بحضور أساتذة باحثين ببني ملال : توقيع كتاب « النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي؟» للدكتورة مليكة الزخنيني

 

احتضن المركب الثقافي الأشجار العالية ببني ملال، حفل توقيع كتاب « النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي، « لمؤلفته الدكتورة مليكة الزخنيني، يوم السبت 20 يناير 2024، بدعوة من مكاتب ابن خلدون، وبتنسيق مع مركز تكامل للدراسات والأبحاث، وبتعاون مع المركب الثقافي الأشجار العالية ودار فالية للطباعة والنشر.
اللقاء الذي سيرته الأستاذة فرح أسماء، رئيسة مركز تكامل للدراسات والأبحاث، أكد فيه عبد الغني بلكصير، بصفته مشرفا على مكاتب ابن خلدون، على أهمية الإصدار الجديد، الذي هو كتاب أكاديمي، يتناول العلاقات الدولية والنظام الدولي بشكل عام.
ورأى إدريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية، أن الكتاب له أهميته الخاصة لعدة اعتبارات، ربطها بالظرفية التي جاء فيها هذا الكتاب، معتبرا أن الظرفية اليوم تتميز بحراك دولي خاصة من بعض الأقطاب الدولية كالصين وروسيا لأجل الاستئثار بمكانة وازنة تليق بمكانة هذه الأطراف على المستوى الدولي، وله أهمية كبرى أيضا، لأنه يقدم إطارا مرجعيا يرصد مختلف المفاهيم المهمة ليس فقط لدارس العلاقات الدولية، ولا لدارس القانون الدولي، ولا للمهتمين بالدراسات الجيواستراتيجية والدراسات المرتبطة بالاستشراف، وإنما يقدم مرجعا مهما للباحثين في هذا الخصوص.
واعتبر الأستاذ الكريني، أن مفهوم الأمن يبقى مفهوما مطاطا خصوصا في وقتنا الراهن، لأنه لم يعد، كما كان في السابق، مرتبطا بغياب الهواجس العسكرية، ودليل ذلك أنه في سنوات التسعينيات بدأت الأمم المتحدة تعقد مجموعة من اللقاءات، وبدأت تفتح النقاش حول العديد من القضايا التي ظلت مهملة أشارت لها الأستاذة مليكة في كتابها، كقضايا البيئة، وعقد مؤتمر دولي حظي بمشاركة مجموعة كبيرة من دول العالم والمنظمات غير الحكومية، كما أن الهاجس البيئي انتقل من الخبراء والباحثين إلى صانعي القرار وإلى الدول على اعتبار أن الهاجس البيئي ليس جديدا والمخاطر البيئية ليست جديدة بل هي مخاطر قائمة.
وأضاف الكريني أن الباحثة مليكة الزخنيني أشارت في مؤلفها إلى ما يسمى ب: «الجماعات الإرهابية»، إذ أن العالم بدأ يلتفت إلى قضايا أخرى مرتبطة بالمخاطر، والتهديدات العابرة للحدود، بما في ذلك البيئة وما هو مرتبط بالأمراض العابرة للحدود، وهو ما أصبح يشكل تهديدا للأمن الإنساني، خصوصا وأن جائحة «كورونا» فعلت بالإنسانية ما لم تفعله الحروب، ففي حالة الحرب، يضيف الكريني، هناك قانون دولي إنساني، وكذلك تعرف من هو العدو، ومن هو الحليف، لكن في حالة «كورونا»، الأمر غير ذلك، وأبرزت هذه المستجدات، مفاهيم جديدة ومفهوما جديدا للأمن، إذ لم يعد مرتبطا بمكون وحيد وإنما الأمن أصبح متفرعا، فهناك أمن مائي وأمن سياسي وأمن روحي… إلخ. وبالتالي كل هذه الأمور تطرقت لها صاحبة الكتاب، كما حاولت أن ترصد التحولات التي برزت في إطار المفاهيم المرتبطة بتطور الأمن، مشيرا إلى أن الكتاب يرصد مجمل التحولات التي شهدها العالم منذ بداية التسعينيات، لا على مستوى التكتلات ولا على مستوى الإشكالات التي أصبحت تواجه الأمن إلى غير ذلك من الأمور الجديدة، وأكد الكريني أن الكتاب طرح إجابات على ضوء الممارسة، فالباحثة مليكة لم تكتف، يقول، بالتركيز على الممارسة وعلى ربط الإطار المفاهمي والقانوني بمجموعة من الوقائع، بل بالممارسات التي تعطي للبحث قيمته وعمقه.
ولفت إدريس الكريني إلى أن المؤلفة تطرقت إلى نقطة مهمة في كتابها وهي أن نظام الثنائية كان له دور كبير في تجنيب العالم حربا شاملة، لأن الثنائية فيها نوع من التوازن، إذ بالعودة إلى الفترة التي عاشها العالم في ظل الأحادية القطبية كان هناك نوع من التجاوز الذي يهدد انهيار القانون الدولي، مذكرا بأن الباحثة أشارت إلى أن العالم ما بعد الحرب الباردة ظل محكوما بهاجس العولمة، لأن هناك مجموعة من المتغيرات برزت إلى جانب هذا الانفراد الأحادي للولايات المتحدة بالساحة الدولية، على اعتبار أن مفهوم الحدود تراجع ولم يعد ينظر إليه بتلك القداسة التي كانت في السابق .
وأشار الكريني إلى أن الباحثة تحدثت أيضا عن الخصوصية، وتدفق السلع، والخدمات، والأفكار، والمعلومات وهو ما اعتبره أمرا مهما يصب في عمق المفهوم الجديد للسيادة، كما تحدث عن النظام الدولي، الذي أصبح في مواجهة الكثير من الظواهر الأمنية المعقدة، حيث ذكرت ذلك الباحثة بتفصيل، كالعنف الذي اتخذ أشكالا ومظاهر مختلفة، وذكرت أساليب هذا العنف .
فعندما نتحدث عن القوة اليوم لم نعد أمام قوة خشنة فقط، بل هناك مقولات ظهرت حول ما يسمى بالقوة الناعمة، هذه الأخيرة التي يضيف، يمكن أن تفعل فعلتها أكثر من أي قوة عسكرية لأنها تعتمد على الجذب والإقناع بدل هدر الكثير من الإمكانيات العسكرية، مقرا بأن العالم لا يبدو في أحسن أحواله مبدئيا، خصوصا مع بروز مخاطر جديدة وقوى نووية صاعدة .
وذكر بأن منظومة القيم التي كرسها النظام الدولي الراهن، المتزامن مع الثورة التكنولوجية، كما أشارت إلى ذلك الباحثة، تشجع على بروز التقوقعات الهوياتية.
الأستاذة حنان مراد، وهي باحثة في القانون العام والعلوم السياسية ، اعتبرت أن الكتاب يحاول مناقشة سؤال أبدي وهو سؤال الأمن الدولي، الذي شغل حيزا مهما في حقل الدراسات، والأبحاث وشكل مادة للتنظير، كما شغل بال المفكرين على مر العصور.
وقالت حنان مراد إنها شهدت جميع مراحل ولادة الكتاب منذ أن كان فكرة في ذهن صاحبته، إلى أن أصبح هاجسا مشتركا بينها وبين الباحثة مليكة الزخنيني، إذ جمعتهما كلية الحقوق بالمحمدية لتصبحا بعد ذلك زميلتين ثم صديقتين، وقالت إن الخطوات الأولى لهذا البحث بدأ بسلك الدراسات العليا بالبحث في سؤال
الأمن البحري، والقانون الدولي للبحار لتنفتحا على سؤال عام وأشمل، وهو سؤال الأمن الدولي.
وأضافت الأستاذة حنان أن كتاب « النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي؟» يناقش علاقات النظام الدولي كأحد المفاهيم الأساسية في حقل العلاقات الدولية وعلاقته بمفهوم الأمن الذي اعتبرته مفهوما يطرح إشكالات جمة في تعريفه وتحديده. وذلك لتعدد المدارس الفكرية التي تناولته، الشيء الذي دفع الباحثة خلال محاولتها الإجابة على إشكالية مركزية ومحورية وهي : ما مدى قدرة النظام الدولي الراهن على ضمان الأمن الدولي؟
كما صنفت الكتاب ضمن الكتب القانونية التي تهتم بالدراسات الأمنية، فهو يندرج ضمن التوجه الفكري للكاتبة والباحثة مليكة الزخنيني، الذي يتسم بالتفسير الواقعي، والتحليلي، والمنطقي، والعقلاني الذي يبرز في إنتاجها الفكري من خلال تناولها لموضوعات متعددة ذكرت منها على سبيل المثال القضية النسائية في المغرب، وأزمة الدول الوطنية والأسئلة المتعلقة بمسألة بناء الدول الحديثة.
وترى حنان مراد أن الكتاب يعتبر وليد زمانه، فهو كتاب جاء بعد مرور العالم بأزمة عالمية كـ: «الكوفيد» وتداعياته الأمنية عنوانه الأبرز، كما أنه يصدر في مرحلة تشهد مجموعة من الصراعات والنزاعات، والتي تعتبر الحرب على غزة أقصى تمظهراتها، الشيء الذي يجعل الكتاب فرصة سانحة لمناقشة، ومعالجة مجموعة من الإشكالات الأمنية التي أصبحت تتطلب إيجاد حلول لها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وذكرت المتدخلة أن الكتاب يضم 465 صفحة، مفتتح بتقديم للأستاذ « تاج الدين الحسيني»، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، تليه مقدمة الكتاب التي حاولت من خلالها الباحثة تسليط الضوء على أهم التحولات الدولية التي شملها النظام الدولي عقب الحرب الباردة، مع ما رافق ذلك من تحول في السياسات العالمية بدخول حقبة أمنية جديدة كان لها بالغ الأثر على مجموعة من الترتيبات أهمها صياغة النظام الدولي، ومع ما رافق ذلك من تغيير في العديد من المسلمات، وذلك بصعود قوى جديدة، وظهور فاعلين جدد تحول معهم التهديد التقليدي من مجرد تهديد عسكري إلى تهديد يتخذ أبعادا مختلفة ومتنوعة تمس تداعياتها كل القطاعات وتطال الأمن بكل مستوياته، وذكرت أن الكتاب بعد هذه المقدمة انقسم إلى جزأين رئيسيين تم تضمين كل جزء ضمن باب يضم كل منهما فصلين، تلتهما خاتمة الكتاب التي جاءت متضمنة لمجموعة من الاستنتاجات، وتقر المتدخلة بأن الكتاب ساهم في فهم العديد من المفارقات، التي يعرفها النظام الدولي في علاقته مع مفهوم الأمن الدولي، وهو يعتبر بحق مرجعا شاملا يساعد القارئ على فهم مجموعة من التفاعلات التي شهدتها الساحة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، والتي ساهمت في صياغة الأمن الدولي الحالي والراهن، إضافة إلى أنه يضع دلالة مجموعة من المفاهيم منها مفهوم العنف، ومفهوم السيادة بمختلف أبعادها، وكذلك مفهوم الأمن من خلال وضعه في سياقات حسب كل مرحلة، كما وقفت الباحثة عند نقط الاختلاف والتمايز بين مجموعة من المفاهيم من بينها النظام العالمي والنظام الدولي، وفي نفس السياق جاءت مداخلة محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية، وعبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية، هذا الأخير الذي اعتبر أن الكتاب إضافة نوعية، ومساهمة للفاعل الأكاديمي في دول الجنوب لمناقشة قضايا ظلت حكرا على باحثين من دول الشمال، فهو لم يخض كثيرا في حيثيات الكتاب وفي المواضيع التي تناولها، ولكنه أبرز أهمية التعاطي مع هذا النوع من المواضيع، واعتبر أن الباحثة قامت بتأصيل نظري لمجموعة من المفاهيم الضرورية لباحث الدراسات الدولية وبطريقة مبدعة بدا فيها الكثير من الجهد، والكثير من البحث في القضايا المستجدة، وحول التطور الذي عرفه الإطار النظري لمجال الدراسات الدولية، وبالخصوص عندما نتحدث عن الأزمة التي أصبحت تعاني منها السيادة.
كما تقدمت الباحثة مليكة الزخنيني في مداخلتها بالشكر والتقدير لكل من كان له الفضل في خروج كتابها « النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي؟» إلى حيز الوجود، مؤكدة أن الكتاب ثمرة الكثير من المجهودات، ليصبح كتابا يمكن تداوله بين الأيادي، وأن يكون محط قراءة وموضوعا للنقاش.
كتاب هو في الأصل تقول، أطروحة دكتوراه استغرقت من سنة 2013 إلى 2018، وكان السؤال فيها : إلى أين يمضي النظام الجديد؟ وتتساءل الباحثة أيضا هل كنا أمام نظام لثنائية قطبية ؟ أم نظام أحادي القطبية؟
وأضافت الباحثة مليكة الزخنيني، أنه في 2018 انتهت من حبر على الورق لتبدأ فكرة نشرها للكتاب ابتداء من 2020 بتشجيع من زملائها في مركز تكامل، ليخرج الكتاب إلى الوجود في الألفية الثالثة من هذا القرن مطبوعة بحدث تاريخي غير مسبوق في تاريخ البشرية، وفي زمن العولمة هو أزمة: «الكوفيد» لتقوم بمجموعة من المراجعات والتصويبات أهمها إعادة الاعتبار للدولة الوطنية، وطفا على السطح كما قالت الباحثة مليكة الزخنيني حديثها عن الحدود، وعن السيادة وكيف تغلق الحدود؟ وكيف تتحدث باسم سياسة بلد؟ وبسيادة صحية، وسيادة غذائية عادت بها إلى منظومة من المفاهيم المرتبطة أساسا بالدولة وموقعها.
وقالت الباحثة إن هذه العودة مع « الكوفيد» جعلتنا أمام حرب أحد أطرافها دولة حائزة على العضوية الدائمة لمجلس الأمن وبعودة الحرب ولغة السلاح والقوة الصلبة.
وذكرت أنه مع الحرب الأوكرانية كنا أمام عودة ليست فقط للقوة الصلبة وإنما لمنطق الشرعية الدولية، وللعديد من المفاهيم المرتبطة بعصر الحرب الباردة، وسيكرس الأمر أكثر مع ما يحدث في الشرق الأوسط مما يعرف اليوم بحرب «غزة» وسنكون أمام أحد القوانين التي طبعت التطور البشري، وهو «القانون الدولي الإنساني «، إذ نشهد اليوم في الأراضي المحتلة كيف تصلب قواعد القانون الدولي الإنساني دون أن نستطيع أن نلزم بفاعلية وجدوى وإلزامية القواعد القانونية، وهو ما جعل الباحثة تتساءل مرة أخرى « إلى أين يسير النظام الدولي؟».