بجرة قلم ..«نهاية الحكاية»

عشنا لسنوات ونحن نبخس حقوقنا في النجاح… في الوصول، قمعنا أحلامنا المشروعة طويلا وكأنها تشكل خطرا علينا، وضعنا أنفسنا في دائرة لا تسع الأماني وتخوفنا من السير خارجها متأكدين من أننا لن نقدر ولن نستطيع…!
أفكار ومعتقدات التصقت بجيل بأكمله وصاحبته في الحياة، حدت من طموحاته، وضعته في منطقة العجز، وصارت تتوالد مع الاخفاقات المتواصلة وتتكاثر بتكاثر الخيبات، إلى أن عششت في عقولنا وسيطرت على الوعي الجمعي، لتغدو الحكاية جماعية كُتبت بأقدارنا وعشناها نحن بكل إخلاص لما تمليه علينا أنفسنا من رسائل الإحباط والتقييد.
الحكاية والتي تخبطنا داخلها لأعوام ككومبارس موهوب لم تأته فرصة الظهور بعد، انتهت اليوم وقد آن الأوان لإسدال الستار عليها…
اليوم ونحن نتابع مسار المنتخب الوطني المغربي بمونديال قطر وهو يكتب التاريخ، كان يهتز داخلنا بعد كل مبارة انتصار، شعور خامد، ميت أو بالأحرى مقتول…، كنا نجلس أمام الشاشات ونحن لا نصدق مشاهد الفوز، تمتزج في وجوهنا دموع الفرح بالاستغراب ومحاولة الاستيعاب، وكأننا لا نستحق… وكأننا أقل من نحقق…!! والحال أننا لم نُقدر يوما ما نملك من إمكانيات عاشت عيوننا وهي تمجد الآخر وتاريخيه وتقصينا داخلها… قبل أن نُقصى فعليا ونختار الهامش، ليتمدد الفشل وينتشر ويأبى إلا أن يلتصق بنا ويصير شخصيا يكبل أطرافنا ويعيق حركتنا نحو التغيير الإيجابي.
ولا أظنني مخطئة، وأنا أعتقد اليوم أن سلسلة الانجازات والانتصارات التي وقعها الأسود أمام العالم، رَوَت ما مات بدواخلنا، وأحيت ما يسكننا من طاقات خفية، أزاحت الستار بقوة وخفة عن أحلامنا المقتولة والمشروعة ومنحتها عمرا جديدا.
هذه الإنجازات جعلتنا نتخلص من المعتقدات السوداء، ومن خطابات اليأس التي عاشت معنا كثيرا، انتشلتنا من دائرتنا المصغرة إلى عالم أرحب تتراءى لنا فيه انتصاراتنا ونجاحاتنا…
وقد استفقنا أخيرا من سبات وجدنا أنفسنا اليوم فيه دون أن ندرك… ولا ندري كم لبتنا.
انتهى المونديال واستيقظنا نحن،
استيقظنا والثقة تسيطر على كل واحد منا بأن لا شيء مستحيل، وأننا نستطيع، وبأن هاذي السماء الرحبة تسع جميع الأحلام…
استيقظنا وتفتقت نوايانا والعزيمة، وبتنا نرانا حيث نبغي ونرجو، وقد انقشع السبيل أمامنا نحو أنفسنا، نحو العالم.
يقول الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي:
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ
وتَأتِي عَلى قَـدْرِ الكِرامِ المَكارِمُ
و تَعظُـمُ في عَينِ الصّغِـيرِ صِغارُها
وتَصغُر في عَينِ العَظِيمِ العَظائِمُ
وكم أعشق أبيات أبو القاسم الشابي وهي تصف قوة الإرادة في صنع المستحيل:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِر


الكاتب : مريم كرودي

  

بتاريخ : 21/12/2022