‮الاتحاد الاشتراكي‮ ‬يقدم إلى لجنة بنموسى‮‬ مذكرته حول النموذج التنموي‮ ‬الجديد‮ ‬،‮ ‬التي‮ ‬سبق‮ ‬رفعها إلى جلالة الملك‮… ‬

في التفاعل مع الدعوة الملكية السامية:

يتعلق التصور الشامل الذي يستعرضه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذه الوثيقة برؤيته السياسية لكيفية تجاوز الإرهاق الذي أصاب النموذج التنموي القائم إذ بلغ مداه ولم يعد قادرا على مواكبة المتطلبات الملحة للمواطنات والمواطنين. فلم يعد بالإمكان الارتقاء بالمنظومة التنموية لبلادنا أمام استمرار بعض أشكال الريع والاحتكار والفساد من جهة، واتساع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية من جهة أخرى. ومن ثمة، تطرح الرؤية السياسية لحزبنا المحددات والمرتكزات الكبرى الضرورية لإرساء نموذج تنموي مندمج، عادل ومنصف، يسهم في التفعيل القوي لمقتضيات دستور 2011، خاصة تلك المتعلقة بالشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
بالفعل، استطاع المغرب، خلال العقدين الأخيرين، تحقيق تحولات إيجابية وهامة ساهمت في توفير الشروط المناسبة لكسب الرهانات الكبرى سواء على صعيد تطوير البناء السياسي والمؤسساتي أو على صعيد تعزيز التنافسية الاقتصادية. كما تمكن من إنجاز مجموعة من المشاريع الكبرى التي ترتبط بالعديد من القطاعات الإستراتيجية من قبيل البنيات والتجهيزات الأساسية والطاقات المتجددة والصناعات المتطورة وغيرها.
غير أن انتعاش النمو الاقتصادي، الذي نتج عنه ارتفاع الثروة الإجمالية للبلاد، لم ينعكس بالشكل المأمول على صعيد تحسين الوضعية الاجتماعية على الرغم من التطور الملحوظ الذي سجلته بلادنا في ما يتصل بتراجع مستويات الفقر وتحسن مؤشر أمل الحياة عند الولادة وتعزيز الولوج إلى الخدمات الأساسية وتقوية البنية التحتية العمومية (الماء، الكهرباء، الطرق). فبلادنا لم تستطع الارتقاء الشامل بالوضعية الاجتماعية بسبب استنفاذ النموذج التنموي القائم لطاقته وقدرته على مسايرة التزايد المتواصل لحاجيات وانتظارات المواطنات والمواطنين وعلى الاستجابة للمستلزمات المتعددة المتعلقة بالعيش الكريم.
وبحكم الصعوبات والإكراهات التي حالت دون تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية الضرورية، دعا جلالة الملك، في خطابه السامي أمام البرلمان يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017، كافة المتدخلين والمعنيين إلى بلورة نموذج تنموي جديد وفق مقاربة تشاركية ومندمجة، حيث قال جلالته: «وفي هذا الصدد، ندعو الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد.». وقد حدد جلالته التوجهات الكبرى المتعلقة ببلورة نموذج تنموي مندمج بنفس جديد يستهدف بالأساس الحد من الفوارق بين الفئات المجتمعية ومن التفاوتات المجالية من خلال تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة تجسد العدالة الاجتماعية وتضمن الكرامة الإنسانية.

منهجية إعداد تصور الاتحاد الاشتراكي:

إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إذ يسجل بارتياح كبير دعوة جلالته، يؤكد على أهمية التركيز على المحاور الكبرى الواردة في الخطاب الملكي بالمؤسسة التشريعية بتاريخ 12 أكتوبر 2018، والتي تتمثل في القضايا الاستعجالية التي تحظى بالإجماع الوطني من قبيل التربية والتكوين والتشغيل والحماية الاجتماعية وقضايا الشباب. وعلى غرار مساهمتنا المسؤولة والجادة في الدينامية الإصلاحية الشاملة التي تشهدها بلادنا، بادر حزبنا إلى الانخراط الفعلي في هذا الورش الوطني عبر وضع تصور واضح ومتماسك حول مشروع النموذج التنموي الجديد. وقد أخذ حزب الاتحاد الاشتراكي بعين الاعتبار تأكيد جلالة الملك، في رسالته السامية الموجهة يوم 19 فبراير 2018 إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، على أن بلادنا تحتاج اليوم لبلورة رؤية مندمجة لنموذجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما يمكن من إرساء استراتيجية شاملة تستوعب بعمق التحديات الاجتماعية المطروحة وتستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين.
وفي هذا الإطار، انكب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بحسه الوطني وجديته المعهودة، على بلورة تصوره السياسي للنموذج التنموي الجديد من خلال الاستناد إلى عنصرين أساسيين متكاملين هما:
أولا، التراكمات النضالية والسياسية التي تبرزها أدبيات ووثائق الحزب، خاصة منذ المؤتمر الوطني الثامن سنة 2008 حيث اعتبرنا أن المشاريع التنموية لم تواكب المتطلبات المتزايدة للمواطنين وأن التطور الاقتصادي لم يستثمر بالشكل الأنجع في محاصرة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. والأكثر من ذلك، أن حزبنا، منذ مؤتمره الوطني التاسع، أكد على ضرورة خلق نموذج تنموي جديد، متكامل ومندمج، يقوم على الجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي. وقد جدد الاتحاد الاشتراكي نفس التأكيد في مؤتمره الوطني العاشر حيث شدد على أهمية إرساء دعائم التوزيع العادل للثروة وتقليص الفوارق الطبقية عبر اعتماد سياسات عمومية ذات بعد اجتماعي منصف.
ثانيا، التعبئة المتواصلة للطاقات والكفاءات الحزبية لتمحيص النظر في النموذج التنموي الحالي الذي بلغ مداه، مع بحث السبل والآليات الممكنة لابتكار نموذج جديد يوازي بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بما يمكن من إقامة مجتمع متماسك قائم على مبادئ الحرية والعدالة والتضامن. وتكفي الإشارة هنا إلى نتائج اليوم الدراسي الذي نظمه حزبنا بالصخيرات بتاريخ 19 أبريل 2018 حول «النموذج التنموي الجديد» تحت شعار «دولة عادلة قوية .. مجتمع حداثي متضامن»، والنتائج المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد المستخلصة من اليوم الدراسي الذي نظمناه بالمحمدية بتاريخ 21 شتنبر 2018 حول «الجهوية واللاتمركز» تحت شعار «مغرب الجهات: ضرورة تاريخية، وطنية وديمقراطية».
وانطلاقا من ذلك، عملت اللجان الموضوعاتية للحزب على وضع المداخل الرئيسية الكفيلة بتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتحديد المرتكزات الأساسية لتصورنا الاشتراكي الديمقراطي القائم على التحديث والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع. وانسجاما مع مرجعيتنا السياسية، ركز حزبنا في تصوره التنموي على إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية والاجتماعية وفق مقاربة التقائية وتناسقية توجه مختلف الطاقات والموارد الوطنية نحو ترسيخ العدالة الاجتماعية والتماسك المجتمعي والتضامن بين مختلف الفئات الشعبية.
وقد اعتمد هذا التصور التنموي المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي المنعقد بالرباط بتاريخ 29 شتنبر 2018 حيث أكد، في البيان الصادر عنه، إلى على ضرورة «نهج سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية تتوخى التوازن بين الطبقات وتراعي تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمتوسطة.»
وخلال مختلف المحطات، حرص حزبنا – في بلورة تصوره الشامل والمندمج – على معالجة مختلف إشكالات الوضع الاجتماعي المتفاقم ومكامن الخلل في مجالات الاستثمار والرعاية الاجتماعية والحكامة العمومية. واستحضرنا التوجيهات الملكية التي سطرت الأولويات الاجتماعية التي تترجم انشغالات المغاربة، في ميادين التربية والتكوين المهني والصحة وتشغيل الشباب والدعم الاجتماعي وغيرها من القضايا المزمنة في المغرب الراهن. كما حرصنا على التفاعل الإيجابي والنقدي مع مختلف الدراسات والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية والتي اهتمت برصد وتتبع وتحليل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا، أو تلك التي اعتنت بتقييم السياسات العمومية والبرامج القطاعية المعتمدة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

في ضرورة تجديد المقاربة:

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبر أن عملية صياغة نموذج تنموي جديد تقتضي استخلاص الدروس من الانعكاسات السلبية المترتبة عن نظام العولمة والأزمات الاقتصادية الكبرى الناتجة عن السياسات المحافظة، والتي أدت إلى اغتناء فئات تمثل الأقلية، بينما زاد فقر الأغلبية، بما فيها الطبقات الوسطى، التي كلما توسعت كلما ازدهرت الديمقراطية وتحسنت الأوضاع، وكلما ضعفت، كلما تقلصت مساحة البناء الديمقراطي وتطورت الهشاشة بكل سلبيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والآليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق، وخاصة على مستوى تحديد مهام وأدوار الدولة في المسار التنموي الشامل. وهنا، لا بد من الإشارة إلى منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها، وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة، أن تكون «جهازا حارسا» يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد. فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. إننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار نظام العولمة المتمثلة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي.
وانطلاقا من ذلك، يشدد حزبنا على أن إرساء نموذج تنموي جديد مسألة استراتيجية تتطلب منا الجرأة في الطرح، والإبداع في الوسائل، والتجديد في المقاربة، لأن تغيير النموذج الحالي لا يمكن أن يتم دون وضع آليات للتقريب بين مختلف الفئات. فالمجتمع المتضامن هو ذلك الذي يعتبر فيه كل مواطن نفسه مسؤولا عن دعم ومساندة الآخر، في إطار التزامات وواجبات اتجاه الوطن والمواطنين. وفي هذا الصدد، تفرض علينا التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشتها وتعيشها بلادنا المزيد من اليقظة والاستيعاب الجيد لانتظارات المغاربة داخل المغرب وخارجه. ويتعين علينا درء مخاطر إهمال التطلعات نحو منظومة سياسية ومؤسساتية ضامنة لحقوق وكرامة المواطن عبر توطيد مقومات دولة الحق والقانون وإعطاء مضمون ملموس لخصوصية النظام السياسي المغربي بوصفه ملكية ديمقراطية واجتماعية.

تصور الاتحاد الاشتراكي للنموذج التنموي الجديد:

وعلى هذا الأساس، وانسجاما مع مبادئ الاشتراكية الديمقراطية، تتعلق المحددات الكبرى المؤطرة للنموذج التنموي البديل والناجع بالجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي. الأمر الذي يستلزم تأسيس النموذج الجديد على دعامتين متلازمتين: نمو اقتصادي مطرد وتنمية اجتماعية مستدامة، أي مضاعفة الجهود من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية موازاة مع تحسين الوضع الاجتماعي للمواطن ودعم قدرته الشرائية. ولن يتأتى ذلك إلا بالموازنة بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، أي ببلورة تعاقد اقتصادي ذي بعد اجتماعي بجيل جديد من الإصلاحات كما أكد على ذلك حزبنا في مؤتمره الوطني العاشر. وبإمكان هذا النوع من التعاقد أن يخلق الشروط الملائمة لتعزيز القدرات والكفاءات الوطنية وإرساء الآليات الضرورية لضمان تناسقية البرامج القطاعية والتقائية السياسات العمومية، مع تكريس التنمية ذات البعدين الجهوي والمحلي ومنح موقع رائد للمرأة والشباب.
إن التصور الذي نقترحه لإرساء نموذج تنموي جديد، من موقعنا كحزب تقدمي حداثي ينتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة والمساواة والتضامن، يقوم على خمسة مرتكزات أساسية نراها ضرورية لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية وإحداث التحولات الحاسمة في أفق مغرب 2040. وتتحدد هذه المرتكزات في: المرتكز المؤسساتي، والمرتكز الاقتصادي، والمرتكز الاجتماعي، والمرتكز المجتمعي، والمرتكز الثقافي.

أولا، المرتكز المؤسساتي:

إن المرتكز المؤسساتي سيمكن من تقوية دور المؤسسات لإسناد النموذج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تطمح إلى تطويره بلادنا في إطار المقتضيات الدستورية ودولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات.
وفي هذا الصدد، لا بد من العمل على تجاوز الأزمة المزمنة للمنظومة التمثيلية، وخاصة السلبيات التي أفرزها نمط الاقتراع اللائحي لأزيد من 15 سنة مما ساهم في ضعف أداء المؤسسات المنتخبة واستفحال الفساد الانتخابي باستعمال المال أو الإحسان المقيت. الأمر الذي يتطلب إصلاحات قوية من أجل تمثيلية سياسية حقيقية في كل الهيئات المنتخبة، الوطنية والجهوية والمحلية، ما دامت بلادنا قد اختارت طريق الديمقراطية في تدبير شؤونها العامة. ولذلك، آن الأوان للقيام بمراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية بما يسهم في تجديد النخب السياسية وترسيخ تمثيلية القرب إذ نؤكد أن الاقتراع الفردي من شأنه أن يكرس التواصل المستمر والجاد بين المنتخبين والمواطنين. ومن شأن هذه المراجعة أن تفرز تمثيليات ذات مصداقية ونخب كفأة ونزيهة ويمكن من الرفع من نوعية الأداء في مختلف الهيئات المنتخبة بما ينعكس إيجابيا على جودة ونجاعة التدبير العمومي. كما ينبغي تمكين الفاعل السياسي من الآليات الضرورية لتطوير أدائه التأطيري، خاصة وأن المجتمع السياسي لم تتح له نفس الإمكانيات التي أتيحت للمجتمع المدني، ومع ذلك يقوم بأدواره التعبوية الكاملة والمؤثرة. ولا نعتقد إطلاقا أن التغيير الضروري للواقع الحالي من أجل بناء نموذج تنموي جديد يمكن أن يتم دون إصلاح المنظومة الانتخابية التي تعتبر بحق المدخل السياسي لتوفير شروط إنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
كما أننا مطالبون بالاستثمار الإيجابي للدينامية السياسية الجديدة التي عرفتها بلادنا، خاصة مع إقرار دستور 2011 وما تضمنه من مقتضيات هامة لتطوير البناء السياسي وتقوية المنظومة المؤسساتية وتعزيز الحكامة العمومية. وهو ما يقتضي منا جميعا الحرص على تفعيل هذه المقتضيات بما يرسخ مقومات الدولة القوية العادلة ويكرس قيم المجتمع الحداثي المتضامن، والعمل بمسؤولية على معالجة بعض الجوانب غير الملائمة التي تكون قد اعترت بعض الممارسات السياسية.
إن الغاية من ذلك العمل على توسيع مجال تقاسم السلط بين مراكز الدولة والمجالات الترابية اللامركزية، والممارسة الفعلية للحرية والعدالة، وتعبئة الطاقات والوسائل اللازمة لتعميم الخدمات العمومية، وصيانة التعدد الثقافي واللغوي في إطار وحدة الهوية الوطنية.
كما يقتضي الأمر العمل على التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية خدمة للمواطن والقانون والتنمية بالمعنى الذي أكد عليه جلالة الملك،  في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة بتاريخ 2 أبريل 2018، من «أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي.».
وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري الحرص على التفعيل الجيد للجهوية واللاتمركز، وتحديث الإدارة العمومية بغية تعميم وتحسين الخدمات الأساسية لفائدة المواطن والمقاولة، ومباشرة الإصلاح المؤسساتي الهادف إلى التجميع والتكاملية، خاصة في المجال الاجتماعي وقضايا الشباب والهجرة والتنمية، وغيرها من التدابير المعززة للفعالية المؤسساتية التي تعد ضروريا لإسناد أي نموذج تنموي ناجع.
إن البناء السياسي والمؤسساتي الصلب ضروري لتطوير البنية الاقتصادية وضمان ديناميتها بطريقة عقلانية تسفر عن إمكانيات هائلة لإنتاج الثروة ودعم تنافسية البلاد، وتسخير النمو الاقتصادي لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين.

ثانيا، المرتكز الاقتصادي:

يتعلق المرتكز الاقتصادي باسترجاع المبادرة الوطنية في مجال التدبير المالي والاقتصادي، خاصة وأن بلادنا اليوم في حاجة إلى صياغة نمط من التنمية لا يراهن فقط على العوامل الخارجية والعولمة، ولكن البلاد في حاجة إلى نمط تنمية يحرك قوى الإنتاج الوطنية ويقوي القدرة الشرائية من أجل تنمية السوق الداخلية. يتعلق الأمر بنمط اقتصادي يفتح إمكانيات جديدة أمام ولوج الشركات الصغرى والمتوسطة لمصادر التمويل، مع ضرورة الابتكار في مجال أدوات التمويل. ولذلك، لا بد من إصلاحات جريئة لجعل الاقتصاد والاستثمارات في خدمة الإنتاج والتصنيع، ووضع إمكانيات جديدة ومبتكرة أمام ولوج الشركات الصغرى والمتوسطة لمصادر التمويل، مع التوجه نحو الاستثمارات المنتجة لمناصب الشغل من أجل خلق حركية اقتصادية قادرة على الدفع بمسار التنمية إلى الأمام.
ومن أجل تحقيق التطور الاقتصادي ذي الأثر الاجتماعي البارز، ينبغي العمل على الرفع من وتيرة النمو بشكل ملحوظ إلى مستويات تتجاوز عتبة 6 أو 6,5 ٪ بحلول سنة 2025، وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات الوطنية، وزيادة حجم الصادرات. ويتعين وضع سياسة مالية ونقدية ناجعة بهدف تقوية الاستثمار العمومي الناجع وتوزيعه بشكل منصف بين الجهات وتدبير أفضل للدين العمومي. كما ينبغي التقدم في مجال تحسين مناخ الأعمال، وتنسيق السياسات القطاعية، مع استكشاف إمكانات جديدة للنمو عبر اقتحام قطاعات أخرى واعدة.
إن الإقلاع الاقتصادي الحقيقي يتطلب عدم التمادي في السياسة النقدية والمصرفية المالية، قد يؤدي إلى مزيد من عوامل الإفلاس المقاولاتي، وبالتالي من فقدان مناصب الشغل، مع ما يترتب عن ذلك من تقهقر للمستوى المعيشي للأسر المغربية، وتفاقم عجز صناديق الاحتياط الاجتماعي بسبب تراجع نسبة التشغيل. كما أنه لن يتم إلا من خلال الحد من المضاربات والاحتكارات ومصالح الريع، مما يستوجب الإقدام على تغيير شامل في مناخ الاستثمار، وتسهيل عمل المقاولات الصغرى والمتوسطة، والإدماج التدريجي للقطاع غير المهيكل، وتقوية الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص.
ومن هذا المنطلق، فإن الاتحاد الاشتراكي يرى من الضروري إحداث تغييرات جذرية في العديد من المجالات، مثل سن نظام ضريبي جديد أكثر إنصافا وتوازنا، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، بتحفيزات ملموسة وحقيقية، ووضع حد لجشع المضاربين والمحتكرين وللربح اللامشروع والمنافسة غير الشريفة، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها إحداث تغيير فعلي في كل ما يتعلق بالمقتضيات الضريبية والمالية والاستثمارات.
وعلاوة على ذلك، من الضروري إرساء منظومة اقتصادية تدعم الآليات الاجتماعية الرامية إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وإنصاف الفئات الفقيرة والمتوسطة، فتوزيع الثروة لا يمكن أن يتم في ظل الأنظمة المالية والضريبية السائدة لحد الآن، والتي تخدم، بصفة عامة، نفس الفئات المحظوظة، لكنها تظل منغلقة على باقي الفئات، بما فيها الفئات المتوسطة، التي تعاني بدورها من صعوبات في حياتها اليومية. فلا جدوى من أية سياسة اقتصادية ومالية إذا لم تستطع الإسهام الفعلي في حل المعضلات الاجتماعية وتكريس التماسك المجتمعي عبر تحقيق مبادئ العدالة والتضامن وتكافؤ الفرص للجميع.
إن الدينامية الاقتصادية والمالية القوية والمتواصلة أساسية في تعزيز الإمكانات الذاتية لإنتاج الثروة الوطنية وتوجيه الفوائد والعائدات نحو المجالات الاجتماعية الأكثر حيوية في خلق المناخ الملائم والمحفز على مشاركة الجميع في إرساء النموذج التنموي الجديد.

ثالثا، المرتكز الاجتماعي:

يتعلق المرتكز الاجتماعي بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بالشغل والتعليم والصحة، والتي أصبحت الهاجس الرئيسي، خاصة بعد التراكمات المهمة التي حققها المغرب على صعيد الحقوق السياسية والمدنية.
فمن الأولويات، على هذا المستوى، منظومة التربية التي تعاني من اختلالات بنيوية، تبرز خاصة في الانقطاع المدرسي الذي يهدد بالارتداد إلى الأمية، وفي تدني جودة المنتوج التعليمي، مما يتطلب إصلاحا عميقا يمر عبر الالتزام النزيه باستثمار التراكمات الايجابية والترفع عن التسييس الضيق للقضايا التربوية والتكوينية. ومن المستعجل القطع مع الانتظارية والتحلي بالجرأة اللازمة لإصلاح المنظومة التربوية في شموليتها بما يمكن من تعبئة الطاقات والوسائل المالية والفكرية والموارد البشرية من أجل منظومة تعليمية لا طبقية حديثة ومتناسقة مع متطلبات التنمية.
إننا نعتبر أن مجانية التعليم حق للشعب المغربي والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع، ونشدد على ضرورة توفير العدالة الاجتماعية واللغوية لكافة فئات الشعب المغربي، إذ لا يعقل أن نوفر لأقلية محظوظة الولوج للعلم والمعرفة المتقدمة والإلمام باللغات الأجنبية، ونرهن مصير أغلبية أبناء الشعب في تعليم تقليدي، غير منفتح على اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم. إن محو الفوارق الطبقية وإرساء نموذج تنموي عادل ومنصف، يمر عبر تكافؤ الفرص في التعليم لتمكين كل أبناء الشعب من الحصول على أدوات المعرفة ذاتها وبنفس الطريقة والوسيلة، مع اعتماد برامج ومناهج لتملك أدوات الفكر العقلاني والنقدي.
وينبغي التأكيد، في هذا الصدد، أن المقتضيات الدستورية قد حسمت في العديد من القضايا الشائكة كالهوية الوطنية واللغات والحقوق الواجبات، وهو ما يدفع نحو تمتيع المنظومة الوطنية للتربية والتكوين بقانون إطار أو بمدونة قانونية تحدد التوجهات الكبرى  والخيارات الاستراتيجية التي من شأنها تأطير السياسات التعليمية، وتحديد وظيفة المدرسة والجامعة، ودورهما في تعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وبنفس القدر من الأهمية، نؤكد على الأهمية القصوى لإصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية وتوسيعها وتطويرها. ولنكن واضحين: في ظل ما يشهده المغرب من أوراش اقتصادية مهيكلة ومشاريع قطاعية كبرى تعكس توجها استراتيجيا طموحا، لا يستقيم العمل على المستوى الاجتماعي بمنظور ظرفي يحكمه منطق المساعدات الاجتماعية والتدخل الإحساني الذي لن يزيد إلا في تفاقم مظاهر الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. ومع اعتبار المجهود المبذول اليوم، أصبح من الضروري أن تشمل المقاربة الاستراتيجية المجال الاجتماعي، كما تشمل المجال الاقتصادي والتوجه نحو اعتماد حماية اجتماعية منصفة، موسعة ودائمة.
من جهة أخرى، من الضروري، بل من المستعجل اتخاذ المبادرات الجريئة لإحداث مناصب الشغل التي تعد مدخلا لا محيد عنه لكسب المعركة ضد الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وذلك عبر وضع تصور استراتيجي للسياسات العمومية المتعلقة التشغيل بما يضمن التناسق بين التنمية الاقتصادية وتأهيل المقاولة الوطنية وتشجيع الاستثمار من جهة، والإصلاح التربوي والتكويني والمؤسساتي والقانوني من جهة أخرى.
وعلاوة على ذلك، لا بد من معالجة اختلالات المنظومة الصحية بتوفير خدمات صحية جيدة وفي متناول الجميع عبر إقرار نظام شامل للمساعدة الطبية يقوم على الإنصاف والعدالة الترابية. فالاتحاد الاشتراكي يرى ضرورة اعتماد تصور شمولي في معالجة المجال الصحي لا يقوم على النموذج الطبي ذي التوجه الباثولوجي والعلاجي المحض، بل يتأسس على نموذج متماسك للصحة الاجتماعية لا يقتصر فقط على الصحة البدنية ويروم إعادة توزيع النفقات العمومية لصالح الخدمات الاجتماعية، وخاصة الخدمات الصحية. وهو ما سيمكن النموذج التنموي الجديد من تثبيت حق جميع المواطنين في الصحة والاستفادة من وسائل الوقاية و التطبيب والعلاج وفق مبادئ المساواة والعدالة والإنصاف والتضامن.
إن تقوية الأداء الاجتماعي مدخل جوهري لتحسين ظروف المعيشة بالنسبة للمواطنات والمواطنين ولضمان الأمن الاجتماعي الذي من شأنه أن يسهم في تعزيز التماسك المجتمعي وترسيخ التضامن بين مختلف فئات المجتمع.

رابعا، المرتكز المجتمعي:

يشكل المرتكز المجتمعي عاملا حاسما في عملية التحديث والتقدم ويجعل المشروع التنموي القائم على مقاربة النوع خطوة إضافية في طريق النهوض الفعلي بأوضاع النساء وضمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية. وينبغي للمشروع التنموي أيضا أن يتمتع بالآليات الإدماجية الضرورية الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة والمسنين وغيرهم من الفئات المجتمعية، بما يجسد قيم الإنصاف والمساواة والتضامن.
إن المشروع الذي يطمح إليه المغرب المعاصر ومغرب الغد، من وجهة نظرنا السياسية، يتمثل في إقامة مجتمع ديمقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة الفاعلة في إرساء النموذج التنموي الجديد. وهو ما يقتضي ترسيخ منظومة متماسكة أساسها المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية من أجل محاربة الإقصاء والتهميش وضمان الإشراك الفعلي لمختلف الفئات الاجتماعية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن الاتحاد الاشتراكي يؤكد على ضرورة التأويل المنفتح والحداثي للمقتضيات والقوانين المؤطرة لمجتمع المساواة والمناصفة وتكافؤ فرص بوصفه الإطار المجتمعي المتسع للجميع والضامن لكرامة بناته وأبنائه. وينبغي، في هذا الصدد، تعزيز المسار الذي اختاره المغرب حيث استطاع، خلال العقدين الأخيرين، أن يجعل من قضايا النهوض بأوضاع النساء جزء لا يتجزأ من المشروع المجتمعي الشامل المتعلق بالإصلاح والمصالحة حيث تحققت مجموعة من المكتسبات الهامة التي بوأت المرأة مكانة متميزة في الفضاء العمومي. وقد تم تتويج هذا المسار النضالي باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية، وخاصة الفصل 19، إذ تم التنصيص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات.
وعليه، ليس من حل إلا أن نعيش زماننا وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من المرأة التي ينبغي أن تتبوأ قائمة الأولويات في النموذج التنموي الجديد لكونها – كما أثبتت تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة – فاعل محوري في البناء الديمقراطي وطرف أساسي في معادلات التنمية ورقي المجتمع. ولذلك، لا بد من تضمين النموذج التنموي كافة الآليات الكفيلة بتحسين وضعية المرأة في كل المجالات من خلال ضمان حقوقها الحيوية في التعليم والصحة والشغل والمواطنة والمشاركة السياسية والثقافية.
وعلى نفس القدر من الأهمية، ينبغي وضع تصور استراتيجي تستهدف تحسين وضعية الأطفال في مختلف الفضاءات المحتضنة لهم (الأسر، المؤسسات التعليمية، الفضاءات العمومية، المجتمعات المحلية، …) ومحاربة مظاهر الهشاشة عبر سياسة متوازنة قائمة على العدالة الترابية والاجتماعية. فالسياسات العمومية الموجهة للنهوض بأوضاع الطفولة أساس التخطيط المستقبلي الصلب الذي يهدف إلى بناء مجتمعات قوية ومتماسكة وإعداد جيل صاعد مستعد لتحمل المسؤوليات وقادر على رفع مختلف التحديات التنموية.
ويتعين أيضا التقدم في تفعيل المقتضيات الدستورية التي حددت الأدوار والوظائف والآليات التي تمكن الشباب من الحقوق الأساسية وتحفيزه على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والمدنية. ومن المفيد، في تدعيم النموذج الجديد، الرفع من الاستثمار المادي والمعنوي في الشباب وتحسين الظروف المحيطة به للتمكن من تكثيف إسهاماته السياسية والاقتصادية في تحقيق التنمية الاجتماعية والبشرية.
وعلاوة على ذلك، يعتبر حزبنا أن الإقلاع التنموي رهين بمدى جدية السياسة الإدماجية لمختلف الفئات المجتمعية، خاصة على مستوى فئتين أساسيتين:
الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يتوفرون على مؤهلات مهمة للمشاركة في الإقلاع التنموي، وتفرض حالتهم اعتماد منهجية تمكن من الانتقال من المنظور التكافلي المحض إلى المعالجة التشاركية ذات البعد الحقوقي التي تسمح لكل شخص منهم بالاندماج بشكل كلي في المجتمع ؛
الأشخاص المسنون الذين ساهموا في بناء الاقتصاد الوطني والتنمية المجتمعية لبلادنا، والذين سيشكلون قاعدة مهمة لكون التحولات الديمغرافية تذهب بمجتمعنا في العقود المقبلة، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، نحو توسيع قاعدة الشيخوخة.
إن التماسك المجتمعي شرط أساسي لإرساء نموذج تنموي جديد يقوم على الاندماج الاجتماعي وتعبئة مختلف الطاقات الوطنية في أفق بلوغ أهداف التنمية الشاملة والمستدامة كما حددها المنتظم الدولي. ومن أجل كسب الرهانات التنموية في بعديها الاقتصادي والاجتماعي، ينبغي على بلادنا – الفاعل التاريخي الرائد، الصديق للبيئة ومصالحها – اعتماد سياسة بيئية مندمجة ومتعددة الأبعاد بهدف تحسين التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتقوية النظام البيئي والمحافظة على المكون الطبيعي في إطار من التنوع والتوازن.

خامسا، المرتكز الثقافي:

يعتبر المرتكز الثقافي عنصرا رئيسيا لدعم الديمقراطية والتنمية على اعتبار أن الثقافة ليست شأنا ثقافيا، بل آليات سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق لجعل بلادنا قادرة على التحديث والتقدم. ولذلك، من المهم، في النموذج التنموي الجديد، المحافظة على التعدد والتنوع في إطار وحدة الهوية الوطنية وفسح المجال أمام مساهمة أقوى وأنجع للتعبيرات واللغات المحلية في الثقافة الوطنية. ويؤكد حزبنا، في هذا الصدد، على ضرورة وضع إطار ثقافي شامل كفيل بتحصين الذات الوطنية في تفاعلها المثمر مع الحضارات الإنسانية المختلفة عبر خلق دينامية مجتمعية رافضة للتفكير المنغلق والعدمي ومنتصرة للفكر المبدع والنقدي.
وعلى هذا الأساس، يشدد الاتحاد الاشتراكي، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية، على البعد الديمقراطي والحداثي للثقافة الذي يستلزم التفعيل الجيد للمقتضيات الدستورية المتعلقة باحترام مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة وحرية الرأي والتعبير. ومن ثمة، من الضروري خلق دينامية مجتمعية قوية رافضة لكل أشكال الاستلاب المحافظ والتفكير العدمي، وقادرة على إفراز قطب ثقافي جديد يسهم في تعزيز الإبداع الحر وثقافة الاختلاف وروح التعايش والانفتاح على الآخر.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى حزبنا ضرورة ترسيخ تصور متكامل ومنسجم حول تدبير مختلف الأشكال اللغوية والأنماط اللسانية وفق مقاربة تستند إلى المعطيات التقنية والمحددات الوظيفية والامتدادات البيئية لضمان مشاركة الجميع في مجهودات التنمية. ولذلك، لا بد من العمل على تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت ترسيخ مختلف الأبعاد المؤسساتية والعلمية والاقتصادية والمجالية في التدبير اللغوي ليكون تدبيرا معقلنا، عادلا ومنصفا.
إن توفير الشرط الثقافي للإقلاع التنموي يستدعي ترسيخ التنشئة الاجتماعية المنفتحة والإبداع الفني وإشاعة المبادئ الحقوقية ذات البعد الكوني وتعميم قيم التعايش والحوار العقلاني.
ويستدعي أيضا الانخراط الجماعي التلقائي في مختلف المبادرات الملكية المتعلقة بإصلاح الشأن الديني والتي كان لها أثر بالغ على مستوى الـتأهيل والتأطير من خلال التوجيه المعقلن الواجب دعمه وتقويته. كما يتطلب النهوض بالإعلام العمومي وإشراك المجتمع المدني ووسائط التواصل في إرساء النموذج التنموي الجديد من خلال تعبئة الرأي العام ودفع المواطنات والمواطنين إلى الالتفاف حول أهداف التنمية الاجتماعية والبشرية.

المحافظة على الاستقرار والأمن لتحصين الإقلاع التنموي:

لا بد من التأكيد في الأخير على أن تصورنا للنموذج التنموي الجديد يتطلب منا أن نستحضر مختلف التحديات الرقمية والديمغرافية والبيئية والأمنية، وأن نأخذ بعين الاعتبار تداعيات المشاكل المزمنة الراهنة من قبيل المخدرات والجريمة والهجرة غير الشرعية والإرهاب والتطرف. ولذلك، فالنموذج التنموي الذي نطمح إليه جميعا لن يتحقق مدلوله الكامل إلا بالحفاظ على الأمن والاستقرار الذي تنعم به بلادنا التي أصبحت تشكل نموذجا متميزا للدولة الآمنة المتوجهة بثبات نحو غد أفضل.
ولذلك، نحن مدعوون جميعا إلى تأمين استقرارنا والدفاع على مصالحنا الوطنية، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية والتشبث بالموقف الوطني المتمثل في مشروع الحكم الذاتي، وضرورة التقدم في البناء المغاربي ومواصلة تعزيز الشراكة المغربية الإفريقية، خدمة لمصالح الشعوب في تحقيق التعاون والعمل المشترك لمضاعفة مجهودات التنمية.
إنه في ظل الأمن والاستقرار ورعاية المصالح العليا للبلاد، يمكن للمغرب تعبئة الطاقات الجماعية لتكريس المسار الذي لا رجعة فيه للتقدم والتحديث وإعلاء قيم النزاهة والكفاءة والمسؤولية.
ومما لا شك فيه أننا اليوم بصدد التشييد لمنعطف تاريخي في مسيرة بلادنا من خلال وضع نموذج تنموي بديل سيمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة الإنسانية وترسيخ قيم المساواة والإنصاف والتضامن.


الكاتب : ‮الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 03/01/2020