الشاعر عبد العالي دمياني يحتمي بـ «سدرة الهباء»

بعد ديوانه الأول» للريح أسماء أخرى»، يعود الشاعر والإعلامي عبد العالي دمياني إلى قرائه بديوان مثقل بالفراغ، ضاج بالعدم، اختار له من العناوين «سدرة الهباء».
عنوان يحضر فيه الفراغ ممتلئا وآهلا بالكثير الشعري، ويغدو معه الهباء أو «اللاشيء» هو الشاعر نفسه، المهموم بتصريف دوائر العدم التي تلف عنقه في مفازات المجاز،حيث لا يتدفأ الشعر الحقيقي إلا في أعشاش الصمت ومتاهات الرحيل في دروب اللايقين، ولا يستعيد براءته إلا وهو يحتفي بالهباء والفراغ في حضرة النهايات.
ديوان منسوج على نول الضياع والعدم، مدوزن على إيقاع الفقد والحزن وتباريح الذات، فيه نرى بقايا الحزن القديم على وجه مُقعَد كسيح… نلمح الليل الأشيب يستحم في قطرة ضوء.. نرى النهر ونُضيِّعُ النبع.

حامل الريشة

لا شُغْل له
إلا تنقيح الصمت
على إيقاع البراكين
الثائرة
داخلَه

رافعُ سقالةِ اليأس
أعلى من نفير
ملاك الحرب

صاحب الفأس
المُلمّعةِ
بإهاب الليل

الساهر على كانون
الأيام المجردة
من أي مجد

قيّافُ اللُّمَعِ
في مكامن اللامعنى

الشاردُ
خلف قافية المجهول
المضَيِّعُ كلَّ أثرٍ

جرْس الأخرس
على الموجة الصفر
صائغ اللاشيء
من رقصة ريح
في جُبٍّ

ذو الوجه المجنح
كاسفِ المرايا
صقالة الأقنعة

حامل الريشة
عن محارب المايا
الأخير

المُستئذِبُ
حين يزحف الخريف
على أشلاء المدينة
سِرُّهُ هناكَ
يرن في قفلٍ
يثقل كاهلَه..

صباح أعمى

لا تنقصه القِيافة
لسبر الدُّكْنة
في غيمة الروح
له رطانةُ الأشياء
حين يغشاها
سعارُ النمل

له نفيره
ضوءٌ يصرخ
في خلوةِ الجسد
كرجْعِ جرحٍ بعيد
يأتيكَ
مُهَجَّجا بأجراس
صمتاء

يُعْوِل في دمكَ
كقطار ليل
يسافر ولا يصل

يزحف
على كفِّكَ
كشحاذ
يتسول سبيلَهُ
بين السابلة
يَقْرَعُ أقفالَهُ
في وجهكَ
كسجّانٍ

يترككَ
على حافة الريح
وحدَكَ
كالكسيح
تلْعقُ روحَكَ.

نبع بعيد

هذا الطريقُ أعرفه
والشّامةُ
على خَصْرِ الغزال

هنا
سَفحتُ أغنيتي
على مطهر السرّة
وَلُذْتُ بِظلِّ الغمامة

هنا
نكَّسْتُ ألويتي
حتى غمغم ماء
في عتمة الخِباءِ
فاض حليب الليل
شعشع نجم
في حمحمة العناق
وارتَوَتْ خيلي
من رضاب الفجر

هنا
تعلمتُ أسماء الوردة
على ألف وترٍ
وبكاءٍ
تهجَّيْت مسودة الحرير
جرحا
جرحا
جربت حنجرتي
على مُدية الريح
هنا..
عرفت طريق الناي إلى النبع البعيد.


بتاريخ : 19/04/2024