«الأندلسيون الهورناتشيون: من المراقبة إلى العقاب»

محمد رضى بودشار يقتفي آثار الأندلسيين المرحلين الى المغرب

نشرنا في عدد التاسع من شتنبر الجاري في ركن «جديد الكتب» خبرا عن صدور كتاب «الأندلسيون الهورناتشيون: من المراقبة إلى العقاب» وقد ورد فيه خطأ غير مقصود بنسبه الى المؤرخ خالد بن الصغير والحال أن مؤلف الكتاب هو الاستاذ الباحث محمد رضى بودشار و محمد عبد المؤمن وإذ نعتذر للاستاذ بودشار نورد لمحة وافانا بها عن الكتاب:
بدأ البحث التاريخي بالمغرب ينفتح على موضوع الأندلسيين المتأخرين (الموريسكيين) الذين استقروا في العديد من المدن المغربية، وأثروا في الثقافة المغربية تأثيرا ملحوظا، وقد اعتبر دستور 2011 العنصر الأندلسي رافدا من روافد الثقافة المغربية، من بينهم الهورناتشيون الذي استقرا بقصبة الأندلس (الوداية) بالرباط.. ونظرا لقلة المصادر المغربية التي يمكن أن تفيد الباحثين في هذا الموضوع، يشير المتخصصون فيه إلى أهمية اعتماد المصادر الأجنبية خاصة الإسبانية، لا سيما تلك التي تحتفظ بها أرشيفات هذا البلد.. وفي هذا المنحى صدر مؤخرا عن دار نشر باب الحكمة كتاب «الأندلسيون الهورناتشيون من المراقبة إلى العقاب: ترجمة ودراسة لوثائق من الأرشيف الإسباني»، لمحمد رضى بودشار بالاشتراك مع محمد عبد المومن. وينقسم الكتاب إلى قسمين: الدراسة تطرق فيها محمد رضى بودشار إلى أشكال المراقبة التي نهجتها محاكم التفتيش الإسبانية للمسلمين الهورناتشيين، وسعي الأخيرين إلى الانفلات منها باعتماد مجموعة من الحيل، ثم تناول بعد ذلك أشكال العقاب التي طالت هؤلاء الأندلسيين المسلمين الذين كانوا يخفون عقيدتهم ويمارسون شعائرهم في السر مع ادعاء التنصر، من عقاب جسدي وغرامات مالية إلى درجة الطرد من الأرضي الإسبانية، وأخيرا توقف بودشار عند استقرار الجماعة الهورناتشية بالمغرب وممارستها لنشاط القرصنة واغنتائها من عملية افتكاك الإسبان لأسراهم. أما القسم الثاني الخاص بالترجمة التي أنجزها محمد عبد المومن، فهو يتضمن 36 وثيقة تتأطر زمنيا بين سنة 1502 التي صدر فيها ظهير التنصير القسري للمسلمين وسنة 1640 وهي سنة افتداء بعض الأسرى الإسبان بتطوان. وقد جاء في مقدمة الكتاب « هذه الوثائق التي نسعى إلى نشرها اليوم، ووضعها بين يدي الباحث الأكاديمي، وبين أيدي المتأمل في الماضي الأليم للجماعة المسلمة الأندلسية المنصَّرة التي عُرفت بـ»المورسكيين»، لا تختلف كثيرا عن مجموع الوثائق التي نشرت من قبل. كما لا تختلف كثيرا عن مجموع النصوص التي تضمنتها الدراسات التي تطرقت إلى أشكال مراقبة هذه المجموعة البشرية وعقابها، ومع ذلك لها خصوصيات وتمكن من الاطلاع على معلومات ومعرفة تفاعلات تُميّز الأندلسيين الهورناتشيين، كما تبين أشكال التعامل والتفاعل مع المناطق الأخرى. وهذا يُنم عن أهمية الأرشيف الإسباني في هذا الموضوع، في ظل انكفاء الوثائق العربية المعبرة عن المرحلة اللهم بعض الشذرات القليلة، نتيجة للحصار الذي فُرض على مسلمي الأندلس بعد سقوط غرناطة، و»الخنق الثقافي» الذي عانوا منه بسبب ما مورس عليهم من مراقبة وعقاب. كما أن اضطراب الأوضاع العامة وطبيعة حيوات الناس عصرئذ، حالت دون وجود تدوين أندلسي للمرحلة. ومن ثمة تظل الوثائق الإسبانية – المسيحية المصادر المعول عليها في هذا المطمح، وإن كانت هذه الوثائق تعبر عن رأيه وتجربته ومتعلقاته، فإنه يحمل مع صوت ذلك المقصي والمضطهد بل والمعذب والمعاقب والمطرود. وكأننا في هذه الوثائق نقف أمام صوتين؛ صوت حامل وصوت محمول، صوت رئيسي مهيمن وصوت ثانوي مقاوم ومناوئ.
هذه الجماعة البشرية تتمتع بخصائص متميزة تجعلها تختلف عن غيرها من الجماعات الأندلسية المنصرَّة والمهجَّرة سواء أثناء إقامتها بإسبانيا من حيث جانب التضامن والاتحاد بحيث استشعرت الدولة الإسبانية ومؤسساتها خطورتها، أو خلال استقرارها بالمغرب الذي انتقلت إليها انتقالا جماعيا فحملت إليها تراثها الثقافي والنضالي في الآن نفسه. دون أن ننسى أن منطقة إشترامادورا استقبلت جانبا من المطرودين من مملكة غرناطة عقب الثورة الكبرى في جبال البشرات التي انتهت بانتصار الجيش الإسباني وهزيمة الثوار الذين كانوا قد تجاوز سقف المطالب الإصلاحية والحقوقية إلى محاولة استعادة الدولة الأندلسية التي كانت عاصمتها غرناطة. وهي تقدم للقارئ العربي ذخيرة توثيقية، ومادة خصبة للدراسات والبحث، أو للتأمل والاستفادة الأدبية والتاريخية، من هنا ارتأينا أن ننشرها، مصحوبة بدراسة لتقريبها إلى الأفهام والمدارك.»


بتاريخ : 17/09/2020