المحامية لطيفة رحو من هيئة وجدة ل ” الاتحاد الاشتراكي “

آن الأوان للحديث عن استقلالية حقيقية لتدبير الشأن المهني وإسناد أمر المهنة لأصحابها

 

o هل هناك نية سياسية حقيقية للنهوض بمهنة المحاماة في إطار الإصلاح الاستراتيجي للعدالة والقضاء؟

n عندما نتحدث عن الإصلاح فإن الجدلية المنطقية تأخذنا بداهة إلى وجود حال غير مستقيم وسوء وضع، وعندما نقول بوجود مخطط استراتيجي لإصلاح العدالة والقضاء فهذا يعني أن هناك خللا ما بكل قوى ومكونات العدالة والمؤثرين بها سواء من قريب أو بعيد، وعليه فإن المحاماة كرسالة نبيلة تمتد جذورها إلى عهد سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كما جاء في سورة طه الآية 25-36 «….واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري…..››. وكطرف فاعل وفعال ضمن هاته القوى والمكونات لا يمكن النهوض بها إلا في ظل عدالة متطورة على جميع المستويات والأصعدة يراعى فيها المبادئ الأساسية التي جاء بها دستور 2011 وكذا المبادئ الدولية المتعارف عليها، والتي تتضمنها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان. وفي ظل منظومة قضائية تضع ضمن أولوياتها الكيف والجودة والسعي إلى الاجتهاد وليس الكم وسرعة البت مع مراعاة حقوق وحريات المواطنين واستقلالية الدفاع بمساهمة كل القوى الفاعلة نحو بناء صرح المسار الديموقراطي للبلاد.
وإن كنا نتحدث سابقا عن استقلال القضاء لتحقيق العدالة فإنه اليوم قد آن الأوان للحديث عن استقلالية حقيقية لتدبير الشأن المهني، وإسناد أمر المهنة لأصحابها بعد التشنجات والاصطدامات التي عرفتها الساحة سواء في محاولة لإخراج قانون المهنة بشكل فرداني أو إغراق المهنة عبر امتحانات سابقة لأوانها في غياب معهد تكوين المحامين المعلن عنه منذ ما يقارب 30 سنة، أو محاولة صياغة قوانين شكلية وموضوعية في المادتين المدنية والزجرية في توجه لضرب مجانية القضاء وإلغاء الدور الريادي للمحامي وسحب الاختصاصات التاريخية التي عهد بها له كفاعل حقوقي سياسي يسعى الى الدفاع عن المواطنين بكل شرائحهم الاجتماعية، وتحقيق المحاكمة العادلة وضمان المؤازرة والمساعدة لكل أفراد المجتمع بدون استثناء، ضمانا لأمن قانوني وقضائي ملموس. ولابد في هذا الصدد من دسترة هاته الاستقلالية وجعلها تشمل كل المجالات، التي يمارس فيها المحامي مهامه المتعلقة بالاستشارة أو الدفاع في ظل حماية حقوقية غير مهددة ووضع ضريبي واجتماعي مريح نسبيا يتوازى في تطوره مع باقي مكونات العدالة .

o تعيش مهنة المحاماة أزمة مركبة، ماهي في تقديرك مداخل الخروج من هذه الأزمة ؟

n إن كنا نتفق في تشخيص وضع المحاماة من كونها تعيش أزمة مركبة فإننا قد نختلف لا محالة في أسباب هذا الوضع بين ماهو سياسي واقتصادي، وماهو مهني واجتماعي، وماهو غير ذلك، في محاولة لتقزيم هدفها ودورها التوجيهي التوعوي الدفاعي عن مكونات المجتمع، ومكانتها الريادية كرسالة سامية تلعب دور الملاك الذي يدق ناقوس الخطر كلما تأزم الوضع الحقوقي العام للبلاد، أو وضع العدالة في جانبه التشريعي، وفي جانب تحقيق الولوج المتبصر للمواطنين أمام العدالة وامام كل المرافق الحيوية حفاظا على حقوقهم في سبيل تحقيق عدالة مرفقية وأمن قضائي ونجاعة، وللخروج من هاته الأزمة، وفق تقديري المتواضع، لابد من التعاطي مع الأمر بمنطق شمولي يبدأ بالوضع الحقوقي لممارسي مهنة المحاماة وصولا إلى أوضاعهم الاجتماعية.
وإجمالا واختصارا لما يجب تفصيله في هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى النقط التالية كمداخل للخروج من هاته الأزمة:
تعزيز حصانة الدفاع إذ لا يتصور أن يمارس المحامي مهامه كمدافع عن الحقوق والحريات وهو مهدد في حريته عما قد يصدر عنه من أقوال أو يصرفه من مواقف في تراجع خطير للوضع الحقوقي وفق ما شهدته الساحة مؤخرا.
التعجيل بشكل لا يقبل التسويف أو المماطلة بإخراج معهد تكوين المحامين إلى حيز التنفيذ كحصانة من نوع آخر في ظل هذا الإغراق الممنهج للمهنة.
دسترة الاستقلالية الكاملة لمهنة المحاماة وتوسيع الحماية الواجبة لها كرسالة سامية.
توسيع اختصاصات المحامي بشكل يضمن تمكين كل المواطنين من حقهم في المؤازرة والمعاضدة والمساندة والاستشارة والدفاع حفاظا عن حقوقهم المشروعة المادية منها والحقوقية مع تمكين المتقاضين، ممن لا يسمح وضعهم الاجتماعي بتنصيب محام، من المساعدة القضائية وفق قانون منظم يضمن حقوق جميع الأطراف.
توفير الحماية الاجتماعية للمحامي عبر دعم الدولة للتعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب، في ظل هذا الإغراق المستمر الذي تنهجه السياسة الحكومية للمهنة في محاولة منها لامتصاص شبح البطالة، الذي يطاردها، وفي ظل التراجع المستمر الذي تعرفه أتعاب المحامي خاصة مع القوانين التي لا تساير التطورات الاقتصادية و المجتمعية كظهير 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير وإشكاية التنفيد المطروح عبر المادة 9 من قانون مالية 2020….وتماشيا مع المادة 31 من دستور 2011 التي تنص على أن ‘’ تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تهيئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة ‘’. مع الإبقاء على هاته التعاضدية مستقلة التسيير في إطار استقلال مهنة المحاماة التي تستمد شرعيتها من المبادئ الحقوقية المنظمة لرسالة المحاماة على الصعيد الكوني.
تحقيق عدالة ضريبية بسن نظام ضريبي يراعي طبيعة المهنة ورسالتها بعيدا نظام عن الأداء المسبق الذي يتعارض مع كل الميادئ الضريبية عبر العالم، والتخلي عن الازدواجية الضريبية والتراجع عن فرض الضريبة على القيمة المضافة التي يفتقر سنها إلى السند القانوني والواقعي لمهنة يمنع فيها ممارسة التجارة بنص القانون، والتي يؤدي فرضها إلى معاملة المواطن كمستهلك عوض منتفع بخدمة مرفق العدالة، واعتبار المحامي كجابي للضرائب.

o ماهي أبرز الخلافات المجتمعية بين مكونات العدالة وعلاقتها بالمجتمع؟ وهل هناك تقدم في المسطرة الجنائية؟

n عندما نتحدث عن العدالة بمفهومها العام فهذا يعني بالضرورة عدم الانحياز والتشارك في صياغة القوانين بعيدا عن الانفرادية والتسلط والتعسف ومحاولة التحكم،والعدالة في مفهومها الأسمى تقوم على ثنائي الحق والأخلاق، وترتكز على العقلانية واحترام القانون الطبيعي وقواعد الإنصاف.
ولذلك فالعلاقة بين مكونات العدالة يجب لزاما أن تعتمد المبادئ المذكورة، وبالتالي يجب التعامل مع مكونات العدالة بمنطق المساواة والتشارك وعدم الانحياز سواء في اتخاذ القرار أو صياغة
القوانين، أو في تنزيل هاته القوانين عبر قالب حقوقي دستوري تراعى فيه المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، كماهي متعارف عليها دوليا وعلى رأسها الحق في الحرية والحق في حرية التعبير والحق في الحماية الاجتماعية والحق في السلامة الجسدية …
وإن حاولنا وزن ما يتم توفيره لكل مكون من مكونات العدالة بميزان المعاملة بالمثل على الأقل سنجد كل الكفات راجحة لطرف دون آخر، سواء عند ميزان الحق والواجب أو عند ميزان الامتياز والمساهمة أو إبان وزن المسؤولية والمحاسبة …وهو ما ينعكس سلبا في معظم الحالات على المجتمع كنتيجة حتمية كونه المستفيد أو المنتفع أو المتضرر وفق الحالات.
وتطور التشريع الجنائي يجب أن يمشي بتدرج من عدالة انتقالية يرجح فيها الإصلاح على الزجر إلى عدالة اجتماعية تسعى إلى اجتثاث الأسباب الاجتماعية المساهمة في تنامي الجريمة. ومن هنا فصياغة القانون الذي نسعى إلى سيادته يجب أن يراعي فيه تعزيز أنظمة العدالة الجنائية . ويتطلب الدقة في صياغته عبر إشراك كل الفاعلين بتجاربهم المتنوعة في محاولة تشخيصية خاصة الفاعلين في ساحة تطبيق هاته القوانين الجنائية سواء في شقها الشكلي أو الموضوعي.
وعليه تبقى المسطرة الجنائية بوضعها الحالي أو المرتقب عبر ماتم اقتراحه عبرمشروع القانون لا ترقى إلى تطلعات تحقيق العدالة الجنائية بين الجاني والضحية في غياب توسيع وسائل الإثبات من جهة وتقديس الحق في الحرية من جهة أخرى، إذ لايزال الاعتقال الاحتياطي يشكل الأصل وليس الاستثناء والنظام الاتهامي غائبا لفائدة النظام التفتيشي التنقيبي ويظهر جليا في الممارسة العملية.
أما عن زواج القاصر فبرأيي هو ظاهرة مجتمعية كرسها الوضع الاجتماعي للأسر المغربية ويغذيه الوضع الأخلاقي وغياب التنشئة الحقوقية والتربية على اتخاذ القرار الفردي، خاصة عند الأنثى. ولا أظن التطور القانوني في هذا الباب سيعطي ثماره في غياب تنشئة وتربية على الحقوق، وفي غياب النهوض بالوضع الاجتماعي وفرض إجبارية التمدرس إضافة إلى تعميم ثقافة تحمل المسؤولية عند الإناث.
ومع ذلك أصبح لزاما على المشرع الاستجابة لمطالب الحركات النسائية باحداث تغييرات جدرية تطال الاستثناءات الواردة على الفصل 19 من مدونة الأسرة وجعل سن الزواج القانوني محددا بصفة مطلقة في 18سنة مع حدف الفصل20 من نفس القانون وتجريم تزويج القاصرات .


الكاتب : حاورها : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 10/06/2023