فؤاد العروي لـ «الملحق الثقافي» : النموذج التنموي عمل جماعي وعلى المغاربة اليوم قراءته وإغناء النقاش حوله : علينا كمغاربة أن نتحمل المسؤولية لتطوير العلوم والبحث

صدر مؤلف جديد للكاتب المغربي فؤاد العروي بعنوان « ترافع عن العرب»، يدافع فيه عن إدماج العرب في التاريخ الكوني، كما يندد بما يتعرضون له اليوم من كراهية، وعيشهم في الغرب بين نارين، بين نار العنصريين من جهة ونار الظلاميين من جهة أخرى.
فؤاد العروي، من مواليد المغرب ، درس بمدينة الدار البيضاء، بعدها تابع تكوينه بالمدرسة الوطنية للطرق والقناطر في فرنسا حيث حصل على شهادة مهندس. وبعد اشتغاله في مصنع للفوسفاط بخريبكة، عاد إلى فرنسا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. بعدها توجه إلى المملكة المتحدة التي أمضى بها بضع سنوات في كامبريدج ويورك. وتولى انطلاقا من عام 2006، مهمة تدريس الاقتصاد القياسي ثم علوم البيئة في جامعة أمستردام.
وله روايات متعددة حققت نجاحا كبيرا، كما يكتب مقالات رأي بانتظام بمجلة «جون أفريك» الفرنسية.

 

 هل يمكن أن تشرح لنا لماذا هذا الكتاب حول الترافع عن العرب؟ ما الذي دفعك ككاتب مغربي يعيش في الغرب إلى اتخاذ هذه الخطوة؟

منذ مدة طويلة وأنا مندهش، إذ لم أقل مصدوم من هذا الجهل للعرب، وتاريخهم ومشاكلهم الحالية من جانب معظم الغربيين. إنهم لا يعرفونهم ولديهم صورة مشوهة عنهم. لقد انتظرت طويلاً صدور كتاب يدين هذا الجهل، ويحاول تصحيح هذه التمثلات الكاذبة، لكنني لم يتحقق ذلك، لذلك بدأت العمل بنفسي.

 هذا الجهل من الغرب تجاه العرب، ألا تعتقد أنه مقصود؟

الأمر غير مقصود بمعنى أن الأمر مؤامرة، لكن يمكننا القول إن الوضع يناسب عددا كبيرا من الناس. في الواقع، لقد بدأ الأمر في القرن التاسع عشر. من أجل غزو واستعمار أجزاء كبيرة من العالم العربي بشكل أفضل، كان لا بد من التقليل من قيمة العرب. للحديث عن «مهمة حضارية»، كان على المرء أن يعتقد – أو يتظاهر بالاعتقاد – أن هؤلاء الناس لم يكونوا متحضرين، وأنهم لم يعرفوا الحضارة أبدًا. لذلك فقد نسينا تأثير الامبراطورية العباسية وخلافة قرطبة على الغرب، وهو تأثير كان مقبولًا بشكل جيد في أوروبا قبل القرن التاسع عشر. إنها حالة غريبة من فقدان الذاكرة الجماعي والتي بدأت مع بداية الاستعمار.

 العالم العربي كما نراه اليوم، هل هذا من صنع الغرب للسيطرة على هذه المنطقة كما وصف ذلك إدوارد سعيد؟

نعم، هذا ما أشرت إليه في كتابي. أظهر إدوارد سعيد كيف تم بناء صورة معينة للشرق في القرن التاسع عشر عن طريق الفنون والأدب والوسائل الأخرى، وأن هذا الامر كان يبرر احتلاله وإخضاعه واستعماره. لقد تغيرت هذه الصورة بالتأكيد منذ ذلك الحين، حيث تم إنهاء استعمار جميع البلدان المعنية وأثبتت أنها كانت مختلفة عن الصورة التي أعطيت لها. ومع ذلك، لم يتغير شيء واحد: الجهل بالخلفية العلمية للعرب ورفض من يجب أن يعرفوا ذلك ودمجهم في السرد الكوني. وبالأساس هذا ما حاولت تحليله وفضحه.

بالنسبة للعرب الذين يعيشون في الغرب، كما تقول»هم بين نارين، بين العنصرية والتعصب؟» هل العرب ضائعون بين الهوية الأسطورية (ماضيهم المجيد) والواقع المعقد للغاية لحياتهم اليومية؟

هذا هو الحال بالنسبة للبعض. إنهم عالقون بين مرمى نارين وبالتالي لهم شعور سيء تجاه أنفسهم. لكن هناك ما هو أسوأ بكثير وأبرزته في كتابي: هناك أولئك الذين دمجوا الكثير من العنصرية والجهل المحيط بهم لدرجة أنهم وصلوا إلى حد اعتقادهم بذلك. تتجلى هذه الكراهية للذات في أشكال مختلفة ولكنها حقيقية للغاية، للأسف من وجهة النظر هذه، قد يكون لكتابي بعض القيمة العلاجية.

 في كتابك أنت متفائل رغم الأجواء السائدة في عالمنا مع صعود القومية والفاشية. هل تعتقد أن اندماج العرب في التاريخ العالمي لا يزال ممكناً؟

ليس العرب هم من يجب دمجهم، بل يجب دمج ماضيهم في السرد الكوني. الأمر ليس معقدا، في العمق. يكفي مراجعة البرامج التربوية في الغرب والترويج للمعارض والأفلام الوثائقية وما إلى ذلك. أما بالنسبة للعرب أنفسهم، فالأمر متروك لهم للارتقاء إلى ما كانوا عليه في السابق. علاوة على ذلك، لا أعتقد أن الأمر يتعلق بمسألة جماعية حول «العالم العربي» ، إذا كان لا يزال موجودًا. يجب على كل دولة بذل هذا الجهد للترقي في جميع المجالات. لا أعرف ما إذا كنت أبدو متفائلاً، لكنني في الحقيقة في حالة ترقب. المستقبل ليس مكتوبا في أي مكان.
في ما يخصنا، نحن المغاربة، يجب أن نتحمل المسؤولية وأن ندخل بحزم في العلوم والتقدم والبحث وندير ظهرنا للظلامية. هذا ليس مستحيلاً، لكن عليك أن تتوفر على الإرادة لذلك.

سؤال أخير: كيف ترون الوضع في المغرب، البلد العربي والإفريقي والمتوسطي الناشئ، الذي يبحث عن مكانه في هذا العالم المعقد؟ هل يجب أن نراجع النموذج التنموي؟ هل اقترحتم نموذج تطور جديد في اللجنة التي أنت عضو فيها؟

لقد شاركت مع 34 زميلًا آخر، بقيادة شكيب بنموسى وفريق دعم ممتاز، في إعداد التقرير حول النموذج التنموي الذي تم تقديمه مؤخرا إلى جلالة الملك. إنه عمل جماعي ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه صاحب أي جزء منه. الآن يتم تقديمه إلى البرلمان من قبل رئيس هذه اللجنة وبعد ذلك، أعتقد أنه سيكون هناك نقاش واسع في البلاد. كعضو في هذه اللجنة، انتهت مهمتي بعد تقديم التقرير. الآن حان دور كل المغاربة لتناوله وقراءته والتعليق عليه إلخ…


الكاتب : حاوره بباريس : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 11/06/2021