي؟
أولا: القرار اقتصادي بدون قرار سيادي سياسي واضح، وهو يظل محكوما بلعبة التوازنات التي تطيل فرنسا عمرها مع نظام الجيران، يحب أن يشوش عليها بذاكرة الحرب وعقدة الضمير وما إلى ذلك من مقومات ما سماه مانويل ماكرون نفسه «ذاكرة الريع» ( نحن لم نطرح بعد الذاكرة الترابية لبلادنا في العلاقة مع فرنسا ).. وهو تمرين لم يعد له ما يسوغه في علاقتنا مع باريس..

ثانيا: تستعد باريس لتمويل مشاريع استثمارية في الأقاليم الجنوبية،وهي تدرك بأنها رابحة في العملية، بغض النظر عن الإرادة المغربية المحضة: هناك مشاريع هيكلية في المجالات الحاضرة والمستقبلية مثل الطاقات المتجددة، والتي سبقت إليها ألمانيا وإنجلترا والصين، والبنيات التحتية البحرية من قبيل الميناء في الداخلة .. والذي كانت فرنسا قد دخلت منافساته ولم ترس عليها الصفقة.. وغير ذلك من المشاريع ذات الحمولة الاستثمارية الكبرى، مع ما رافق ذلك من دخول فاعلين دوليين وإقليميين من العيار الثقيل، نرى فرنسا نفسها تغازلهم من قبيل الإمارات ..
فرنسا تدرك بأن الفرصة، بعيدا عن المقابل السياسي المطلوب منها، فرصة لخلق ممرات اقتصادية جديدة،ومنصات ذات تأثير تاريخي مستقبلا: الممر اللوجستيكي العابر للهند، الشرق الأوسط وأوربا، والواجهة الأفروأطلسية والتأهيل الجيواقتصادي لدول الساحل، وغير ذلك من الأوراق المستقبلية. والتي تعرف بأنها مطالبة بعدم تفويت الفرصة، كما في السابق مع مغرب صار لاعبا مركزيا في المنطقة برمتها، في تنافس مع اقتصاديات قوية مثل تركيا والصين والسعودية….
ووفق هذا المنظور، فإن فرنسا تتطلع إلى أن تكون لها حصتها من مشاريع أخرى في السياحة والاقتصاد الأزرق .. والتي شكلت محاور استراتيجية جديدة للمغرب إزاء إفريقيا والواجهة الأفروأطلسية..
هناك إذن ربح اقتصادي مهم لفرنسا، وعليها أن تتفهم الحاجة إلى ..مقابِله السياسي! وهو في المغرب حصري ومحدد دوليا: الاعتراف بالصحراء المغربية كشرط وجوب لإقامة أية اتفاقيات، بمقتضى توجه ملكي معبر عنه رسميا في خطاب علني..يحدد القاعدة الدبلوماسية في الشراكات والاستراتيجية والعلاقات الدولية..إلخ
إذن هناك اليوم مشاريع واتفاقيات فوق الأرض المغربية في الصحراء فيما قد نعتبر بأن فرنسا تريد أن تجمع بين شرط المغرب في السيادة(الإقرار بها ضمنيا) وشروطها للاستثمار الرابح في الصحراء،والذي أسلفنا عناصره المحورية.
ولعل السقف العالي من هذه المشاريع (10 ملايين يورو) هو تخفيض التوتر، وفتح الطريق نحو التواصل والتبادل السياسيين، لمناقشة ما هو أعمق من «دعم السكان المحليين» في المنطقة..
إن ما ينتظر المغرب ليس هو التقدم على مستوى الاعتراف الاقتصادي، بخطوات محسوبة بميزان المصلحة المباشرة بقدر ما هو مطلوب التقدم على مستوى القضية المركزية: الصحراء.
إن تقسيم الاقتصاد السياسي إلى شقين: سياسة واقتصاد ليس هو أحسن درس في الاقتصاد السياسي، بل إنه لن ينفع، ولعل فرنسا ستكون موفقة إذا بدأت من اعتبار الحكم الذاتي أكثر من منطلق للنقاش بل أن تفعل -كما إسبانيا- باعتباره القاعدة الوحيدة والواحدة للنقاش حول الصحراء..
ما تقوم به فرنسا هو تصعيد لواقع ميداني صار ثابتا وواقعا أمميا في تقارير الأمين العام كل سنة. وقد كانت زيارة مبعوثه الشخصي ستيفان دي ميستورا إلى العيون والداخلة، في الأقاليم الصحراوية للمملكة من 5 إلى 7 شتنبر الماضي، مناسبة لتأكيد هذا التوجه الذي لم يعد موضوع خلاف دولي..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/04/2024

التعليقات مغلقة.