فرصة لإعادة الوهج لقيم الديمقراطية : مساهمة في شرح دواعي التنسيق بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية

 

وحدها قوى اليسار قادرة على ترميم الديمقراطية، وعلى إعادة الإشعاع للقيم التقدمية وتوسيع دائرة من يتملكونها ويدافعون عنها. وهذا لن يكون ممكنا أمام يسار منقسم على نفسه، مهووس بمن سيحتل مكان الصدارة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي

 

ما من أحد يشك في وجود أزمة ديمقراطية عميقة بالمغرب، من تجلياتها التغول الذي أبانت عنه بعض الأحزاب غداة فوزها في الانتخابات الأخيرة وكيفية تعاطيها مع مجموعة من القضايا ذات الأولوية كاحتجاجات نساء ورجال التعليم أو قضايا تدبير أزمة الماء الناتجة عن شح التساقطات المطرية، حيث لوحظ نزوح المسؤولين الحكوميين نحو تحميل المسؤولية للحكومات السابقة بدل التعاطي معها بالجدية اللازمة.
من تجليات الأزمة السياسية الحالية أيضا الصعوبة التي يلاقيها اليسار في التموقع كمخاطب للفئات غير الراضية عن سياسة الحكومة، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الغضب والإحباط السائدان في وسط عدد كبير من المواطنين. ففي سياق مثل الذي نعيش فيه، يفترض أن تجد قوى اليسار صدى وتجاوبا واسعين، وإلا فإن المجال سيتسع بشكل أكبر أمام القوى المحافظة لتفرض نفسها كمخاطب وحيد، كما أن من شأن ذلك أن يفسح المجال أمام اتساع دائرة المقاطعين للعمليات السياسية.
وبخصوص أسباب الأزمة السياسية التي نتحدث عنها، يمكن القول إنها متعددة ومتشعبة لكن يمكن إرجاع بعضها إلى غياب تمثيلية حقيقية للمواطنين، وإلى القطيعة التي تطبع علاقة السياسيين بالمواطنين وبمعيشهم اليومي وبمعاناة الطبقات الشعبية، التي أصبح العديد من ممارسي السياسة، بمن فيهم من ينتمون إلى اليسار، يتحاشون حتى استعمال هذه المفردة ويعتبرون أنها تنتمي إلى فترة تم القطع معها.
إن غياب إجابات عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة براهن ومستقبل فئات عريضة من المواطنين، وغياب قنوات التواصل مع الشباب ومع كل من يعتبر نفسه مقصيا من المشاريع المهيكلة التي يتم إنجازها والتي يبدو أن آثارها لا تنعكس على المعيش اليومي للعديد من المواطنين، تضع قوى اليسار أمام مسؤولية تاريخية، فهي إما ستكون قادرة على حمل هموم هذه الفئات وتمثيلها وإما فإنها ستفسح المجال أكثر مما هو عليه الحال حاليا أمام هيمنة قيم القوى المحافظة.
في رأيي وهو من دون شك رأي يتقاسمه العديد من المهتمين معي، وحدها قوى اليسار قادرة على ترميم الديمقراطية، وعلى إعادة الإشعاع للقيم التقدمية وتوسيع دائرة من يتملكونها ويدافعون عنها. وهذا لن يكون ممكنا أمام يسار منقسم على نفسه، مهووس بمن سيحتل مكان الصدارة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
فمن أجل أن يصبح اليسار في المغرب قوة كبرى، قادرة على الحصول على ثقة المواطنين، علينا أن نتساءل جميعا عن الأسباب التي كانت وراء نجاحاتنا في الماضي. وفي هذا الإطار، لا يمكننا أن نجعل من التمثيلية في المجالس المنتخبة وهيئات الحكامة هاجسا يشغلنا عما سواه.
علينا أولا أن نسعى إلى توحيد قوى اليسار، وعلينا أيضا أن نتساءل حول كيفية ترسيخنا للقيم التي ندافع عنها. ينبغي علينا كذلك أن نفرد لتكوين وتأطير المناضلين مكانتهما اللتان يستحقانها كما كان عليه الحال في السابق. فمن شأن كل ذلك أن يمكن قوى اليسار من إعادة قضايا وهواجس المواطنين في صلب اهتمامات اليسار.
قد يقول البعض أن اليسار بطبعه متعدد، وأن برامج اليسار متعددة، وبالتالي يمكن للمرء أن يتساءل عن حظوظ نجاح مبادرة حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية. لكن هؤلاء يتناسون ربما أنه داخل كلا الحزبين نفسيهما توجد عدة توجهات. وهذا ليس بالأمر السيئ، بينما ما يمكن اعتباره غير مقبول هو وجود تيارات داخل اليسار تحارب إحداها الأخرى بدل التصدي لأطروحات اليمين.
بالنسبة للاتحاد والتقدم والاشتراكية، ينبغي أن تعطى الأولوية في تنسيقهما إلى المحتوى الذي يمكن أن يشكل موضوع تـنسيقهما وتعاونهما فلا يمكن أن يتم الحديث عن توحد لليسار دون الحديث عن برنامج وعن رؤية وعن مشروع مجتمعي. فلا يجب الاكتفاء بعرض مشروع التنسيق للتداول، لأن النقاش حول هذه الأمور هو وحده الذي من شأنه أن يفضي إلى نتائج ملموسة ومستدامة، نقاش لا يقتصر على الأجهزة التقريرية للحزبين، بل يشمل أيضا قواعدهما.
وفي رأيي، لا ينبغي أن نجد أي إحراج في استعمال المفردات والمصطلحات التي كانت تميز خطاباتنا. في هذا الإطار، لم لا يكون منطلق نقاشنا لإعادة الوهج لليسار من خلال التنسيق بين حزبينا في أفق شكل من أشكال الوحدة، الحديث عن فشل الاختيارات الرأسمالية، خصوصا وأن النقاش حول هذا الموضوع أصبح يستأثر باهتمام العديد من المفكرين. فأمام اتساع الهوة بشكل غير مسبوق بين الأشخاص الأكثر ثراء وبين من أصبحوا في وضعية هشاشة اقتصادية متقدمة، أصبح لزاما علينا كقوى يسارية أن نضع هذا الأمر في صلب اهتمامنا وأن يشكل محورا من بين المحاور التي يمكن أن تشكل أرضية للتنسيق بين حزبينا. لم لا يكون التفكير في نموذج جديد لتنظيم الاقتصاد إحدى القضايا التي نشتغل معها معا، علما بأن من يستفيدون اليوم من النظام الاقتصادي الحالي سيدافعون بشراسة عن امتيازاتهم، وأنه لا يمكن التصدي لمشروعاتهم إلا في إطار يسار قوي يمتلك مشروعا مناهضا لمشروعهم.
علينا أن نقر ونحن نتحدث عن التنسيق بين حزبينا أن من بين المشاكل التي نواجهها عزوف الطبقات الشعبية عن التصويت لفائدتنا، رغم أننا اخترنا ومنذ مدة ليست بالقصيرة أن نصبح أحزابا يمكن أن تتولى تدبير الشأن الحكومي إذا ما حظيت بثقة الناخبين. لماذا إذن أصبح اليسار الذي نحن جزء منه مرادفا للتنكر، للإحباط، وفي رأي البعض للخيانة.
ما لا ينبغي علينا القيام به هو التغاضي عن مثل هذا النقاش والتركيز مثلا على قضايا البيئة والتغيرات المناخية واعتبار أنهما ينبغي أن يشكلا قطب الرحى في اشتغالنا. نعم للاهتمام بمثل هذه القضايا لكن دون التخلي عن أسباب اختيارنا للتموقع في اليسار. صحيح أن أحزاب اليسار هي الأقرب إلى تبني قضايا التغيرات المناخية، لكن علينا ألا نغفل أن التجاوب مع مثل هذا الموضوع لايزال محدودا، إن لن نقل منعدما في الأوساط الشعبية إن لم يكن مقرونا بموضوع العدالة الاجتماعية.
لا ينبغي علينا أيضا ونحن نناقش التنسيق بين حزبينا أن نركن إلى ما أصبح البعض يحاول تكريسه من كون مجتمعاتنا اليوم لم تعد تحتاج إلى يسار قوي. فعموم المواطنين يظلون مرتبطين ومهتمين بقضايا التصدي للفوارق الاجتماعية.
لنشتغل إذا في إطار تنسيقنا على ما يمكن أن يحفز الطبقات الشعبية، عبر الاشتغال في الأوساط الشعبية، عبر التشجيع على الاهتمام بالسياسة وممارسة الفعل السياسي، وذلك لأن أحد أسباب ضعفنا مرده إلى العزوف عن التصويت.
لنشتغل أيضا من أجل إبراز ما يميزنا عن طروحات اليمين المحافظ. في هذا الصدد، يجب التصدي وبقوة للخطاب الذي يروج له البعض والذي ينحو نحو اعتبار جميع الأحزاب متشابهة.
لنجعل من محطة التقارب بين حزبينا فرصة لإعادة الوهج للقيم التي شكلت سبب نشأة أحزابنا. لنجعل من أزمة الديمقراطية التي نجتازها والمتمثلة في عدم رضا فئات عريضة من المواطنات والمواطنين على الطبقة السياسية وفي عزوف العديد منهم عن التصويت والمشاركة السياسية فرصة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي عبر تبني طروحاتهم وعبر سبر انتظاراتهم والتجاوب معها، ومن خلال تجديد طرق تواصلنا معهم. Bas du formulaire
لنراجع أيضا طرق ووسائل انتقاء مرشحينا للاستحقاقات الانتخابية، عبر سلوك طرق جديدة في استقطابنا للمناضلات والمناضلين، مفردين الأولوية في ذلك إلى من يتقاسم معنا نفس القيم، ويتوفر على رصيد من التجارب ويتوفر على مشروعية على المستوى المحلي.
لنبن تنسيقنا أو تحالفنا على شرح دواعيه، على توسيع التواصل حول قواسمنا المشتركة وحول رسم أفق مشرق لعملنا، مع الحرص على أن نهتم في تكويننا لمناضلينا على مناهج العمل السياسي وعلى القيم والمبادئ التي تجمعنا.
حزبا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ينتميان لنفس العائلة، عليهما فقط أن يعملا من أن يجتمعا تحت سقف واحد. هذا ما سيمكنهما من تجميع ليس فقط مناضليهما ولكن مناضلي اليسار بشكل عام ليشكلوا معا قطبا سياسيا قويا مؤثرا قادرا على تولي تدبير الشأن العام وعلى توجيه البلد نحو غد أفضل.

(*) عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات بالحزب


الكاتب : n د. محمد السوعلي (*)

  

بتاريخ : 20/01/2024