قصة : رأسي تدور

 

أنا متعبة جدا،رأسي تدور…
كان يوما طويلا يشبه السنة؛ في أول يوم دراسي زارتنا لجنة،حدقوا في التلاميذ، ثم فيّ، ثم لاموني لأنني لا ألبس وزرة…اتصل أخي هذا الصباح ليخبرني أن حمودة ابن الجيران صدمته سيارة عند عودته من العمل، قال إن السيارة رفعته إلى الأعلى ثم ارتطم جسده بالأرض، فانكسرت عظام رجله وأصيب بنزيف في رأسه.وعتيقة أخته تبكيه بحرقة لأن اليد قصيرة و الفحوصات كثيرة ولا تغطية صحية للشاب. وحبيبي الإسباني أخبرني أن الله أدار له ظهره،يقول إنه يصلي خمس مرات في اليوم، تماما كما أوصيته، ويدعو الله كثيرا ليوقف ألم المرض الخبيث عن أمه العجوز ويميتها في سلام، لكنه لا يفعل!… وعزيزة،صديقة طفولتي،تزوجت وستسافر مع رجلها إلى بلجيكا، زرت أمها المريضة صدفة فوجدتها عروسا تمد رجليها للحناء وتبتسم في فرح.
ستكتب اللجنة تقريرا مفصلا، أعرف ذلك، سيدبجون خطابا طويلا عريضا عن الأستاذ والقدوة والهندام وكلاما كثيرا عن مستقبل البلاد والعباد!…وحبيبي الإسباني لا يرد على رسائلي في الواتساب،أراه يقرؤها ولا يرد عليها! هل ماتت أمه؟
رأسي تدور كذبابة ارتطمت بزجاج نافذة، وصديقي سعيد نصحني غير ما مرة أن أشرب:
-اشربي يا بديعة،اشربي كي تنسي هذا الخراء!
وزينب، رفيقتي في العمل، عندما أخبرتها عن حبيبي الإسباني، أشهرت اصبعها الأوسط في وجهي،كاد الأصبع يلامس أنفي، قائلة:
-هاكي! لا تحبي أحدا.
قلت :
– وكيف ؟
قهقهت بضحكتها الماجنة مجيبة:
– خلطي يا بديعة، خلطي،خلطي دين مهم ولا تسلمي قلبك لأحد.
عندما اتفق الجيران على أن يساعدوا عتيقة ليتمكن حمودة من إجراء العملية الجراحية، لم يكن في جيبي سوى ورقة من فئة مائة درهم، سلمتها للمكلف بجمع المساهمات فشزرني بنظرة احتقار،سحب الورقة من يدي بقوة وسمعته يقول:
– جميلنا فالبخ!
رأسي تدور وأنا متعبة جدا، وأبي يريد العصير وفدوى ،بنت أختي، تقول إن جميع صديقاتها حضرن اليوم الأول بمحافظ جديدة. حاولت أن أقنعها أن الكتب هي الأهم:
– سنشتري الكتب، بعد ذلك نشتري محفظة.
لكنها كانت تصرخ بقوة تجعل رأسي تدور كذبابة ارتطمت بزجاح نافذة…
صوت سعيد وزينب يأتياني من بعيد و يملآن رأسي:
– اشربي يا بديعة …اشربي…خلطي…خلطي دين مهم…
أفتح عيني بصعوبة،أرى السقف قريبا مني…أراهم كلهم أمامي: اللجنة، حمودة برجله المكسورة،عتيقة بعينيها المتورمتين،الرجل بنظرته المحتقرة، حبيبي الإسباني، أبي الذي يريد العصير، عزيزة وهي تمد رجليها للحناء وتبتسم، فدوى التى تصرخ من أجل محفظة جديدة….وأرى نفسي…أراها متعبة جدا…
أمد يدي للكأس أسحبها في تثاقل، أبتلع حبة الأسبرين وحبتي الليبراكس…ثم أنام.


الكاتب : ربيعة عبد الكامل

  

بتاريخ : 12/08/2021