في الندوة الوطنية حول «حقوق النساء محطة للتقييم والمساءلة»

خدوج السلاسي: نعيش جيلا آخر من النضالات النسائية بعد الجائحة
حنان رحاب: خطورة وسائل التواصل الاجتماعي على صورة المرأة
عتيقة جبرو: إخراج القانون التنظيمي للمناصفة أصبح ملحا

 

 

نظمت الكتابة الإقليمية الحي المحمدي، البرنوصي، عين السبع و المنظمة الاشتراكية للنساء، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ندوة وطنية حول “حقوق النساء محطة للتقييم والمساءلة”، وهي محطة لتقييم المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية، والتراكمات التي حصلت على مستوى الترسانة القانونية والاجتماعية والسياسية لصالح المرأة، كما تشكل فرصة للوقوف على الثغرات والتراجعات التي شابت هذا المسار، خصوصا في فترة اتسمت بهيمنة المد النكوصي على مستوى القرار السياسي.
الندوة عرفت مشاركة كل من الأستاذات: خدوج السلاسي رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، النائبة البرلمانية وأستاذة الفلسفة عتيقة جبرو، والإعلامية وعضو المكتب السياسي للحزب حنان رحاب، وسير فقراتها عتيقة الراشدي.
تكتسي الندوة أهميتها القصوى كونها تأتي في سياق وطني وعالمي، لا يزال يرخي بظلاله ويعمّق واقع الهشاشة والفوارق، والذي زادته تأزيما جائحة كوفيد 19 التي لم تفرق في تداعياتها بين النساء والرجال، بل قد لانغالي إن قلنا أنها فاقمت وضع النساء خصوصا المعيلات لأسرهن أو المساهمات في تكاليف اليومي الذي يزداد ضغطه يوما بعد يوم.

في تقديمها لمحاور الندوة اعتبرت عتيقة الراشدي، عضو الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات وعضو المجلس الوطني للحزب، أن الثامن من مارس ليس محطة نضالية فارقة ولا يوما للترافع المناسباتي، بل هو محطة لتقييم حصيلة المكتسبات في بلادنا وتثمين الإنجازات، وكذا رصد الاختلالات والتنبيه الى التراجعات، «وهو- أهم من هذا وذاك- يوم وفاء والتزام وتجديد العزم على مواصلة النضال من أجل مجتمع الحداثة والديمقراطية، مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية والمجالية».
الراشدي اعتبرت كذلك أن الندوة مناسبة لفتح النقاش وضخ دماء جديدة في الحركة النضالية والحقوقية النسائية التي يعتبرها الحزب ركنا أساسيا في كل برامجه السياسية، ورافدا مهما في مشروعه المجتمعي.
الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات وعضو الفريق الاشتراكي بالبرلمان خدوج السلاسي، اعتبرت أن عقد هذه الندوة بالحي المحمدي له دلالة قوية، لما يحمله المخيال والوعي الجمعي من رمزية حول هذا الحي الذي اعتبر مهد ومختبر النضال السياسي بالمغرب. كما أكدت في كلمتها أن اختيار عنوان الندوة « 8 مارس محطة للتقييم والمساءلة» لم يكن اختيارا اعتباطيا، بقدر ما له دلالة نضالية، سيما أن المغرب بفضل أحزابه الوطنية، ونضالات حركاته النسائية الجادة، خاض نضالات قوية في ما يتعلق بالارتقاء بحقوق النساء وهو ما تحقق على أرض الواقع، حيث يعتبر المغرب اليوم من الدول الرائدة عربيا في التمكين الاقتصادي والسياسي والحقوقي للنساء، وهو ما تشهد به المنظمات الحقوقية الدولية.
إنه رغم كل ما تحقق من مكتسبات للمرأة المغربية بفضل نضالها الطويل، سواء على مستوى التمثيلية السياسية وإصلاح مدونة الأسرة، وتعديل بعض مواد القانون الجنائي، فإننا نجد أنفسنا أمام ازدواجية قد تصل حد الانفصام المجتمعي بين المُدوَّن والمكتوب، وبين الواقع والممارسة اليومية وهو ما اختزلته السلاسي في سؤال عريض : لماذا لم يتملك بعدُ المجتمع المغربي الحقوق النسائية على مستوى الممارسة والسلوك اليومي للمواطن، مثيرة إشكالية تعثر تطبيق النصوص القانونية التي حُسمت من قبل بإرادة ملكية وبتوافق مجتمعي، دون أن ننسى استمرار المقاومة الثقافية للارتقاء بحقوق النساء والتي تتكئ في جزء كبير منها على الموروث والنص الديني الذي يستأثر الرجل وحده بتأويله بما يخدم تأبيد سلطته.
إن هذه المقاومة الثقافية تحتاج إلى قوى ثقافية مضادة متسلحة بالثقافة الحداثية والمتنورة، وهي القوى التي ساهمت منذ السبعينات في الدفع بملف الحركة النسائية إلى الواجهة، حيث شكلت الطليعة المثقفة داخل الأحزاب السياسية اليسارية وقود معركة النساء ومحركها الإيجابي الذي بفضله تحققت كل هذه المكتسبات.
اليوم تقول السلاسي، ساهم غياب المثقفين عن العمل السياسي والمدني في تراجع أداء هذه الحركات وفقدانها لزخمها الحقيقي الذي أثمر العديد من الإصلاحات المهمة.
وتساءلت السلاسي بما يشبه النداء: لماذا لا تشكل النساء جبهة صلبة مشتركة للترافع عن قضاياهن؟ لماذا لم نهتم بعد بقضايا النساء في القرى والمناطق النائية باعتبار أن مفهوم المرأة ليس واحدا، بل هناك نساء متعددات، وبالتالي فإن سقف انتظاراتهن متعدد تبعا لمجالات اشتغالهن وعيشهن؟
إن الهدف التي اشتغلت عليه الحركات النسائية لم يتحقق بالشكل المنتظر، نظرا لاستمرار المقاومة الذكورية في تلجيم إرادة النساء في التميز والعطاء ، وهو ما يجعل هذه المطالب تحافظ اليوم على راهنيتها ، وأولها التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في سبيل تحقيق ما يسمى اليوم ب»الدولة الاجتماعية» أو الدولة الراعية التي تكفل حقوق المواطنين والمواطنات دون تمييز بسبب الجنس كالحق في التعليم الصحة والشغل. وهو ما يعني حسب المتدخلة أن مساحة النضال لاتزال واسعة أمامنا، لأننا نعيش اليوم جيلا آخر من النضالات النسائية، خصوصا ما عشناه من انخراط للنساء في تدبير الأزمات، وهو ما بدا جليا بعد جائحة كورونا التي كشفت أن للنساء دورا كبيرا في محاربة ومواجهة واستيعاب ومعالجة الأوبئة.
ولفتت السلاسي إلى أننا نعيش اليوم في عالم متحرك ومتوتر بسبب الحروب والأوبئة، تعيش فيه النساء أزمات، وعلى المجتمع تمكينهن اقتصاديا ومعرفيا لمواجهتها، بالإضافة إلى ما نعيشه من تحولات مناخية تكون النساء ضحاياها الأساسيات في مجموعة من مناطق العالم وفي المغرب كما يحدث من تبعات بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار.
من جهتها، اعتبرت الاستاذة عتيقة جبرو ممثلة جهة الدار البيضاء سطات في الفريق الاشتراكي للغرفة الاولى وعضو المجلس الوطني أن الندوة تروم هدفين:
الأول: الوقوف على ما تحقق من إنجازات وتثمينها في سبيل تحصينها؛
الثاني: مراجعة الإخفاقات والتراجعات التي حصلت خاصة على مستوى المدونة، وهو ما يدفع الى تحديد الأولويات بالنسبة لبلد كالمغرب انخرط في العديد من الاتفاقيات الدولية المناهضة لكل أشكال التمييز ضد المرأة، وعليه مرافقة هذا الانخراط على مستوى الممارسة الفعلية والتمكين الحقيق للنساء، خصوصا بعد الانخراط القوي للنساء في التنظيمات والاطارات المدنية، سواء التربوية أو الحقوقية واالاجتناعية
ولفتت جبرو في معرض حديثها الى أن تطبيق المدونة شابته ، منذ إقرار الاصلاحات في 2004 ، مجموعة من الخروقات التي استفادت من الثغرات والنواقص التي شابته، مشيرة الى أن أي قانون لابد له من نواقص لا تُكتشف إلا عند تطبيقه، وهي فرصة على الحركات النسائية المغربية الجادة استثمارها من أجل تصحيح مسار هذه المدونة، والعمل على إقرار مكتسبات جديدة ضمنها، متوقفة عند مسألة استمرار تزويج القاصرات وتزايد العنف ضد النساء الذي ربطته المتدخلة بالشرط الاقتصادي الذي كلما تدهور، كلما ازدادت نسبة العنف الممارس ضد النساء.
إنه رغم ما تحقق على مستوى التمثلية النسائية في مراكز القرار، تشدد جبرو على أن المناصفة يجب أن تكون مبدأ وليست هدفا، مثيرة إشكالية آليات تطبيقها وتفعيلها في ظل غياب قانونها التنظيمي الذي لا يزال طي الرفوف.
عضو المكتب السياسي للحزب والإعلامية حنان رحاب، والمسؤولة في عدد من الهياكل المهنية والنقابية للصحافة، اختارت مقاربة موضوع الندوة من زاوية إعلامية محضة، والتي تعتبر ذات راهنية بالنظر الى تأثيرها على واقع ومكتسبات النساء.
زاوية المعالجة هاته تتمثل في علاقة المرأة والفتاة اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي التي تتجاوز علاقة بإنسان بأداة للمعرفة والتواصل إلى علاقة تشييئية بل ومدمرة في ظل غياب إلمام بعوالم التكنولوجيا والمعلوميات، وغياب الحماية القانونية للنساء ضحايا هذه التقنية.
لقد تضررت ، تقول حنان رحاب، صورة المرأة كثيرا بفعل استغلال النساء في وسائل التواصل الاجتماعي، وبفعل سوء استعمال هذه التقنيات بما يسيء للقيم المجتمعية التي تقوم عليها الأسرة المغربية خصوصا. وهذا الاستغلال السيء أضر أيضا بالمكتسبات التي حققتها النساء طيلة مسارهن النضالي والحقوقي الذي حاولن فيه القطع مع الصورة النمطية للمرأة ولمجالات اشتغالها واهتماماتها، ما يهدد بالعودة إلى المحيط التقليدي والتمثلات الماضوية التي كانت تختزل صورة المرأة في البيت والمطبخ وصالونات التجميل داخل مربع الجسد فقط.
اليوم، تقول رحاب، لم تعد معركة النساء مع المجتمع وتحيزه للثقافة الذكورية بل انتقلت الى مجال أخطر سريع الانتشار هو مجال الانترنت الذي يسوّق لصورة غير مشرفة للنساء، صورة تسعى كل الحركات النسائية الى تغييرها في أفق المساواة والاستفادة من جميع الحقوق سواء في القرى أو المدن، حقوق لا تعترف بالتفاوتات المجالية أو الوظيفية ولكنها تنتصر لإنسانية المرأة أينما تواجدت.
اللقاء لم يخل من لحظات نوستالجية، ربطت الماضي بالحاضر، مسيرة الرائدات بجيل الاستمرارية، وهي لحظة وثقت لحضور القيادية والمناضلة النسائية فاطمة بلمودن رغم المرض والتعب، والتي أبت إلا أن تقاسم الجميع تجربتها النضالية والنسائية في زمن كان النضال حكرا على الرجال، والنساء استثناء لكنه الاستثناء الذي يصنع الفرق.


الكاتب : تغطية: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 10/03/2022