ثورة الملك والشعب، عيد الشباب : الماضي، الحاضر والمستقبل قوة دفع ثلاثية لتجاوز الجائحة وتداعياتها…

كانت مناسبة 20 غشت من السنة الماضية، مناسبة «تبئير» عمل لجنة النموذج التنموي الجديد، التي أعلن ملك البلاد عن عملها. والتي كلفها «بالانكباب على هذا الموضوع المصيري».
1/ في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ثورة الملك والشعب، منذ سنة مضت، وضع الملك ورقتها وخارطة عملها وأفق الانتظار منها: في مهمة ثلاثية «تقويمية واستباقية واستشرافية، للتوجه بكل ثقة، نحو المستقبل».
والواضح أن هذه المهام تغيرت في أولوياتها، كما تغيرت في سياق تعريفها.
الواضح، جليا، أن الوباء مس عمل اللجنة، كما مس أولوياتها.
وترتيب مهامها..
أولا، بتمديد عملها، جراء مستجدات كورونا، لاعتبارات عديدة، منها ملحاحية أواستعجالية الكثير من الضرورات الاجتماعية وتغيرها، وأولوية الصحة* على ما عداها، ثم تغيير الأجندة، وآجالها، بتمديد عملها إلى حدود شهر يناير.
ونذكر الجميع بالبلاغ الرسمي الذي أعلن موافقة الملك محمد السادس على «تمديد المهلة التي تم تحديدها للجنة الخاصة بالنموذج التنموي قصد رفع تقريرها النهائي إلى نظره، وذلك في أجل أقصاه بداية شهر يناير 2021».
نفس البلاغ أفاد بأن هذه المهلة الإضافية «تهدف إلى تمكين اللجنة من تعميق أشغالها حول التبعات المترتبة عن وباء كوفيد-19، بالإضافة إلى الدروس التي يجب استخلاصها على المدى المتوسط والبعيد في هذا الصدد سواء على الصعيد الوطني أو الدولي».
والواضح، أيضا، أن اللجنة تتأثر بالمحيط الإقليمي والشراكة الدولية للمغرب، ومن الجلي فعلا ، أن الوضع الجديد ، فرض عليها كما فرض على غيرها، مراجعة السلم الزمني للعمل، وزوايا المعالجة، وتجديد التشاور مع الفاعلين، كلهم أو جلهم..
2/ الواضح أن الخطاب الملكي، كان قد أشار إلى الخصاص المهول في مجالات الإنتاج الاجتماعي، والمردودية الاجتماعية لوظائف الدولة ومؤسساتها.
وصار من اللازم أننا نخلد الذكرى الجديدة هذه السنة وقد تغيرت الأولويات أو تكرست أكثر.
ومن ذلك، كما ورد منذ سنة.. «تعميم التعليم، والاستفادة من الفرص التي يوفرها التكوين المهني، وكذا من البرامج الاجتماعية الوطنية».
الواضح أن التعليم، والصحة والتغطية الاجتماعية تحولت ، في صلب النموذج المنتظر، أولويات الأولويات…
وهو ما ركز عليه أيضا خطاب العرش الأخير بشكل مدقق.
أولا، ينتظر أن تستكمل اللجنة عملها في يناير 2021.
وهو نفس التاريخ الذي أعلن عنه الملك كموعد للشروع في تنفيذ التغطية الاجتماعية والصحية أساسا.. وفي ذلك قال جلالته»الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة. وندعو للشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل»…
ثانيا، لقد كانت مناسبة عيد العرش، فرصة للتقدم التاريخي في هذا الباب وتوسيع أبوابه وفتحها على مصراعيها لتقديم أجوبة مستعجلة.
وبذلك نكون أمام توقيت متزامن هو تاريخ يناير 2021، وتوقيت سابق، هو الشروع في تدقيق مستلزمات المرحلة القادمة، المرحلة الصعبة..
3/ في صلب الخطاب كان تعريف «النموذج التنموي، في صيغته الجديدة»، كـ»قاعدة صلبة، لانبثاق عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع: الدولة ومؤسساتها، والقوى الحية للأمة، من قطاع خاص، وهيئات سياسية ونقابية، ومنظمات جمعوية، وعموم المواطنين».
وفي ذلك، مقدمة أولا، لإعطاء الغاية من النموذج بعد تعريفه، وهو ربطه بعقد اجتماعي جديد على قاعدة انخراط جماعي. وهي نقطة ألح عليها خطاب العرش، من حيث تركيزه على الروح الجماعية ..
وقد ختم الملك خطاب العرش الأخير، بعودة صريحة إلى الحفر في المشترك الوطني لاستخراج ما تتطلبه التحديات القادمة من خزان وطني فعال.
«إن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود كل المغاربة لرفع تحدياتها.
وهنا أتوجه لكل القوى الديمقراطية دون استثناء، وأخاطب فيها روح الغيرة الوطنية، والمسؤولية الفردية والجماعية، للانخراط القوي في الجهود الوطنية، لتجاوز هذه المرحلة، ومواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية».
وستكون مناسبة ثورة الملك والشعب، في هذه السنة، بوابة لاستدراج التاريخ بقوته من أجل مستقبل كله تحديات.
4/ لنا أن نفتح القوس واسعا بقدر ما فتحته الثورة من أفق في تاريخ المغرب، والحاجة إليها تتجدد، أولا من خلال العديد من دروس التاريخ نفسه:
– التاريخ، نفسه يتغذى من الأسئلة التي نطرحها عليه الآن، أسئلة القلق الحاضر والمستقبلي معا، كما أنه يتغذى من الأجوبة التي يقدمها الناس الذين رحلوا ، والذين نسعى إلى بعث قيمهم وبعث الروح فيهم ورمزيا، لأجل حياة متجددة.
هو ذا رهان استدعاء الماضي في مناسبة ينزل فيها الحاضر والمستقبل علينا بكل ثقلهما.
نحن، منذورون، دوما، في دولة قامت على الانصهار الوطني الشامل لحماية السياسة وحماية المستقبل (علينا ألا ننسى أن ما نسميه ماضيا الآن، في خمسينيات 1953، كان هو المستقبل المطروح على آبائنا وأجدادنا الوطنيين وعلى ملك المرحلة إياهاالمغفور له محمد الخامس) وعبر إعادة تعريف وتغيير حتى «النظام التاريخاني» ووضع تاريخ للمراحل، وذلك عبر ترتيب الحاضر والماضي والمستقبل…ليس بالتعاقب الزمني بقدر ما يتم بالتشابك الوجداني والسياسي لكل مرحلة وما تستدعيه من أولويات.
لنر ما نعيشه ضمن البشرية الحالية،هناك «حاجز قيامي»barre apocalyptique، بلغة غابرييل مارتينيث غروس، تسد أفقنا، بالوباء وبالتباطو الاقتصادي وتراجع التضامن …إلخ، ما يجعلنا في طور فقدان المستقبل…
لنا حاضر صعب للغاية ومستقبل مروع ، وقاس بلغة الملك،
ولنا لحظة مشبعة بالتاريخ الذي يختزن حمولات الانتصار والقدرة على تجاوز «حواجز الغد».
5/ سقف منخفض
منذ سنة، تحدث الملك عن الطبقة الوسطى، وعن المغرب الذي « بدأ خلال السنوات الأخيرة، يتوفر على طبقة وسطى تشكل قوة إنتاج، وعامل تماسك واستقرار».
والواضح أن الحاجة هددت هذه الطبقة في جيناتها ومورثاتها وشروط مواصلة انبثاقها، كما من الواضح أن الذي كشفت عنه الظرفية الحالية، وتحدث عنها ملك البلاد بوضوح كبير وشجاعة أدبية وسياسية، هو اتساع رقعة الهشاشة وتناميها وحجم وهول المعطيات حولها..
ولا بد من الإقرار، سيرا على حقيقة الخطاب الملكي، بأن سقف الانتظار تراجع وانخفض بهذا الخصوص، وبخصوص الطبقة الوسطى.. التي ستعاني ولا شك، إضافة إلى العالم القروي، المعضلة الكبرى الأخيرة..
ومنذ سنة تحدث ملك البلاد عن «نسبة نمو اقتصادي تبعث على التفاؤل».
في حين أن القانون التعديلي الذي تقدم به وزير المالية يتحدث عن نسبة سلبية من 7.5 مما يشكل حاجزا آخر… نحو الأسفل.
وكان المجلس الوزاري قد استمع إلى عرض وزير المالية الذي تحدث عن قانون مالية المعدل 2020، وتطرق الوزير إلى فرضيات المشروع حيث من المتوقع أن يعرف الناتج الداخلي الخام، تراجعا بـ %5، كما سيصل عجز الميزانية إلى – %7,5.
ولا يمكن أن نغفل موضوعة جوهرية وردت في خطاب ثورة الملك والشعب للسنة الماضية وهي المرتبطة ب«التطبيق الجيد والكامل، للجهوية المتقدمة، ولميثاق اللاتمركز الإداري،» واعتبارهما « من أنجع الآليات، التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج، ومن الدفع بالعدالة المجالية».
والمنطق العيني يظهر أن هذان الورشان تعطلا بسبب الوباء والتدبير الممركز للسلطات الترابية، وتعليق العمل بالورشين معا.
وهو سؤال لا تغفله دولة «دَسْترتْ» البعد الديموقرطي كثابت رابع في كينونتها وتعريفها لنفسها، ولا يمكنها أن توفر عن نفسها سؤال الديموقراطية المحلية في تدبير الأزمات وتفعيل الحلول..
كل هذه الجولة، التي انطلقت من مضامين خطاب السنة الماضية، لا تخفي انحيازها للمقارنة، وما فيها من «شاعرية» تتيح «التلصص» على المستقبل من جهة والمشترك الوطني الكبير كقاعدة وضرورة تاريخية في إيجاد الجواب على ما يعيشه وما سيعيشه المغرب…
المفارقة أن المغرب، في التوجه العام، يسير نحو إقرار سلاسة طبيعية وتطبيع العلاقة مع مواعيد الاستحقاق، ولربما يفكر في ما بعد مرحلة الانتقال التي خاضها ، بقوة وتبصر، لكي يستقر نهائيا في ممارسات ديموقراطية شاملة، ولكن على مستوى التدبير اليومي الترابي ، يشعر المنتخبون، أي الطاقم الديموقراطي من زواية السيادة الشعبية، أن هناك «إقالة» عملية..
وهذا يقودنا إلى أجندة ما بعد الخطاب الملكي المنتظر…
6/ استحقاقات تفرض أجوبة..
في سنة الذكرى ، يكون للماضي قوة النموذج، غير أن الأجندة الباهضة للوباء، والجدولة القوية لكبريات التحديات ( نموذج تنموي، عقد اجتماعي، تعليم، صحة،…تغطية شاملة اجتماعيا، إقلاع اقتصادي…) تجعل المستقبل هو الحكم، على الماضي والحاضر معا، كما يصير هدفهما المشترك.
ما الذي سنفعله بديموقراطيتنا، إذا لم تحرك مشروعا جماعيا، وترسمل كل التاريخ والحاضر، وإذا لم تجب على جدواها التاريخية في تقدم الإنسان المغربي، ما الذي نستفيده منها إذا كانت، إما رهانا طائفيا، تحت مسوغات تعددية أو صياغة أخرى لمركزية القرار، ونحن نريد أن نستقر في سلاسة ديموقراطية قادرة على حل المعضلات؟
لقد مرت علينا منذ دخول الوباء لحظات كانت فيها الشراكات الدستورية من صميم التدبير الآمن للمؤسسات، ولعل المثال الأقوى ، هو لجنة النظر في ما وقع بمجلس المنافسة، واقتسام الاختصاص الحصري للتحكيم، رغم كل شيء دليل ملموس على توجه اشتغال كل آليات الدولة، ضمن تخصص وظائفها السياسية والمؤسساتية والإدارية.. إلخ.
ولن نطيل في هكذا نقاش، لأن الأشياء وجوهرها يسير نحو ما سطره العهد الجديد لنفسه وللمغرب الجديد..
في جانب تدبير الاقتراع، نحن أمام ضرورة الانتقال نهائيا إلى قواعد لعب ديموقراطية يمكنها من أن تخرجنا من تجريبية سياسية، لا تكون منتجة إلا للهوس السياسوي والانتخابوي والاعتماد على «قوة التعيين» للتواجد في النسيج الديموقراطي!
الروح الوطنية لا بد لها من بنيات دالة، من خلال ممارسات ومسلكيات سياسية تتجاوز السقف المخفض الذي ربما غطت عليه الظروف الصعبة التي نعيشها، فصرنا لا ندقق النظر في الكثير منها.
هناك مطلب كبير، هو مشاركة الرساميل الوطنية، في توفير الثروة، ولن نمل من القول بأن الزمن مناسب للقيام بخطوة جريئة من طرف أثريائنا، نحو دعم الدولة، ومرافقتها في توفير شروط المناعة الاقتصادية والاجتماعية وشروط الإقلاع الشامل الذي تحدث عنه ملك البلاد، ضمن تصور مرحلة جديدة..
لا بد من رفع الايقاع، والانتقال الى ماي جعل هذه المناسبة مسافة جديدة نحو تحصين الوطن وتأمين المواطن..
والخروج من توجسات المحافظة و من خفض سقف التوقع في مغرب الحلول، المغرب الممكن، سواء من حيث الابداع في موارد المرحلة القادمة أو في خطابها وتعبويتها..وأجندتها السياسية.


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 20/08/2020

أخبار مرتبطة

لا شك أن الفنانة كرسيت الشريفة، سوف تبقى شخصية غنية خصبة متعددة الجوانب، لأنها لم تكن فنانة اعتيادية أو مؤدية

  على بعد أيام من تخليد العيد الأممي للطبقة العاملة، تعود الشغيلة الصحية للاحتجاج، تعبيرا منها عن رفضها للإقصاء الذي

  تشكل القراءة التاريخية لتجارب بعض الأعلام المؤسسة للفعل السياسي و الدبلوماسي في المغرب المستقل، لحظة فكرية يتم من خلالها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *