زلزال أخلاقي في‮ الأمن‮..؟‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اعتدنا القول،‮ ‬مع‮ ‬الفرنسي‮ «‬ايميل شارتيي»‮ ‬المشهور باسم‮ «‬آلان‮» ‬إن‮ « ‬الأخلاق تبدأ من حيث‮ ‬ينتهي‮ ‬البوليس‮»‬،‮ ‬بيد أنه صار ممكنا لنا أن نسائل حكمة فيلسوف فرنسا‮:‬ ماذا لو ولدا معا،‮ ‬من عقد ازدياد‮ مشترك بسيط؟
‮ ‬ذلك له ما‮ ‬يبرره،‮ ‬إذ لم‮ ‬يكن البلاغ‮ ‬الذي‮ ‬أصدرته المديرية العامة للأمن الوطني‮ ‬بلاغا عاديا،‮ ‬ولا‮ ‬ينبغي‮ ‬له‮..‬ أن‮ ‬يكون كذلك‮.‬
والسبب بسيط للغاية،‮ ‬ألا وهو أن ما‮ ‬يبشر به‮ ‬يعد أكبر رجة ممكنة في‮ ‬تاريخ الوظيفة الأمنية‮‬ تمت في‮ ‬هدوء‮ ‬يشبه أصحابه‮ ‬في‮ ‬المهنة والمهمة‮،‮ ‬فيها التخليق العميق‮،‮ ‬من باب مواجهة الواقع بشجاعة‮!‬
فقد كان ضربة في‮ ‬عش اليعاسيب،‮ ‬ونقطة نظام حقيقية‮ ..‬في‮ ‬قضية كان‮ ‬يحيط بها الخوف أكثر ما‮ ‬يحيط بها‮ .. ‬الأمن‮!‬
هي‮ ‬قضية التوظيف في‮ ‬أسلاك الشرطة المغربية‮.‬
فقد دعا الحموشي‮،‮ ‬المدير العام ومدير الديستي‮، ‬إلى‮ «‬فضح‮» ‬كل الذين‮ ‬يبتزون المرشحين للأمن من أجل دخول أسلاكه‮..‬
وقد‮ ‬يبدو كما لو أن الرجل‮ ‬يذكر بالبدهيات التي‮ ‬تستند إليها أية وظيفة عمومية في‮ ‬بلاد الدنيا الواسعة بجهاتها الأربع‮.‬
غير أن واقع الأمر،‮ ‬عند التمحيص،‮ يفوق ما هو‮ «‬بديهي‮» ‬في‮ ‬التقدير المنطقي‮ ‬والمعقول‮.‬
لهذا لا بد من أن نتفق أولا أن سؤال التحري‮ ‬المعروف عند كل مفتش شرطة أو كاتب روايات بوليسية‮ : ‬من المستفيد من الجريمة،‮ (‬والابتزاز من أجل الوظيفة جريمة موصوفة‮) ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحيل إلا‮ على من‮ ‬يملك الطريق إلى ذلك،‮ ‬وهي‮ ‬عادة طريق السلطة أو الجاه أو المظلة السياسية‮..‬
‮ ‬وعليه فإن‮ هذه الخطوة المعلن عنها من طرف الرجل الصامت في‮ ‬المملكة،‮ ‬ستغضب، أولا وأخيرا، كل الذين اعتادوا العمل على هذا السجل،‮ ‬وهم ولا شك من الذين لهم علاقة‮ ‬
1‮ ‬بالمباراة
2‮ ‬بالامتحانات
3‮ ‬بالنجاح‮ ‬
‮ ‬4‮ ‬بإعلان النتائج
‮ ‬وأخيرا القبول النهائي،‮ ‬
وحسب التتبع‮ ‬المنطقي‮ ‬أو التسلسل في‮ ‬الوقائع‮‬،‮ ‬لا‮ ‬يمكن لكل واحد معني‮ ‬به،‮ ‬أن‮ ‬يكون خارج من يتحدث أو يدعي معرفة أسلاك الأمن،‮ ‬أو الدولة أو الأجهزة القادرة على منح منصب‮ ما بطريقة ما‮..‬
وبطبيعة الحال كل المتاجرين بأسماء الأجهزة والعلاقات والنسب، وغير ذلك من أدوات تبسيط الحياة في‮ ‬مغرب الشروط الصعبة‮..‬.
‮ ‬وأعتقد‮، ‬والله أعلم، أن الزلزال الذي‮ ‬سيحس به الناس هو هذا الذي‮ ‬يرتبط بهم وبأبنائهم وبوظيفة تعتبر عادة صك أمان وطريق الحياة العمومية القارة في‮ ‬زمن‮ ‬يتحدث الجميع فيه عن عدم مرونة سوق الشغل و استقراره ‮..‮
كثيرون،‮ ‬من أفراد العائلات‮ ‬وغيرهم، سيشعرون بأنهم كانوا على‮ ‬صواب عندما كانوا‮ ‬يخافون النصابين‮ ‬والمرتشين‮ ‬التأثير على‮ ‬نتيجة المباراة‮،‮ ‬حتى أنه صار عندنا‮ ‬يقين تام بأن‮ الأمور تتم بـ«الفلوس والوجهيات‮»..‬
‮ ‬وقوة القرار،‮ ‬على المديين البعيد والمتوسط هو أنه‮ ‬يشكل عقد تحصين ضروري،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬اخترقت فيه الرشوة والفساد،‮ ‬كل مستويات الوظيفة العمومية‮،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬أصبح فيه معيار الرشوة ثابتا في‮ ‬تقييم أداء كل أجهزة الدولة المغربية الحديثة،‮ ‬من القضاء إلى البوليس‮ …‬ مرورا بالأحزاب والصحة وغيرها من المرافق‮.‬
‮ ‬وهو تحصين‮ ‬يزيد من احترام رجال الأمن،‮ ‬أكثر مما هو عليه الأمرو اليوم،‮ ‬وارتفاع نظرة الناس إلى درجة الاستحقاق: كل من تراه في‮ ‬الشارع ببذلته الأمنية تدرك بأنه‮ ‬يستحقها وأنه لا‮ ‬غبار‮ على شغله المنصب‮..‬
لقد سبق أن امْتنَّ‮ ‬المغاربة لرجال الأمن عندما سقطوا شهداء الواجب،‮ ‬سواء في مواجهة العمليات الإرهابية أو في‮ ‬مواجهة عتاة المجرمين‮ ‬أو عندما تساقطوا تباعا جراء الاعتداء الشنيع الإرهابي‮ ‬لانفصاليي‮ ‬اكديم ايزيك‮ ..‬
وصار‬أفراده جزءا من موكب الشهداء الذي‮ ‬يرفعه المغاربة إلى الدرجة المستحقة من التقدير والافتخار‮..‬
و الآن نحن أمام دعوة صريحة‮ ‬وغير مسبوقة، لها قوة الأخلاق‮، كما أن لها أيضا صرامة مرفق عمومي،‮ ‬إداري،‮ ‬أمني، يشكل درعا من أدرع الدولة الرئيسة،‮ ‬إن لم‮ ‬يشكل إحدى تجسيداتها الأكثر ملموسية،‮ والتي‮ ‬تملك شرعية العنف‮ ‬الوحيدة‮‬، باسم الدولة نفسها،‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تترك عرضة للابتزاز العام الذي‮ ‬صار مقابلا‮ موضوعيا لتفكك القيم‮،‮ ‬وأسلوبا»معترفا به‮» ‬من لدن عموم المواطنين‮!‬
‮ ‬من الواضح أن السرعة التي‮ ‬انتشرت بها‮،‮ ‬بعض القيم‮ ‬المدمرة،‮ ‬كانت مفرطة،‮ ‬للغاية،‮ ‬وأن‮ ‬البوليس مطالب اليوم بأن‮ «‬يوقف‮» ‬أصحابها،‮ ‬
وتسجيل محضر معاينة‮!‬
وكذلك كان‮..‬
المطلوب أن تصيب العدوى كل الوظائف الأخرى،‮ ‬ولعل أولها،‮ ‬بعد البوليس‮: ‬القضاء‮!‬
أليس هذا الأمر‮ منطقيا عند اعتقال أي‮ ‬ظنين؟‮ ‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/12/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *