الكاتبة والأكاديمية لطيفة لبصير: الأدب هو أكبر تأمل يمكن أن يحدث في زمن الوباء

 

لطيفة لبصير، القادمة من شعاب المعرفة الأكاديمية، ومن تفاصيل الحياة اليومية للعاصمة الاقتصادية، راكمت ما يكفي من التجربة التي جعلتها كاتبة بكل المقاييس، وهو ما أهلها كي تتعاطى مع مجال الكتابة برؤية متفردة قوامها البحث عن آفاق مغايرة في التعاطي مع الكلمات والأشياء .
هذه الآفاق المغايرة في الإبداع والبحث العلمي، هي التي أهلت صاحبة كتاب « الجنس الملتبس/ السيرة الذاتية النسائية « الصادر عام 2018 ، كي يتم اختيارها مؤخرا ضمن برنامج «قصة نجاح success story» امرأة قيادية، في إطار توأمة، تجمع بين جامعة الحسن الثاني كلية الآداب بنمسيك الدار البيضاء وجامعة كينساو الامريكية.
صدر لهذه الكاتبة التي تجاوز صدى هواجسها الإبداعية وتجربتها البحثية، حدود الوطن، مؤخرا مجموعة قصصية، تحت عنوان « كوفيد الصغير»، وهي بذلك تلتقط بعض اللحظات التي طبعت زمن الجائحة، كي تعيد نسجها إبداعيا، فتصيح من المبدعين القلائل الذين وظفوا عوالم كورونا في مجال الكتابة لأدبية .
في هذا الحوار، تتوقف صاحبة المجموعات القصصية «رغبة فقط « الصادرة سنة 2003 ، و» أخاف من.. 2010 ، و» وردة زرقاء « عام 2018 ، عند كيفية تفاعل الإبداع الأدبي مع الفيروس التاجي، بشكل عام، وانطلاقا من تجربتها بشكل خاص .

p الإبداع عامة والقصصي خاصة، ينطلق من رؤى دقيقة للحياة.. ومن لحظات قد لا تخطر على بال العموم…هل اكتملت الصورة حتى يصبح كورونا فعلا موضوعا للإبداع في هذه المرحلة ؟
n في الحقيقة طرح علي هذا السؤال بأشكال متعددة منها .. هل نحن في حاجة إلى مسافة أم لا مما يحدث ؟ وهو سؤال يطرح على الأدب عموما، فهل يعيد الأدب الواقع بتفاصيله كما هو؟ إذا كان الأمر كذلك، فما جدوى الأدب ؟
في الحقيقة الأدب هو أكبر تأمل يمكن أن يحدث في زمن الوباء ، ذلك لأنه لا يمتلك اليقين، ونحن رأينا بأن حتى العلم لا يمتلك الحقيقة الحاسمة بشأن الوباء ، فأمام زخم ما نتلقاه يوميا من طرف العلماء أنفسهم ، نجد أن الإجماع على رأي موحد هو بعيد المنال .
ولذا أنا أرى أن الأدب يلتقط الحالة، بل إن كل ما يحدث يضعه في عالم التخييل والارتباك، ولهذه الأسباب جاءت العديد من القصص منفعلة بما تستشعره في لحظات عصيبة يدفعها إلى أن تعيد بناء تاريخها الشخصي بشكل آخر. فشخصية « مي» في قصة إيماءة، ضمن المجموعة القصصية التي صدرت لي، هي الفتاة التي تعاني من إعاقة جسدية ونفسية، تستيقظ مثل العنقاء كي تصبح هي المعيلة للأسرة التي تتغير أوضاعها النفسية، وكأن ضعف الآخرين منحها طاقة للحياة ، وهذا يدفع إلى التأمل، ذلك أننا عشنا الكثير من المتناقضات في الحياة اليومية في الوباء .
فالموت أصبح مجرد رقم يتم إحصاؤه في كل يوم، لكن الأدب يبني كتابة أخرى ويتأمل في التفاصيل المنسية أيضا والمهملة من الواقع، بل إنه يمكن أن يأخذ ما أهمله الواقع ليكون محورا أساسيا للتأمل .
ويمكن هنا أن أستحضر البطل في قصة لمن تضحك النوارس ؟ ففي هذه القصة يحس البطل حين داهم الوباء العالم أنه عاش حياة رتيبة عادية ، كل ذكرياته فيها أنه يتذكر النوارس التي كان يراها تضحك في طفولته، وأنه عدا هذه الطفولة لم يحدث أي شيء في حياته الخاصة، فيأخذ قرارا بالحصول على تقاعد من العمل لأنه لم يحدث أي تغيير في عمله الروتيني، حياة بأكملها ويبدأ في حياة أخرى أغرب من الأولى.

p كتاب « كوفيد الصغير « من المؤلفات التي خاضت إبداعيا في تشعبات الجائحة..ما هي قيمته المضافة ؟
n « كوفيد الصغير « يلتقط الكثير من الأجواء التي مرت فيها الجائحة بتوثيق أدبي، ولذلك كان ينصت لأنفاس الشخصيات وهي تعيش تجربة الحصار النفسي. فالكثير من الأحداث التاريخية كان لها الأثر، وهذا الأثر يلتقطه الأدب ويستلهمه، لذا أرى أن كوفيد الصغير يدعو إلى التأمل في جدوى الأدب والفلسفة والعلم والانسان بشكل عام، كما أنه يقف عند المرأة العاملة في الحقول ويغوص في أعماقها النفسية التي لا يراها الكثيرون، فشخصياته ليست بخير، لكنها تريد أن تحدث طفرة ما في الحياة وفي العالم .

p بعد كل هذا الجدل عن وباء حير الجميع وقلب كل القيم، هل ننتظر منك مستقبلا كتابا مثلا عن كورونا الكبير أو الشبح؟
n في الحقيقة كوفيد الصغير ليس صغيرا كما يتضمنه هذا الاسم، فأنا منذ اللحظة الأولى التي كتبت فيها هذه القصة، كنت أشعر بأنه كبير جدا وتداعياته لحد الآن مجهولة الأفق، فلا أتصوره صغيرا أبدا .. إنها تسمية يراد بها الضد؛ ففي قصتي «فادارأتم فيها»، نجد الأبناء رفضوا أن يذهبوا لدفن أمهم التي أصابها الوباء، فعانوا من الذنب الذي بدأ يتجسد في أشكال أخرى من الأصوات التي يسمعونها، في حين انتهت الروابط الأخوية بعد دفن الأم، وفي قصتي «كل أشباح العالم» تشعر البطلة أن العالم أصبح كله تحت ثقل الوباء وثقل الأنترنيت بحيث انتهت كل الروابط الإنسانية وأصبحت المشاعر رقمية، حتى بينها وبين ابنها الذي يعيش عالما رقميا كأنه كائن مسحت بصماته، فلا أثر للحياة الإنسانية.
وفي قصة «عزاء» تنتهي البنات اللواتي عشن في حياة المظاهر إلى أن تلك الملابس الفاخرة لا جدوى لها في عزاء لم يحضره أحد، إلى غيرها من النصوص. فكوفيد الصغير ليس صغيرا أبدا، فهو ربما يجعلنا نعيد النظر في الكثير من الأشياء النائمة بداخلنا وهي ستقتلنا أكثر من الوباء نفسه.


الكاتب : عبد اللطيف الجعفري و.م.ع

  

بتاريخ : 16/11/2021

أخبار مرتبطة

  في إحدى ليالي شهر مارس الباردة، تلقت سمر اتصالا غريبا من رقم مجهول على هاتفها، وفور أن أجابت سمعت

السبت/ الأحد: 11- 12 ماي فقرة إصدارات جديدة   – يوم السبت 11 ماي سيتم تقديم كتاب «فكر الترجمة» للكاتب

  «إنّ فكْرةً خاطئةً وواضحةً تكون أَقوَى وَأشَدَّ تأْثيرًا عند الحشودِ مِن فِكْرَة صَحِيحَةٍ ولكنّهَا مُرَكّبةٌ”. توكفيل» انْتشَرتْ فِي السَّنواتِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *