بسبب العجز البيّن لحقينة السدود : حوالي 200 ألف هكتار بجهة بني ملال خنيفرة تعاني من فقر مائي 2/2

 

تعد الموارد المائية بالحوض المائي لأم الربيع من بين أفضل الموارد في المغرب، فهو يتوفر على أكثر النسب من الماء لكل نسمة بحوالي ما يناهز نصف الموارد المائية الوطنية والمقدرة في 22 مليار متر مكعب وطنيا، بمعدل تساقطات مطرية قد تصل إلى ما يفوق 414 مم، والتي تقلصت على مستوى كل الأحواض الفرعية إلى نسب تصل إلى ناقص 50% وذلك بسبب العجز البين لنسب الواردات السنوية لحقينة السدود سنويا، والتي تضاءلت هي الأخرى بشكل مخيف على مستوى حقينة كل السدود التي لم تتجاوز أغلبها أكثر من 10% ولم تعد تكف لمتطلبات سقي الأراضي الزراعية البالغة حوالي 200 ألف هكتار بالجهة، فضلا عن إحداث مدارات سقوية جديدة دون خلق سدود داعمة لضمان الاحتياط المائي الذي أسست من أجله السدود ومن تم توزيع المخزون المائي وتوسيع دائرة استغلاله دون مراعاة للطاقة المائية ومحدوديتها في علاقتها مع المدار السقوي الأول المحدث خلال خمسينيات القرن الماضي.
وبعد شح الواردات السنوية من المياه التي كانت تعرفها السدود إلى حدود أقل من الثلث بالنسبة لسد بين الويدان وتقلص حقينته والضغط الممارس على استغلال مياهه، بدا واضحا أن الأمن المائي بالحوض بالجهة أصبح مهددا، وازدادت الوضعية الفلاحية تأزما وخطورة، وبلغت المردودية الإنتاجية لكل السلاسل الفلاحية مستويات ضعيفة ومقلقة بالنسبة للمنتجات الفلاحية المرتبطة بالاستهلاك الأساسي للمواطن كالخضروات والحبوب، والعديد من الثمار والفواكه فضلا عن اعتماد أسلوب التحصيص المائي وإنقاذ الأشجار بالأساس وكذلك العمل على تغطية العجز الحاصل في الماء الصالح للشرب ليصل إلى توفيره بنسبة 100% واحتياط ممتد على سنتين بدون عجز.
كل هذه العوامل وأخرى مرتبطة بحلول فصل الصيف وارتفاع الحرارة وارتفاع نسبة تبخر المياه مع الازدياد الكبير لتلبية جميع الحاجيات من الماء، والانتشار المهول لاستنزاف الماء بواسطة استعمال المضخات على طول الأودية والعيون الموردة للسدود، وهو ما يفضي حتما إلى الأخذ بعين الاعتبار عند كل القيمين على تأمين الماء كقلب نابض للحياة برمتها إلى استحضار المؤشرات المنذرة بالكارثة المائية وتقلص الموارد، سيما مؤشر اختفاء أزيد من 70% من موارد المياه المتاحة خلال العقدين المقبلين. وهو الأمر الذي تترجمه المعطيات الخاصة بالحوض المائي أم الربيع بحوالي 15 سد كبير بطاقة تخزين إجمالي قد تصل إلى 5,1 مليار متر مكعب وحوالي 10 سدود متوسطة بإمكانية مخزون مالي يصل إلى 3م3 إضافة إلى 13 سد صغير ومتوسط بمعدل 13 مليون متر مكعب في أفق تحلية مياه البحر لتغذية سد المسيرة الذي أصبح لا يكفي لسد حاجيات ساكنة مراكش من الماء الشروب في حدود إمكانيات (تحلية مياه البحر) كطاقة استيعابية لسد متوسط بمخزون يصل إلى ما فوق 260 مليون متر مكعب.
وتعتبر جهة بني ملال خنيفرة بإمكانياتها ومؤهلاتها المائية البنيوية وتوفرها على استثمارات عمومية لا بأس بها تنفيذا للسياسة المستحبة في نهج الاستراتيجية الوطنية الرائدة المتمثلة في إحداث سد كل سنة، والهادفة إلى تعزيز وتقوية الموارد المائية، وذلك باعتماد مخطط جهوي يروم إنجاز سدود أخرى متوسطة وكبيرة مثل سد تاكزيرت، ووانتر، أوزود، تيوغزا، إضافة إلى سدود خاصة بإنتاج الطاقة الكهرومائية بكل من إقليم بني ملال، أزيلال وخنيفرة، وذلك لتثمين الفرشات المائية بحوض أم الربيع والممتدة على طول حوالي 10 آلاف متر مربع لتوفر الماء الشروب وماء السقي وتمكن من إعادة الآمال في المستقبل كلما تظافرت الجهود والإرادات، من دراسات علمية وأنشطة تحسيسية في مجالات تدبير اقتصاد الماء، من خلال رؤية التقائية تشاركية ومندمجة بين كل المتدخلين من فاعلين جمعويين (مختبر دينامية المشاهد والمخاطر والتراث والمسؤولين القطاعيين الحكوميين: وكالة الحوض المائي أم الربيع، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قطاع الماء، والمديرية الجهوية للوكالة الوطنية للمياه والغابات إضافة إلى المديرية الجهوية للفلاحة)، مع إنجاز دراسة علمية تتعاطى بطرق مدروسة مع الإكراهات والتحديات للاستعمال المعقلن للماء وتكريس سلوك اجتماعي سليم…
وفي ذات السياق بات ملحا العمل على الإسراع بتفعيل وتنزيل القوانين المرتبطة بقانون 15/36 المتعلق بمشروع مخطط التهيئة المندمج للموارد المائية والتنقيب عن فرشات مائية إضافية وكذا تحسين استغلال وتجهيز العيون والسواقي. ويظل برنامج «عقد الفرشة المائية» مدخلا أساسيا للرفع من دينامية ووتيرة العمل على ترشيد الموارد المائية والحد من الإجهاد المائي الكبير، وإيجاد آليات جديدة ومثمرة للحد من آثار الجفاف وتخفيف وطأته الجاثمة على كاهل المواطن عامة والفلاح على وجه الخصوص، ونهج سياسة تطبيق مبدأ التضامن بين المناطق وفق معايير مقبولة والقطع مع الريع المائي الذي يستفيد منه كبار الفلاحين، والضيعات الكبرى في تصور مكشوف ينتج عنه إغناء الغني وإفقار الفقير مع إقبار مخطط تقليص الفوارق… !!؟!
وختاما فقد استحسن المواطنون خيرا بالبرنامج الجهوي بالعالم القروي الجبلي والرامي إلى التدبير المقنن للمياه عن طريق إرساء مقاربات حديثة للتوزيع والتحصيص وتحصين الموارد والأثقاب المائية وتعزيز المنابع، الذي يظل هو الآخر محدود النتائج لضعف اعتماداته والتي لا تتعدى 04 مليون درهم بالجهة وعدم ملائمته لما يشمله البرنامج التنموي الجهوي من مشاريع ذات الصلة في أفق إخراج البرنامج التنموي الوطني للجبل والرفع من معدل الاستثمارات العمومية بالمناطق الجبلية.


الكاتب : حسن المرتادي

  

بتاريخ : 13/06/2023