العالم فى حاجة لتغيير المسار من أجل وضعية إنسانية حضارية جديدة

مسؤولية التأسيس لمستقبل متقدم

قبل ثلاثة شهور، احتفينا بمئوية الفيلسوف الفرنسي المعاصر «إدغار موران» (1921- )، وحاولنا أن نلقي الضوء على أهمية هذا الفيلسوف الذي عاش فترة زمنية ممتدة – قرنا وربع القرن تقريبًا – شهدت تحولات فكرية وعلمية مطردة وغير مسبوقة، وأحداثا جللا، وشخصيات صنعت التاريخ المعاصر، وأفكارا متنوعة، حيث ساهم كل ذلك ـ مجتمعا ـ فى أن يبلور «إدغار موران» رؤية مركبة تتسم بما يلي:
أولا: إسقاط الحدود بين الفكر والواقع، ثانيا: إسقاط الحواجز ـ الاصطناعية ـ بين الحقول المعرفية، ثالثا: تمكنه التام من كل من تطورات العلم الطبيعى التي جرت في القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، كذلك جديد الأفكار الفلسفية التى عبر عنها بالمدارس والعقول الفلسفية خلال نفس الفترة، ما جعل إدغار موران يمتلك فكرا مركبا ونظرة شاملة للإنسان والمجتمع والحياة، يوظفها من أجل استشراف مستقبل البشرية والعالم، ما تجلى في كثير من كتبه التى تُرجم منها الكثير إلى اللغة العربية: «المنهج، وإلى أين يسير العالم؟، ونحو سياسة حضارية، وثقافة أوروبا وبربريتها.. إلخ».. وكلها عُنيت بالاجتهاد فى سبيل الأزمات الإنسانية/ الكوكبية الراهنة والتأسيس لمستقبل أكثر تقدما.. وهو أمر لن يتاح ما لم نسلك مسارا جديدا.

نحو مسار جديد لحماية الكوكب وأنسنة المجتمع

بالرغم من سنوات عمره المائة ، إلا أنه حرص على أن يكتب سيرته الذاتية قبل عامين بعنوان: «لقاء مع الذكريات»، الذي أعقبه مباشرة بكتاب صدر العام الماضى (وهو في عمر الـ 99) بعنوان: «لنغير السبيل» (2020).. وفي نفس اليوم الذي طالعت فيه عرضا للكتاب بمجلة الدوحة (عدد سبتمبر وأكتوبر 2021) وقعت في يدي مصادفة ترجمة لكتابه الذي صدر قبل 10 سنوات وصدرت ترجمته العربية في 2019 المعنون بـ «السبيل: لأجل مستقبل البشرية» (ترجمة وتقديم وتعليق بشير البعزاوى – 445 صفحة ـ منشورات الجمل).. وفي كتابيه: «السبيل»، و»دعوته لتغيير السبيل»؛ نجد موران يرصد ما يعتري الكوكب من أزمات متنوعة فى كل المجالات: البيئة، الاقتصاد، الديمُوجرافية، السياسة.. إلخ.
وفى المقابل لا يخلو الكوكب في شتى جهاته من «أشكال غليان خلاقة تلتمس التجديد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو المعرفي أو التربوي أو الجمالي أو الوجودي.. ولكن كل ما كان يُفترض فيه أن يكون مترابطا ظل مشتتا ومنفصلا ومجزأً».. وإن ظلت البشرية تسير في طريقها دون أن تعلم قدراتها الكامنة، وتعيد صياغتها صياغة تضامنية بتكاتف الجميع بما لديهم من تصورات خلاقة وطاقات كامنة بهدف اكتشاف سبل ومسارات جديدة تُنقذ البشرية/ الكوكب من المصير الانحطاطى الشامل في ظل المسار/ السبيل الذي تسير فيه الآن، والذي لم ينتج إلا الأزمات والكوارث.. ومن ثم- خاصة مع تفاقم الأزمات المناخية والبيولوجية والاقتصادية في العالم- يقول موران:
«حان الوقت لتغيير السبيل (الطريق/ المسار) من أجل حماية الكوكب وأنسنة المجتمع».. يدعو «موران» لتغيير المسار وفي ذهنه «تقلبات عديدة عاصرها»، حسب العبارة التى أوردها في توطئة كتابه الأحدث والتى تقول: «مائة عام من التقلبات».. وقد شهد كيف أنه مع كثير من ذُرُوات الاحتدام التي واجهتها البشرية كانت هناك سبل جديدة تطرقها البشرية.
فكل «شىء يبدأ بمبادرة، بابتكار، برسالة جديدة..». ولا بأس من تعدد المبادرات والابتكارات والرسائل، ذلك لأنه من مجموع التفاعل بين كل ما سبق يتضح المسار الإنساني التاريخي الجديد الذى يجب أن تسلكه البشرية.

مسار حضاري إنساني جديد

إلا أن نجاح المسار الإنساني التاريخي الجديد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتضامن الكوكبى القائم على وحدة المصير الإنساني. ذلك لأن حياتنا مشروطة بحياة الكوكب.. وإذا ما نجحت البشرية في اكتشاف مسارها الجديد، فسيكون ذلك «الحدث الرئيسي للقرن الحادي والعشرين»، شريطة أن يكون مسارًا شاملًا «يُحدث تغييرات جذرية فى كل مناحي الحياة من حيث: التصورات والسياسات والمؤسسات وتمكين الأفراد لمواكبة المسار الجديد.. خاصة أن الجائحة الفيروسية (إضافة للأزمتين المناخية والاقتصادية..) قد وضعت البشرية أمام أزمة عكست غيبة التضامن العالمي و(الانغلاق الأناني للدول على نفسها)؛ ما كشف خطأ المسار الذي نسير فيه.. ومن ثم ضرورة تصويب المسار نحو وضعية إنسانية حضارية جديدة».


الكاتب : سمير مرقص

  

بتاريخ : 05/10/2021