ضدا على كل الدوريات ذات الصلة، مقاطعة بن امسيك.. مرفق خارج «الزمن» الإداري؟

 

الحاجة لقضاء غرض إداري ببعض الإدارات لا يجب أن تكون دافعا لأخذ قرار بالتوجه إلى مقراتها مبكّرا، اعتقادا من المرتفق بأن توقيت العمل الرسمي يتم احترامه، ورغبة منه في إنجاز المطلوب بشكل سريع وفي ظروف «مخفّفة» لكي يتوجه بعد ذلك إلى العمل الشخصي أو للدراسة أو لقضاء أمور أخرى. هذا التصور لا ينطبق دائما على ما هو معمول به على أرض الواقع، والحسابات «المثالية» غالبا ما تصطدم بمصالح خاصة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة، وبالتالي فما على المتضرر إلا الصمت والصبر أو الانصراف لحال سبيله والعودة في توقيت آخر، لربّما قد يحقق مبتغاه الإداري لاحقا.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 4 أكتوبر 2022، وقفنا أمام مدخل مقاطعة بن امسيك بالدارالبيضاء، ثم تقدّمنا بضع خطوات نحو الداخل ،بما أن التوقيت الرسمي للعمل قد أعلنت عنه عقارب الساعة، لكن ما أن تحركنا قليلا حتى خاطبنا حارس أمن خاص من الداخل مخبرا إيانا بأن موعد العمل لم يصل بعد، فأطلعناه على التوقيت، ثم جاء التعقيب مفيدا بأنه لا يوجد في الوقت الحالي أي موظف داخل المقاطعة لهذا علينا الانتظار؟
جواب دفعنا للتوقف أمام مدخل المقاطعة، خاصة وأن عاملات النظافة كن يقمن بتنظيف الأرضية والأدراج ومختلف الأرجاء الداخلية للبناية، واخترنا تتبع الأحداث وما قد يقع. كنا قبل وصولنا إلى المقاطعة قد صادفنا سيارة نقل مركونة أمام مقر البناية، كانت تتواجد بالمكان قبل حلولنا، وكان على متنها سائق ومرافقه، وهما معا كانا بين الفينة والأخرى ينظران في اتجاه المقاطعة وكأنهما ينتظران أمرا. وبعد لحظات قليلة حلّ مواطن على متن دراجة هوائية قام بربطها إلى عمود خارجي، وتوجّه بدوره إلى الداخل سعيا وراء غرض إداري ما، لكنه اصطدم بنفس الجواب، الأمر الذي جعله يقف لوهلة وهو يفكر في القرار الذي عليه اتخاذه، ثم اختار المغادرة بخفي حنين، فربما كلفة الانتظار بالنسبة له أكبر ويتعين عليه قضاء أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية؟
ظللنا على هذه الحالة لبضعة دقائق نتأمل فيما يقع من الخارج، إلى أن دعانا حارس الأمن الخاص للدخول، بعد أن استفسر عن نوعية غرضنا الإداري، والجلوس في أحد الكراسي المتواجدة ببهو الطابق الأرضي في انتظار التحاق الموظفين، فشكرناه على ذلك وجلسنا نتابع تفاصيل التحاق بعض الموظفين وتوقيت انطلاق العمل ببعض مصالح المقاطعة . بعد دقائق ولجت أول موظفة المقر وكانت الساعة تشير إلى الثامنة و 45 دقيقة، فأخبرها حارس الأمن بموضوع السيارة المتوقفة أمام البناية وتبين أن الأمر يتعلق بممون للحفلات، جاء لتجهيز قاعة ستحتضن اجتماعا في الحادية عشرة من صباح نفس اليوم، وشرع بعد التواصل مع الموظفة رفقة زميله في إنزال المستلزمات من مشروبات وحلويات وغيرها.
بعد ذلك بعشر دقائق حلّت موظفة ثانية ، وتوجهت صوب المصلحة التي تشتغل بها، ثم بعد 3 دقائق وصلت موظفة ثالثة، ليبلغ عدد الموظفين المتواجدين بالمقاطعة، إلى حدود التاسعة، ثلاثة موظفين لا غير، وكان علينا الانتظار دقائق أخرى قبل أن يصل موظف آخر، لتشرع مصلحة حفظ الصحة عمليا في تقديم خدماتها للمواطنين الذين كانوا ينتظرون الحصول على أدوية داء السكري، ومعها مصلحة الحالة المدنية بموظف واحد، هو الوحيد الذي جهّز مستلزمات العمل وجلس على الكرسي للإجابة عن احتياجات المرتفقين.
لحظات كانت كافية لتقديم صورة ولو بسيطة عن الكيفية التي يتم بها تدبير الإدارة بمقاطعة بن امسيك، التي ينطلق العمل بمصالحها بعد التوقيت الإداري الرسمي بأكثر من نصف ساعة، الأمر الذي قد يكون «عاديا» في بعض المصالح التي لا صلة مباشرة لها بالمواطنين، لكن في مصالح أخرى حيوية، من المفروض أن يتم بذل جهد أكبر، بالرغم من كل الإكراهات التي قد تعترض الموظفين، كالسكن بعيدا، أو الضغط المروري أو اصطحاب أبناء للمدرسة أو غيرها من المبررات، الأمر الذي يمكن تدبيره بقليل من الحكامة والتحلي بحسّ المسؤولية عبر توزيع الأدوار حتى لا تتعطّل مصالح المرتفقين، الذين منهم من له مهام وأعمال في إدارات أو قطاعات أخرى ترتبط بها مصالح مواطنين آخرين، التي تتأخر بتأخر الجميع وتتعطّل بتعطيل القوانين المدبّرة للشأن الإداري…


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 17/10/2022