ضدا عن الدستور ومقتضيات الميثاق الجماعي.. احتلال أرصفة الدارالبيضاء «الشعبية» و «الراقية» يتواصل بأشكال وصيغ مختلفة

 

لم تتمكن الحملات التي قامت بها السلطات المحلية خلال الأشهر الفارطة في مجموع أحياء الدارالبيضاء، تنفيذا لتعليمات الوالي مهيدية، من تحرير أرصفة المدينة، خاصة «الراقية» منها، التي تعرف احتلالا من نوع خاص، عنوانه السيارات الفارهة و»مجسّمات» التزيين المختلفة الأشكال، إضافة إلى ما يمكن تصنيفه ضمن خانة «التجهيزات»، من أعمدة تنتصب بشكل عشوائي إلى جانب بعضها البعض في عدد من المواقع، ومعها «بيوت» شركات الاتصالات، التي تتكتل فيما بينها جميعا لتطرد الراجلين من الرصيف وتدفع بهم صوب الشارع المفتوح على كل الاحتمالات؟
حملات تحرير، يتابعها الجميع خاصة تلك التي ظلت الأحياء الشعبية مسرحا لتفاصيلها، وإن بشكل متفاوت، بالنظر إلى أنه حتى على مستوى هذه الأحياء كان «التمييز» يحضر في التدخلات، علما بأن خطوات بعض هذه الحملات كانت تتم بشكل عقلاني، في حين أن أخرى كان يغلب عليها طابع الارتجالية مع ما قد يترتب عنها من مشاكل، خاصة في ظل انسداد الأفق وغياب بدائل يتم تقديمها لمن يتخذون من البيع بالتجوال، نموذجا، مصدرا للعيش.
ويجد العديد من المواطنين صعوبات كبيرة في استعمال الرصيف البيضاوي، ويتعاظم الأمر ويكون أكثر صعوبة وحدّة، بالنسبة للنساء اللواتي يصطحبن رضعهن وأطفالهن على متن العربات المدفوعة، والأشخاص الذين يعانون من إعاقات حركية ويستعملون كراسي متحركة للتنقل، وكذا المسنين، وما يزيد من تعسير مشي الراجلين أيضا أوراش البناء المفتوحة في أكثر من حي، والتي لا يحترم الكثير من القائمين عليها المواصفات والشروط الضرورية لضمان سلامة الغير وترك حيّز يسمح بتنقلهم.
وضعية قاتمة، ترفع من مستويات الضغط الذي تعيش على إيقاعه المدينة الغول، سواء بالنسبة للراجلين أو أصحاب السيارات ومختلف المركبات، فقد أضحت الشوارع والأرصفة على حدّ سواء، تضيق بمستعمليها، ويكون لاحتلال الرصيف دور أساسي في الرفع من درجات صعوبة التنقل في العاصمة الاقتصادية، وهو ما يدفع المتتبعين للشأن المحلي لطرح علامات استفهام متعددة، حول كيفيات تحرير الملك العام تحريرا سليما، يحفظ حقوق الراجلين ومستعملي الطريق، ويضمن كرامة «البسطاء» في الأحياء الشعبية، ويعيد «الأغنياء» إلى جادة الصواب ويفرض عليهم احترام القانون في الأحياء الراقية، وفي الشوارع الرئيسية المستباح رصيفها، في بئر انزران وآنفا وبوركون نموذجا وفي غيرها؟
ويرى الكثير من المهتمين أن ما تعيشه الدارالبيضاء من فوضى في أرصفتها يتناقض ومقتضيات دستور 2011، الذي من بين ما ينص عليه أن «السلطات العمومية تضمن سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع»، في الفصل 21، إلى جانب الفصل 22، الذي من بين ما جاء فيه «أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جھة كانت، خاصة أو عامة»، والحال أن السلامة الجسدية للمارّة، من الجنسين ومن مختلف الأعمار، هي مهددة بفعل هذا الاحتلال الذي بات أخطبوطا بأذرع تتوسع يوما عن يوم؟
وإلى جانب دستور المملكة، نجد الميثاق الجماعي 113.14، الذي تم إفراغه بدوره من محتواه، حيث تنصّل المنتخبون المسؤولون عن القيام بأدوارهم التي منحها إياهم، كما هو الشأن بالنسبة لما تنص عليه المادة 83 من الفصل الثاني من القسم الثاني المتعلق باختصاصات الجماعة، والمادة 87 من الباب الثالث، إلى جانب المادة 94 من الباب الثاني التي تتعلق باختصاصات رئيس مجلس الجماعة والتي من بين ماتؤكد عليه «تدبير رئيس الجماعة لأملاكها والحفاظ عليها، واتخاذه للإجراءات اللازمة لتدبير الملك العمومي، ومنح رخص الاستغلال المؤقت طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل…» إلى جانب المادة 100 التي تنص على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية والصحة والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، صلاحيات تتوزع مابين «السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها، واتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها، ورفع معرقلات السير عنها، وإتلاف البنايات الآيلة للسقوط أو الخراب، وتنظيم السير والجولان والوقوف بالطرقات العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها …» وغيرها من الصلاحيات المجمّدة، التي يتم استعمال بعضها في حالات ويُتغاضى عنها في أخرى، مما يجعل الكثيرين يترقبون متى يمكن للدارالبيضاء أن تقطع فعليا مع مظاهر الفوضى المتعددة ؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 04/04/2024