حسن أوريد يفكك الأسطورة الإسرائيلية وازدواجية الغرب

«الإغراء الأخير للغرب» أو التحدي الوجودي للعرب

 

صدر حديثا بالمغرب، عن منشورات الخيام، كتاب «الإغراء الأخير للغرب.. تداعيات الحرب على غزة» للمفكر والمؤرخ المغربي حسن أوريد، وهو عبارة عن «أوراق تسعى إلى أن تمسك بتلابيب مرحلة مفصلية، بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشهادة تتوخى أن تكون إبانة»، كما يقول المؤلف.
ينقل الكاتب المغربي لقرائه  «صرخة مظلوم دفع إليها دفعا، وأنة جريح لا تسمع أنّته، إذ يستفيق العالم على جرح نسيه أو تناساه، ألا وهو وضع الشعب الفلسطيني وحقه في العيش والتحرر»، بادئا باستهلال يصف فيه ما وقع في «طوفان الأقصى».
ثم يذكر فقدان الغرب لإغرائه، وسلوكه الكيل بمكيالين، قبل أن يسائل الغرب عن مسؤوليته في كل ما يجري من قتل ودمار، مظهرا في مقابل ذلك كيف يصطف أحرار العالم إلى جانب الحق، كما وصفه.
يعتبر الكاتب ما جرى في غزة تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية، لكنه أيضا بمثابة حدث مزلزل، سيغير معالم المنطقة والثقافة السياسية بها، مشيرا إلى أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول أوقف قطاع التطبيع، وأسقط الأساطير المؤسسة لدولة الاحتلال من قبيل «واحة الديمقراطية» و»الجيش الذي لا يقهر».
وفي وقت كان يتوقع فيه، قبل متم 2023، «أن يتوقف القطار في محطة السعودية، ويحملها في ركابه»، وبما أن «التاريخ لا يتحرك إلا بقرابين الدماء»؛ ذكر أوريد أنه بعدما «كادت القضية الفلسطينية أن تندثر في أجندة أصحاب القرار، وفي الإعلام، وفي وجدان الشعوب، وفي ضمائر القوى الحية»، هاهي اليوم تعود «قوية، مخضبة بالدماء، مقترنة بالآلام والمآسي، ولو في إكليل من الدمار، وبالتالي من المجحف أن ننطلق لقراءة حدث مزلزل انطلاقا من تاريخ اندلاعه وليس قبله».
وسجل المفكر المغربي ذاته أن «الحرب على غزة» هي «الحدث المغير في العلاقات الدولية، الذي يقوم على أنقاض المنظومة التي سادت منذ سقوط حائط برلين، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية. لا شيء سيبقى كما كان بعد أن تخمد النيران»، كما دافع صاحب» ربيع قرطبة» عن أن العالم بعد الحرب على غزة العالم قد استفاق على «جرح نسيه أو تناساه، ألا وهو وضع الشعب الفلسطيني، وحقه في العيش، وحقه في تقرير مصيره، وحقه في التحرر من الاحتلال»؛ لأنه «لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية إلا على حساب الضمير الإنساني. يمكن تناسيها والالتفاف عليها على المدى القصير، لكنها ستعود أشد وطأة، كما شبح هامليث».
يورد أوريد، في كتابه هذا، ازدواجية المعايير عند الغرب وأوربا، عندما يتذكر  صرخة فرانز فانون في «معذبي الأرض»، بتعبير فانون «التي تتحدث عن حقوق الإنسان، وتخنقه عند أول منعرج»، ثم يكتب: «كدنا ننسى هذه الحقيقة، باسم إخفاقات متتالية وباسم الواقعية؛ لكن هل نستطيع أن نتمادى في التناسي أو النسيان؟ أليست أمريكا هي التي بشرت بحقوق الإنسان في العراق، هي من امتهن حقوق الإنسان في أبي غريب وغير أبي غريب؟ أليست هي الغطاء، بل اليد، لما يقترف ضد المدنيين، والأطفال والنساء، والصحافيين، وأسر الصحافيين، في غزة والضفة الغربية؟ لماذا يرفض السلم؟ ولكن السلم من منظور واحد، أو إملاء من طرف، هو دعوة للاستسلام، هو إمعان في الإذلال. هو وصفة لحروب ألف عالم، ولو تخللتها هدنة، أو مرحلة هدوء».
يتوقف حسن أوريد وهو يستعرض هذه الازدواجية لدى صناع القرار في الغرب، عند موقف النخب الغربية والصمت الذي أبدته تجاه هذه الجرائم حيث يؤكد أن هذا الاجرام يترافق مع «صمت مريع، لدى النخبة الفكرية الغربية»، وتواطؤ لا يمكن التحجج عليه بجهل ما يقع مستقبلا، فضلا عن «سبة للذكاء ومنطق الأشياء بالدفع بتأمين (المساعدات الإنسانية)، والامتناع عن وقف العدوان، كمن يمن عليك بأنه يضمد جرحك، وهو من جرحك، أو أمر بجرحك، أو تغاضى عمن يجرحك».
ويستدرك قائلا: «بيد أنه لا يكفي أن نتجنى على الآخر، ونذهل عما كسبته أيدينا من سذاجة بعض من حملة الرحلة، وما أبرئ نفسي، ومِن تواطؤ بعض منهم، من أمعن في التماهي مع الجاني. نحن أمام ظاهرة مريبة من نخب مهزوزة، من غير نسغ، صنيعة ماكينة إعلامية وإيديولوجية”، وهي نخب مصوغة «في مختبرات، ينفخ فيها الإعلام، وتمد بالجوائز لكي تصبح معبرة عن (الوجدان)».
يقول أوريد أن صفحات كتابه «ليست مجرد استحضار فصول مريعة لتقتيل شعب لم يسبق أن جرى في التاريخ على مرأى من العالم. أثبتت الصورة في الزمن صفر ما يجري من تقتيل وتدمير، ولذلك لا يصح لأي أن يقول إنني لم أكن أعرف. الصمت والتجاهل، هو تواطؤ في الجريمة، بل مشاركة. وفي أدنى درجة خذلان وهوان.»
ويرى مؤلف»رباط المتنبي» أننا اليوم «مطالبون بإعادة النظر في كل شيء؛ في (الآخر)، ودعوته (العالمية)، وفي أنفسنا، وفي من يعتبرون (ضمائر حية)، وهم «كائنات مختبرية، في حقيقة الأمر»، ليخلص في الأخير إلى أن الغرب «فقد بريقه أو إغراءه. أرادنا من غير نسغ، ولا هوية، ولا قضية. مجرد سوق لبضائعه ورؤاه، مع وسطاء ووكلاء نتاج توليد مختبري. ..»، مضيفا أننا، أمام ما يقع في همجية وتقتيل في غزة، «كلنا اليوم فلسطينيون. وينبغي أن نكونه غدا كذلك، بمعنى أن نتذكر اللحمة التي تجمعنا، والسدى الذي يشد اللحمة هو القضية الفلسطينية. نعيش لحظة مصيرية أمام تحد وجودي يحدق بالعالم العربي. فإما هبة، ولن تكون إلا بوحدة الصف، وإلا بقاء الوضع على ما كان، وهو سبيل الاندحار».


الكاتب : المحرر الثقافي

  

بتاريخ : 16/04/2024