لفهم ما جرى ويجري 1ـ لماذا اختارت إيران الهجوم عوض سيناريوهات أخرى ؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يعد مهما تقدير الخسائر في الأرواح أو في العتاد، إثر الضربة التي وجهتها إيران إلى إسرائيل، لتقدير قوة أو وجاهة الفعل العسكري، بقدر ما أصبح من المتفق عليه أن تفاعلاتها وآثارها، بالرغم من محدودية الضربة، ستكون أكبر بكثير مما يبدو حاليا. ولعل الأكثر وعيا بمآلات تجاوز إيران، عن دراسة و«ترتيب مسبق،» للخطوط الحمراء، هما إيران نفسها وأمامها الولايات المتحدة، قائدة المعسكر المساند لإسرائيل.
فبعد ليلة من الهجوم غير المسبوق، سارعت إيران إلى مطالبة الغرب بالامتنان لضبطها حجم الضربة وعدم المغامرة برفع إسقاطاتها، وهذا الغرب، ينتقل من الإدانة والتضامن المطلق إلى التعبير عن إرادته في تجنب التصعيد الحربي وتحويل المنطقة إلى أتون أشمل بحريقه المطلق.
فقد قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، خلال مؤتمر صحافي «على الدول الغربية أن تكون ممتنة لإيران على ضبط النفس (الذي أظهرته) خلال الأشهر الماضية» عوضا عن «كيل الاتهامات بحقها»… في الوقت ذاته سارعت ألمانيا، الحليف الاستراتيجي الجديد لتل أبيب وباريس وواشنطن، إلى دعوة إسرائيل إلى ضبط النفس .. وعدم الدخول في منطق التصدي الذي يهدد بحرب واسعة النطاق في المنطقة، وحريق شامل سيرخي بآثاره على العالم برمته..
قالت إيران الأحد في الأمم المتحدة إنه «لم يكن لديها خيار سوى ممارسة حقها في الدفاع عن النفس» وهو الخيار الذي اختارته من بين سيناريوهات عديدة، لممارسة حقها في الرد، المكفول دوليا في الأوضاع المماثلة :
ـ إما النجاح في فرض البديل السياسي للخيار العسكري برمته، وهو ما لم يتسن لها عن طريق مجلس الأمن مثلا.
ـ وإما المعاملة بالمثل من حيث ضرب سفارة إسرائيلية في دولة من الدول، وهو ما كان يجر دولة ثالثة التي تتعرض لانتهاك سيادتها الترابية، إلى الصراع ..
ـ وإما اللجوء إلى الحل الثالث والأقل كلفة، سياسيا وعسكريا، من حيث الدفع بأذرعها الموجودة في المنطقة، أي في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، إلى الانتقام لها، وهي التي ظلت تعتمد أسلوب المناولة، وظلت كذلك تنأى عن المواجهة المباشرة، وهو ما كان يعني بأنها ستفقد مصداقيتها كقائدة للممانعة ومحور المقاومة.
ـ وإما العودة، في النهاية، إلى أسلوب القرن الماضي وضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة أو غيرها، وهو ما يعزز المواقف الداعية إلى اعتبارها راعية للإرهاب، ويسهل الانتقال إلى تلبية طلب إسرائيل بتحويل الحرس الثوري إلى منظمة إرهابية..
كل ذلك وضعها في معادلة حادة إذ لا يمكنها أن تخوض حربا كلاسيكية كما هي متعارف عليها، ولا يمكنها أن تظل مكتوفة الأيدي، فاختارت الرد المحسوب، والذي أعلنته الدول الحليفة لإسرائيل قبل وقوعه، بل يمكن أن نقول إنها سعت بالفعل إلى أن يكون الجميع على علم به، والاستعداد له، وتقزيم آثاره وأضراره، وحصرها في الهدفين اللذين انطلقت منهما هجومات فاتح أبريل الماضي، أي القاعدة والمطار اللذين كانا قاعدة قنبلة قنصليتها في دمشق .
بالرغم من تجاوز الحدود المرسومة لإيران، والتي لم يسبقها إليها سوى غريمها صدام حسين، فإن ما توالى لا يمنع المعلقين من القول بوجود »نوع من الترتيب الصريح أو الضمني« مع الغرب، بل هو تدبير بالتراضي بين المضروب الأول والمضروب الثاني..كما تم في السابق عند ضرب قاعدة عسكرية أمريكية في العراق. كما لا يخفى عليهم دلالات الضربة. وهنا يجب القول إن الغارة الإيرانية لعلها الأولى التي لا تقاس أهميتها بحجم النتائج التي خلفتها، لا من حيث الخسائر المادية ولا من حيث الاستحواذ على أرض العدو أو خلخلة أنظمته الدفاعية وفرض التشتت عليها، ولا من حيث الخسائر البشرية التي توقفت عند راعية بدوية في النقب!،
بل الذي حصل أن كل أدوات الهجوم عرفت مسارها وتم رصدها طوال الطريق الذي اقتفته، وحصلت أدوات الدفاع الأمريكية والإسرائيلية والغربية على حظ وافر من تدميرها.. ولا أحد ولا عاصمة عربية أو غربية يمكنها القول إنها تفاجأت، ومقابل ذلك لا يدرك أحد أين ستصل المواجهات…
كما أن إيران تسعى، بالتهديد تارة وبالدعوة إلى تفهم الغرب تارة أخرى، إلى »التجاوز« عن ضربتها التي احترمت» «الصواب»» بالمعنى المغربي. أي أن على الغرب أن يشكرها لأنها لم تثقب سقف المرحلة كما قد تدفعها إلى ذلك أجواء التصعيد العامة.. ولعل من الترتيب القبلي هو استعمال أسلحة محدودة الأثر، وموجهة نحو الفضاء المطلوب ..
إلى جانب هذه الرسائل الإيرانية هناك رسائل غربية، وهو ما نعتبره العنصر الموالي في التحليل ألا وهو التفاف الغرب لا سيما ألمانيا وانجلترا وفرنسا، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة، حول إسرائيل، والإشراف المباشر على سلامتها.. فقد قامت القوات البحرية والجيوفضائية الأمريكية، حليفتها، بإسقاط الطائرات والصواريخ، وتمت حماية الدولة العبرية من آثار أكبر هجوم في تاريخ إسرائيل، حيث أن قبتها الحديدية كانت آخر محطات الدفاع ولم تشتغل إلا بعد أن كانت أجهزة البوارج الأمريكية والفرنسية ( التي عادت إلى سلطة الناتو منذ غيابها سنة 1966 ) قد قامت بالواجب! ولعل الدافع إلى ذلك، هو طمأنة الدولة العبرية، وسحب ورقة المظلومية من يد نتانياهو لتفادي التصعيد.
وفي ذلك تأكد بأن الضربة أنعشت التحالف الغربي مع إسرائيل، بعد أن كان قد تضرر من همجيتها في غزة لدى الرأي العام الغربي المحتج بقوة عليها. وهو رأي عام يأخذه السياسيون الغربيون وأصحاب القرار مأخذ الجد باعتباره. الشرط الديموقراطي في بناء الدولة…
وهو ما يحيلنا، في المتوالية الهندسية للضربة الإيرانية.. على مكاسب إسرائيل المضروبة، من هكذا موقف.
غدا : مكاسب الدولة المضروبة وثمن انضباطها!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/04/2024

التعليقات مغلقة.