صناعة الصخب، ستون عاما من تاريخ السينما المصرية

صدر للروائي والكاتب المصري محمود الغيطاني عن دار فضاءات كتاب “صناعة الصخب: ستون عاما من تاريخ السينما المصرية 1959- 2019″ في جزئه الأول الذي يغطي مرحلة الإنتاج السينمائي المصري ما بين 1959 – 1979 .
وجاء في مقدمة الكتاب: ” إن المُتتبع لتاريخ السينما المصرية منذ بدايتها قد يلحظ أنها تكاد أن تكون سينما استاتيكية- باستخدام مُصطلحات الفيزياء- أي أنها تكاد أن تكون سينما ثابتة، غير مُتحركة، راكنة في مكانها، راكدة بشكل ظاهري، ورغم أن هذه المُلاحظة لا يمكن أخذها بشكل مُطلق، أي أنها ليست يقينية الثبات أو الركود- فثمة حركة فيها، لكنها لبطئها لا يمكن مُلاحظتها بسهولة، وإن كانت تعمل على تشكيلها- إلا أن الشكل العام للسينما المصرية كان هو الثبات والتأمل فقط. وبما أن السينما هي أكثر الفنون تأثرا بما يحيطها، لما تتميز به من حساسية شديدة تجعلها هي الأقدر والأسرع على التعبير عما يمور داخل المُجتمعات، أي أنها المرآة الأنصع للمُجتمع؛ فلقد كانت سريعة التأثر بما يحدث من حولها من تغيرات سواء على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي- لا سيما الاهتزازات السياسية- وهذا يعني أن حركتها وديناميكيتها لا تتأتى لها إلا من خلال مؤثر خارجي.
مع صناعة فيلم “ليلى” 1927م- أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما المصرية- للمُخرجين وداد عرفي، واستيفان روستيبدأت السينما المصرية في التعبير عن المُجتمع المصري وما يدور فيه، أو الرجوع إلى التاريخ العربي من خلال موضوعاته من أجل التعبير عن بطولاته مثل فيلم صلاح الدين الأيوبي” 1941م للمُخرج إبراهيم لاما، لكن في عام 1930م كان أول لجوء منها إلى الأدب بصناعة فيلم “زينب” للمُخرج محمد كريم عن قصة الروائي محمد حسين هيكل، إلا أنها ظلت في هذه الفترة تصنع العديد من الأفلام التي تُحاكي فيها المسرح المصري الذي كان له نصيب الأسد في هذه الفترة الزمنية؛ فلجأت إلى صناعة العديد من الأفلام الهزلية لا سيما أن أول من اتجه إلى التمثيل في مجال السينما هم ممثلو المسرح الذين كانوا يستخدمون أسلوبهم الأدائي المسرحي أمام الكاميرا السينمائية- رغم ضرورة التفاوت في الأسلوب- وبالتالي رأينا أفلاما هزلية مثل “صاحب السعادة كشكش بك” 1931م للمُخرج توليو كياريني، وقد قام ببطولته مُمثل المسرح نجيب الريحاني، و”جُحا وأبو نواس” 1932م للمُخرج مانويل ويمانس، وغيرها من الأفلام التي اشترك في تمثيلها رواد المسرح المصري مثل يوسف بك وهبي في فيلم “”أولاد الذوات” للمُخرج محمد كريم 1932م، وبما أن السينما المصرية تكاد أن تكون استاتيكية، أي أنها ليس لديها من الطموح الكبير ما يجعلها تنطلق فجأة من دون مؤثر خارجي، وبالتالي تكتفي بنقل ما يدور حولها من أمور؛ فلقد كانت مُعظم الأفلام التي قدمتها مُجرد أفلام تتحدث عن قصص الحُب، والفوارق الاجتماعية بين أولاد الذوات، أو الباشوات، وبين الخدم في قصورهم- كان يطلق عليها سينما التليفونات البيضاء- فرأينا “أولاد الفقراء” 1942م للمُخرج يوسف بك وهبي، و”بنت ذوات” في نفس العام لنفس المُخرج، أي أنها لم تخرج كثيرا عن إطار القصور وحياة الرفاهية، أو الأفلام الهزلية في هذه الفترة، صحيح أن ثمة أفلاما مُختلفة عن هذا السياق العام ظهرت في هذه الآونة مثل فيلم “العزيمة” 1939م للمُخرج كمال سليم، و”العامل” 1943م للمُخرج أحمد كامل مُرسي، و”السوق السوداء” 1945م للمُخرج كامل التلمساني لكنها كانت من قبيل الأفلام القليلة التي تتأثر بما يدور من حولها، لتعود السينما مرة أخرى إلى الركود والثبات فيما تقدمه؛ فلقد تأثر كامل التلمساني على سبيل المثال بالحرب العالمية الثانية وما يحدث فيها، وأثر ذلك على المُجتمع المصري؛ ما حدا به إلى صناعة فيلمه المُختلف عن السياق العام للسينما المصرية.
إذن، فلقد استمرت السينما المصرية على ثباتها في فترتها الأولى ما بين أفلام هزلية، وأخرى تتناول حياة القصور والبارات، وثالثة تتناول حياة الحُب والتضحية المُبالغ فيها، وبعض الأفلام الغنائية التي تتناول قصص الحُب أيضا، أو الميلودرامات المُبالغ فيها؛ فرأينا “ليلى بنت الفقراء” 1945م للمُخرج أنور وجدي، و”عودة طاقية الإخفاء” 1946م للمُخرج محمد عبد الجواد، و”البدوية الحسناء” 1947م للمُخرج إبراهيم لاما، و”عفريتة هانم” 1949م للمُخرج هنري بركات، وغيرها الكثير من الأفلام التي سادت تاريخ السينما قبل بداية الخمسينيات، والتي انحصرت في الهزل، والأفلام الغنائية، والقصور، والفوارق الاجتماعية فقط.
لكن، مع بداية الخمسينيات- نهاية عهد الملكية- وبالتحديد في 1952م حينما قاد مجموعة من ضُباط الجيش المصري انقلابهم على الملك فيما تم توصيفه فيما بعد بالثورة، حدث ما يشبه الزلزال في المُجتمع المصري، هذا الزلزال لم يكن على المستوى السياسي فقط، بل شمل المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا؛ الأمر الذي جعل السينما تقف أمامه مُتأملة محاولة استيعابه واحتواءه من أجل التعبير عنه سينمائيا.
صحيح أن الانقلاب العسكري للضباط الأحرار قد وضع السينما نصب عينيه منذ الشهر الأول لانقلابهم، وليس أدل على ذلك من البيان الذي وجهه اللواء محمد نجيب إلى السينمائيين بعنوان “الفن الذي نريده” في 18 أغسطس 1952م، أي منذ الشهر التالي للثورة مُباشرة، والذي جاء فيه: “إن السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه، وعلينا أن نُدرك ذلك؛ لأنه إذا ما أُسيء استخدامها؛ فإننا سنهوي بأنفسنا إلى الحضيض، وندفع بالشباب إلى الهاوية”، مما يدل على أهمية السينما بالنسبة لهؤلاء العسكريين كوسيلة فعالة وجوهرية يستطيعون من خلالها الترويج لأنفسهم وتجميل وجه الانقلاب الذي بات ثورة، لكن رغم هذا الاهتمام من قبل الثورة بالسينما إلا أنها ظلت على سكونها محاولة التحرك بحذر تجاه الزلزال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي بدأ يدور من حولها، كما أنها كانت شديدة الحذر في تعاملها مع السياسة في هذه الفترة لحين معرفتها أين يمكن لها أن تضع قدميها.
إذن، فلقد كان ثمة اهتمام مُباشر من النظام السياسي بالسينما محاولا العمل على احتوائها داخله، لكن هذا الاهتمام لم يكن مُتبادلا بنفس الوتيرة وبنفس الأهمية من جانب السينما في البداية- وإن تأثرت به- بل حاولت أن تتعامل معه بحذر كبير إلى أن بدأت في التعبير عن هذه المرحلة السياسية- نفاقا في بعض الأحيان، وتخوفا أحيانا، وإيمانا من صُناعها في أحيان أخرى- فرأينا فيلم “شياطين الجو” 1956م للمُخرج نيازي مُصطفى، وهو الفيلم الذي كتبه ضابط الجيش وجيه أباظة، و”إسماعيل يس في البوليس” في نفس العام للمُخرج فطين عبد الوهاب، و”أرضنا الخضراء” 1956م للمُخرج أحمد ضياء الدين الذي يحاول في نهاية الفيلم التأكيد على أن الثورة بقيامها قد أنقذت حياة الفلاحين من الإقطاعيين، و”بورسعيد” 1957م للمُخرج عز الدين ذو الفقار، وهو الفيلم الذي تمت صناعته بالأمر المُباشر من الرئيس جمال عبد الناصر للمُمثل فريد شوقي، و”إسماعيل يس في الأسطول” في نفس العام للمُخرج فطين عبد الوهاب، و”رد قلبي” في نفس العام للمُخرج عز الدين ذو الفقار، وهو الفيلم الذي كان يضع نصب عينيه الترويج للثورة وتجميل وجهها أمام المُشاهد، و”إسماعيل يس بوليس حربي” 1958م للمُخرج فطين عبد الوهاب، و”إسماعيل يس في الطيران” 1959م للمُخرج فطين عبد الوهاب، و”إسماعيل يس بوليس سري” في نفس العام ولنفس المُخرج، وغيرها الكثير من الأفلام التي نلحظ منها تأثر السينما المصرية بالتغير السياسي الكبير الذي حدث؛ ومن ثم بدأت في التعبير عنه إما تأملا واقتناعا بما يدور حولها، أو نفاقا للسلطة السياسية، أو تخوفا منها.
ربما مع المزيد من التأمل سنلاحظ أن السينما المصرية- الاستاتيكية- قد باتت ديناميكية حينما واجهت حدثا كبيرا، هذا الحدث أكسبها المزيد من الحركة والحيوية والقدرة على التأمل، ومن ثم تقديم أفلام مُختلفة عما كانت ثابتة عليه، أي أننا يمكننا القول بأن السينما المصرية لا تكون سينما ديناميكية ونشطة وحيوية إلا مع الأحداث الساخنة والكبرى والمُهمة التي تكسبها المزيد من النشاط لتقدم لنا العديد من الأفلام المُختلفة.
في هذه الفترة- الخمسينيات- بدأت السينما المصرية تلتفت للمزيد من الأعمال الأدبية من أجل تحويلها إلى وسيط مرئي، وهو ما كان نادرا فيما قبل، فقدمت في حقبة الخمسينيات ما يُقارب الأربعين عملا أدبيا إلى السينما، وقد كان العدد الأكبر من هذه الأعمال في الربع الأخير من هذه الحقبة، لكن بمجرد بداية الستينيات- العصر الذهبي للسينما المصرية- انطلقت في انتقاء النصوص الأدبية من أجل تحويلها إلى أعمال سينمائية؛ ومن ثم قدمت ما يُقارب 100 عمل سينمائي مأخوذا عن أصول أدبية في حقبة الستينيات، أي أن بداية الستينيات في السينما المصرية تكاد أن تكون حقبة شديدة الصخب، وهو الصخب الحقيقي والواضح والملموس للسينما المصرية الذي بدأ في هذه الحقبة وما زال مُستمرا حتى اليوم، وإن كان قد خفتت حدته للكثير من الظروف والسياقات.
ثمة مُلاحظة أخرى لا بد من تأملها، فالسينما المصرية التي ظلت لفترة طويلة استاتيكية، قد باتت ديناميكية مع الصخب السياسي الذي بدأ يدور من حولها منذ 1952م، صحيح أنها لم تستجب مُباشرة لهذا الصخب السياسي كما أسلفنا، لكنها اندمجت فيه، فيما بعد، وعبرت عنه في الكثير من أفلامها، كما تداخلت المصالح السياسية والسينمائية واشتبكت تماما في حقبة الستينيات نتيجة لتدخل الدولة في الإنتاج- القطاع العام والمُؤسسة المصرية العامة للسينما- ورأينا العديد من الأفلام التي قدمتها السينما إما عن الثورة، أو مُنتقدة للثورة، أو عن أعمال أدبية، ومن ثم بدأت الأعمال السينمائية التي يقدمها صُناع السينما المصرية تكتسب الكثير من الجدية، والأهمية، والنضج الفني الذي رأيناه في مُعظم أفلام هذه الحقبة.
من هنا نستطيع القول: إن الصخب الحقيقي في صناعة السينما المصرية بدأ في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وهي الفترة التي قدمت فيها السينما المصرية أهم ما صنعته من أفلام سينمائية، ومن ثم استمرت في صخبها بأشكال أخرى مُختلفة وفي سياقات مُختلفة في الحُقب التاريخية التالية عليها.
إن مُلاحظة الصخب الشديد في صناعة السينما منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، وهو الصخب المُستمر معها حتى الآن مع التفاوت في درجته، جعلنا نحاول تأمله وتتبعه- ليس من قبيل التأريخ للسينما المصرية، فهذا الكتاب ليس تأريخيا بقدر ما هو رصد ومحاولة للتحليل- من خلال العديد من الظواهر أو السياقات التي مرت بها، والتي تختلف فيها عبر كل حقبة من الحقب الزمنية التي مرت بها؛ فلقد لاحظنا أن كل حقبة زمنية من عُمر السينما المصرية منذ بداية الستينيات كانت تتميز ببعض المُميزات التي تختلف فيها عن الحقبة التالية لها، كما أن هذه المُميزات/ الظواهر سرعان ما تضمحل وتختفي لتحل محلها مُميزات أخرى مُختلفة عنها في الحقبة التي تليها؛ لذلك رأينا أهمية تتبع مسار الصخب في صناعة السينما المصرية من خلال هذه الظواهر التي تميز كل حقبة من الحقب الزمنية حتى اليوم.
في حقبة الستينيات لاحظنا الاتجاه بغزارة مُنقطعة النظير لتناول الأدب من أجل تحويله إلى الشاشة؛ الأمر الذي أدى إلى صناعة أفلام سينمائية تمثل أهم ما أنتجته السينما المصرية في تاريخها، صحيح أن الحقب التالية عليها استمرت فيها السينما في الإقبال على تحويل الأعمال الأدبية إلى الشاشة- السبعينيات والثمانينيات- حتى أنها كادت أن تنافس الستينيات في ذلك بل وتتغلب عليها من حيث العدد المُنتج من أفلام، لكن تظل الستينيات هي الفترة الذهبية التي قدمت فيها أهم الأفلام المأخوذة عن أصول أدبية، وأكثرها نضجا وفنية، مما يعني أن السينما ارتفعت بقيمة العمل الأدبي في الستينيات وارتقت به إلى آفاق واسعة، خلافا لما حدث مع غيرها من الأعمال الأدبية في الحقب التالية عليها، كما لاحظنا مع بداية عام 1960م اتجاه السينما المصرية إلى صناعة الأفلام التي تضم ثلاثة أفلام روائية قصيرة داخل سياق فيلمي واحد، وهذه الأفلام يقوم بإخراجها ثلاثة مُخرجين مُجتمعين- واحد لكل فيلم روائي قصير- وهو الأمر الذي بدأ عام 1960م مع فيلم “البنات والصيف” للمُخرجين عز الدين ذو الفقار، وصلاح أبو سيف، وفطين عبد الوهاب، لينتهي عام 1972م مع فيلم “صور ممنوعة” للمُخرجين محمد عبد العزيز، وأشرف فهمي، ومدكور ثابت، ولم تعد السينما المصرية إليه مرة أخرى. من خلال هاتين الميزتين أو الظاهرتين- الاتجاه إلى الأدب، وصناعة أفلام ذات ثلاث قصص- رأينا تأمل السينما المصرية في حقبة الستينيات من القرن الماضي.
بما أن كل حقبة زمنية كان لها ما تتميز به- سواء بالسلب أم بالإيجاب- فلقد تميزت السبعينيات من القرن الماضي بأمرين مُختلفين هما هجرة عدد كبير من صُناع السينما المصرية من مصر، وتركز القدر الأكبر من الصناعة في بيروت فيما أُطلق عليه حينها الطيور المُهاجرة- نظرا للعديد من الأسباب والسياقات التاريخية التي تناولناها في هذه الحقبة- فضلا عن سقوط مروع في صناعة السينما المصرية في السبعينيات حيث كانت الموجة الأكثر هبوطا من حيث المستوى الفني في تاريخ السينما المصرية، وهو ما جعل المُخرج الراحل محمد كامل القليوبي يطلق على هذه الفترة “سينما السبعينيات.. الموجة الأكثر هبوطا في تاريخ السينما المصرية”.
هكذا رأينا أن يسير البحث في هذا المشروع الذي يتأمل في حقب السينما المصرية من بداية الستينيات، انتهاءً بعام 2019م، ورصد الظواهر أو المُميزات- السلبية منها أم الإيجابية- التي مرت بها السينما المصرية في الستين عاما موضوع الدراسة.
لكن، المُتعرض لتاريخ السينما المصرية لا بد له أن يلاقي الكثير من الصعوبات التي تعترضه مما يجعله أشبه بمن دخل متاهة، أو كهفا مُظلما لا يستطيع فيه رؤية ما هو أبعد من كف يده؛ نظرا لعدم الاهتمام الكافي بالتأريخ للسينما المصرية، أو العمل على أرشفتها، أي أن المعلومات الدقيقة والمُنظمة تصبح شبه نادرة؛ مما يزيد العبء على أي باحث، فضلا عن اختلاط الكثير من المعلومات وعدم دقتها، أو صحتها، وهو ما رأيناه لدى العديد من الباحثين والنقاد الذين لم يكونوا دقيقين بالقدر الكافي؛ مما جعل الكثير من المراجع التي لجأنا إليها في حاجة إلى التدقيق، وهو عبء أكبر مُضاف على من يتعرض لعملية البحث، كما أن التضارب في التأريخ يكاد يكون هو الأصل في تاريخ السينما المصري.
اعتمدنا هنا في التأريخ لأفلام السينما المصرية- في هذه الفترة التي نتناولها بالبحث- على المرجع المُهم الذي لا غنى عنه لأي باحث “دليل السينمائيين المصريين” للناقدين مُنى البنداري، ويعقوب وهبي باعتباره أكثر المراجع دقة في ذكر التواريخ، ولكن بما أنه يستحيل الكمال على أي إنسان؛ فلقد جعلنا هذا المرجع المُهم هو قبلتنا الأولى التي نلجأ إليها في التأريخ، ليليه كتاب “بانوراما السينما المصرية 1927- 1982” الصادر عن صندوق دعم السينما عام 1983م لمجموعة من الباحثين، وهو من المراجع المُهمة التي تعمل على التأريخ للأفلام بذكر التاريخ، بل وترقيم الفيلم التسلسلي في مُجمل إنتاج السينما المصرية، ويليه في التأكد من التاريخ موقع السينما دوت كوم Elcinema.com الذي يهتم كثيرا بقواعد المعلومات للسينما المصرية والعربية، وإن كان أقل ثقة لدينا؛ نظرا للعديد من الأخطاء التي رأيناها فيه، وإن كان هو أكثر المواقع السينمائية المُهتمة بقواعد المعلومات دقة؛ فنسبة الأخطاء فيه لا تكاد تتعدى 10% وهي نسبة جد جيدة ومُطمئنة، لكن ليس معنى ذلك أننا اكتفينا بهذه المراجع المُهمة في تواريخ أفلام السينما المصرية، بل كنا نلجأ لغيرها مثل سلسلة الكتب التي كان يصدرها الدكتور عبد المنعم سعد بداية من 1968م بعنوان “السينما المصرية في موسم” وإن كانت كتبه قد تؤدي بالباحث إلى الخلط الكبير؛ نتيجة لاعتماده في التأريخ للأفلام على الموسم السينمائي وليس على العام، وهنا يبدأ الخلاف، لأن الموسم السينمائي يأخذ من الربع الأخير للعام لمُنتصف العام الذي يليه تقريبا، كما عدنا لموسوعة المؤرخ أحمد الحضري، لكننا لم نعتمد عليها كلية؛ لأن ما صدر منها يتوقف عند مُنتصف الأربعينيات، ولم تصدر بقية أجزائها بعد، بالإضافة إلى دليل الفيلم الذي توقف في الثمانينيات عن الصدور، والدوريات في دار الكتب والوثائق القومية.
لكننا اعتمدنا هنا في تأريخ الأفلام على تاريخ العرض الجماهيري، وليس عام الإنتاج، واهتممنا بلفت النظر إذا ما كان ثمة فارق بين تاريخ الإنتاج وتاريخ العرض وأثبتنا هذا الأمر في الهوامش، ليعرف المُتابع بأن تاريخ إنتاج الفيلم كان مُختلفا عن تاريخ العرض.
حرصنا في هذا الكتاب على تناول عشرة أفلام بالنقد تمثل عدد سنوات كل حقبة انتهينا من بحثها؛ كتطبيق عملي على البحث النظري السابق له- فيلم من كل عام- وكمحاولة منا لإعادة النظر النقدي في تاريخنا السينمائي المصري الذي يستحق إعادة النظر والتأمل والتأويل النقدي حتى اليوم.
إن صناعة الصخب في تاريخ السينما المصرية يجعلها دائما لا تهدأ منذ هذه الفترة التي تناولناها في البحث، وهي من الفترات المُهمة التي لا بد للباحث والناقد أن يتأملها جيدا، والكتابة عنها لإيضاح العديد من الأمور التي خفيت على البعض، كما لم يفتنا العديد من المُغالطات والأساطير التي طالما ذكرها العديدون من نقاد السينما المصرية، والصحفيون، وغيرهم باعتبارها حقيقة لا يمكن الشك فيها عند الحديث عن بعض الأفلام، وهي الأقاويل التي عملنا على دحضها وتصحيحها مع ذكر الأدلة على ما ذهبنا إليه.
نأمل أن يكون هذا البحث من الأبحاث التي تستحق في تاريخ السينما المصرية، وهي السينما التي تستأهل الكثير من التأمل والتحليل وإعادة النظر فيها كل فترة، كما نأمل أن يكون هذا البحث- الذي بدأنا فيه منذ عامين ونصف العام- دقيقا بالقدر الذي رغبناه، وأن يأتي غيرنا من الباحثين والنقاد المُهتمين بالسينما المصرية للإضافة على ما بدأنا فيه.


بتاريخ : 13/02/2021