كواليس نزع فتيل سنة بيضاء بالمدرسة العمومية

بعد خمسة أشهر من الشد والجذب، والعديد من اللقاءات والحوارات والتوقف والمقاطعة، بين النقابات التعليمية والحكومة، وبعد دخول النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية حيز التنفيذ بعد نشره بالجريدة الرسمية، يوم الأربعاء 26 فبراير 2024 عدد 7277، تكون كل الفعاليات وأصحاب النيات الحسنة، قد نجحوا في نزع فتيل سنة بيضاء بالمدرسة العمومية.
هذا الاتفاق بين الحكومة والنقابات التعليمية عرف العديد من التوترات بين الجانبين، ففي الجانب الحكومي كان هناك تخبط بين مكوناتها حيث كان وزراء يدافعون عن الشغيلة التعليمية، ويعتبرون حقوقها المادية والمعنوية مهضومة وآخرون كانوا رافضين الاستجابة لمطالب الأسرة التعليمية، كما كان توتر بين النقابات التعليمية الخمس من جهة، وانسحاب نقابة ورفض نقابات الجلوس مع بعضها البعض، إضافة إلى ما عرفه أحد الاجتماعات الأخيرة من رد فعل عنيف لأحد الوزراء على زميله .. و في النهاية تم التوصل إلى اتفاق يرضي الجميع.

 

النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي التربية الوطنية الذي تم نشره بالجريدة الرسمية بعد التوافق بين الحكومة والنقابات على مجموعة من النقاط الخلافية، والتي كانت مثار جدل بينهما منذ أن شرعوا في الحوار القطاعي مع بداية حكومة أخنوش، بعد توقفه مع الحكومتين السابقتين اللتين قادتهما العدالة والتنمية، أي طوال عشر سنوات عجاف من الجمود، حيث تم تشكيل لجان للبت في العديد من النقط المطلبية سواء في شقها المالي أوالتدبيري، وتوصلوا إلى حل العديد من المشاكل والنقط الخلافية، وما تبقى من التفاصيل الصغيرة في اليوم الأخير قبل المصادقة على النظام الأساسي، بإعطاء النقابات التعليمية المسودة الأخيرة لإبداء ملاحظاتها إلا أنها ستفاجأ في اليوم الموالي بانفراد الحكومة بالمصادقة في المجلس الحكومي، بتاريخ 27 شتنبر 2023، على مشروع المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي قدمه شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، دون إشراك النقابات في الصيغة النهائية، وهي النقطة التي أفاضت الكأس وأججت الأوضاع وسط الشغيلة التعليمية.

شعور بالإقصاء الممنهج والمقصود ورفض النظام الأساسي وتسطير برنامج احتجاجي ضده

عاد التوتر، من جديد، بين الحكومة والنقابات التعليمية حول النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم، الذي تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي، بتاريخ 27 شتنبر 2023، بسب انفراد الوزارة بإحالة النظام الأساسي على الحكومة للمصادقة، دون الحسم في العديد من الملفات والقضايا الخلافية، ما اعتبره أطر التدريس ضربا سافرا لمنهجية الحوار التشاركي، مما أدى إلى تسطير النقابات التعليمية والتنسيقيات لبرنامج نضالي يتضمن كل الأشكال الاحتجاجية وطنيا، جهويا، وإقليميا، للمطالبة بإيجاد حلول للملفات العالقة والإدماج الفعلي والكامل للأساتذة المفروض عليهم التعاقد، في إطار الوظيفة العمومية، بمناصب مالية ممركزة، والقطع مع الهشاشة في القطاع، والرفع من مبلغ التعويضات لجميع موظفي الوزارة، بما فيهم هيئة التدريس، وإنصاف أساتذة الثانوي التأهيلي، بالرفع من التعويضات الخاصة بهم، بمن فيهم المرتبين حاليا في الدرجة الممتازة، والمعالجة الشاملة والمنصفة لملف زنزانة السلم العاشر،
وإنصاف الأطر المتدربة، فوج 2022/2020، وفوج 2023، والتوزيع المتوازن للمهام والأعباء بين مختلف الهيئات والأطر، وتقليص ساعات العمل، وحذف الساعات التضامنية، والإنصاف الفعلي لأطر التدبير والتسيير المادي والمالي، وإنصاف المدمجين (العرضيون والتربية غير النظامية والأطر المماثلة)، وخلق مسار مهني منصف للملحقين التربويين وملحقي الاقتصاد والإدارة، وإنصاف المبرزين وتثمين تكوينهم الأكاديمي، بتنفيذ اتفاق 19 أبريل 2011.
وكذا حل ملفات باقي الفئات المتضررة: ضحايا النظامين – المساعدون التقنيون والمساعدون الإداريون – الأساتذة المكلفون بالتدريس خارج سلكهم – الأطر المشتركة (المتصرفون، التقنيون، المحررون) – الدكاترة – المهندسون – أساتذة الأمازيغية – أساتذة البعثات – أساتذة اللغة العربية والثقافة المغربية – الأساتذة المرسبون – المعفيون – الأساتذة المؤطرون للطلبة المتدربين – أساتذة وأطر مؤسسات التفتح – أساتذة وأطر مدارس.كم – الموظفون الحاصلون على الشهادات العليا…
وبعد انفراد الحكومة بإحالة مرسوم النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية على مجلس الحكومة للمصادقة عليه، بتاريخ 27 شتنبر 2023 ، دون إتمام النقاش في كل مقتضياته، ودون الأخذ بالمطالب الملحة والعادلة لعموم الأسرة التعليمية، ولا بما ورد في اتفاق المبادئ العامة الواردة في محضر 14 يناير 2023، قاطعت النقابات التعليمية شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بعد أن دعاهم للحوار، بسبب ما اعتبرته خروجا عن المنهجية التشاركية، مما أدى إلى تدخل عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، لنزع فتيل التوتر والحسم في الخلاف، مقترحا لجنة وزارية يترأسها وزير التشغيل في المرة الأولى ثم إعادتها إلى وزير القطاع شكيب بنموسى في مرحلة ثانية.

مسيرة وحدوية لأطر التدريس تدفع الحكومة إلى الخروج بتصريحات متناقضة ونارية

في الوقت الذي كانت تعقد جلسة للحوار بين اللجنة الوزارية من جهة والنقابات التعليمية، نفذت التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم والتنسيقية الوطنية لأساتذة الثانوي التأهيلي، يوم الخميس 21 دجنبر 2023، مسيرة وحدوية حاشدة تعبأ لها الكل مطالبة بسحب النظام الأساسي الجديد، وانطلقت هذه المسيرة الاحتجاجية من ساحة البرلمان بشارع محمد الخامس في اتجاه مقر وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، رغم توقيع النقابات والحكومة اتفاقا جديدا يوم الاثنين 18 دجنبر 2023 .
هذه المسيرة الكبيرة لأطر التعليم، جعلت وزراء حكومة أخنوش يخرجون بتصريحات نارية ضد الشغيلة التعليمية، من بينها تصريح وزير العدل عبد اللطيف وهبي قال فيه إن هذه المسيرة « تريد أن تلوي يد الدولة « ، فيما جدد وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، رفضه الحوار مع التنسيقيات، معتبرا أن الحوار لا يمكن أن يتم إلا مع ممثلين مؤسساتيين، لكنه سيوافق في الأخير ويستقبل التنسيقيات، ورغم ذلك ستتواصل الاحتجاجات والإضرابات وسط الشغيلة التعليمية.

الاتفاق على تجميد القانون الأساسي وتكوين لجنة وزارية مكلفة بملف التعليم تحت إشراف رئيس الحكومة

اتفقت الحكومة والنقابات التعليمية على تجميد القانون الأساسي في انتظار تجويده، وإصدار مذكرة وزارية تؤكد تجميد النظام الأساسي الجديد، وإيقاف العمل بكل مواده ومقتضياته وعدم إصدار نصوصه التطبيقية إلى حين انتهاء آجال جلسات الحوار، وإدخال تعديلات على البنود التي أثارت خلافات بين النقابات التعليمية والوزارة الوصية على القطاع، وتحسين دخلهم، وتم الاتفاق على الشروع في أول اجتماع، يوم الخميس 30 نونبر 2023 تحت إشراف رئيس الحكومة وبرئاسة شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ويونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وذلك في أجل أقصاه 15 يناير 2024 ، كموعد نهائي من أجل تحقيق التوافق بين جميع الأطراف حول النظام الأساسي الجديد لموظفي التربية الوطنية، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة.
قبل نهاية المهلة التي اقترحها رئيس الحكومة سيتم الاتفاق بين النقابات واللجنة الوزارية على الزيادة في أجور الأساتذة، يوم الأحد 10 دجنبر، قدرها 1500 درهم مقسمة على سنتين، تبتدئ الدفعة الأولى في 1 يناير 2024 ، والثانية في 1 يناير 2025 ، إضافة إلى مجموعة من الاتفاقات المرتبطة بعدد من الملفات الفئوية منها المساعدين الإداريين والتقنيين، بتعويض قدره 500 درهم و 1000 درهم بالنسبة للأشخاص خارج السلم في الدرجة الخامسة، وبتعويض لهيئة المتصرفين التربويين قدره 500 درهم، لكن المشكل بقي مطروحا ولم يحسم إلا بعد الاتفاق على جميع بنود النظام الأساسي، بمناقشة كل بند على حدة والحسم فيه.

النقابات التعليمية والحكومة تطويان ملف النظام الأساسي ولجن إدارية للبت في مشكل الموقوفين

طوي ملف النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية بين النقابات التعليمية والحكومة، بعد مصادقة مجلس الحكومة، على مشروع المرسوم رقم 2.24.140، بعد هذه الخطوة ثمنت هيئات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ ومعها الأسر المغربية مخرجات الاتفاق مع النقابات التعليمية ودعت إلى استدراك الزمن المدرسي وعودة التلاميذ إلى الأقسام، وجاءت الصيغة النهائية لمشروع النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم، تنزيلا لخلاصات الاجتماعات التي عقدتها اللجنة الوزارية الثلاثية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، في إطار الحوار الاجتماعي القطاعي، والتي توجت بالتوصل إلى توقيع مجموعة من الاتفاقات أهمها اتفاقي 10 و 26 دجنبر 2023، والتي أفضت إلى معالجة عدد من الملفات والقضايا، سواء تلك المتعلقة بالهيئات والمهام والمسار المهني لمختلف الأطر المنتمية للوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، أو تلك المرتبطة بنظام التعويضات المخولة لهم، أو الخاصة بإيجاد حلول لتسوية ملفات أخرى تتعلق ببعض الفئات، فضلا عن عدد مهم من المكتسبات لنساء ورجال التعليم، بغية توفير كل الشروط اللازمة لكسب رهانات الإصلاح وتعزيز الثقة في المدرسة العمومية.
وبلغ الغلاف المالي المخصص لإصلاح قطاع التربية الوطنية 17 مليار درهم، بالزيادة في أجور موظفي قطاع التربية الوطنية على سنتين (9 ملايير درهم)، والتعويضات التكميلية، والمسار المهني لبعض الفئات،
وإقرار الزيادة في أجور كافة موظفي القطاع البالغ عددهم 335 ألف موظف بنحو 1500 درهم، على مدى سنتين، نصفها بداية من يناير 2023 والنصف الآخر خلال السنة المقبلة، كما أن أجرة موظف القطاع في بداية مساره ستبلغ 6 آلاف و600 درهم كأجرة صافية شهريا، عوض 5 آلاف و100 درهم كأجرة صافية شهريا.
ورغم هذا الاتفاق التاريخي بقي مشكل الأساتذة الموقوفين بسبب الإضرابات التي خاضوها عالقا، لكن بعضهم سيبدأ بالتوصل بقرار استئنافه للعمل مع عقوبة إنذار والتزام بعدم ارتكاب الأفعال، التي أدت إلى عقوبة التوقيف، لكن هذا الإجراء استثني منه منسقو التنسيقيات الموقوفون الذين سيعرضون على المجالس التأديبية…
تدبير ملف الموقوفين وإرسال لجن جهوية للنظر في ملفاتهم، كما سبق لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة كشفه خلال ندوة صحفية، لم يمر مرور الكرام على فئات من الأساتذة خصوصا أساتذة الثانوي التأهيلي الذين أعلنوا رفضهم الشديد لكل الإجراءات التعسفية غير القانونية التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في حق الموقوفين والموقوفات، واصفين اللجن التي أرسلتها الوزارة التي سميت بالجهوية بغير القانونية وطالبوا، من خلال تنسيقيتهم، بإلغاء كل الإجراءات التي تم اتخاذها بإعادة الموقوفين والموقوفات إلى عملهم دون قيد أو شرط مع رفضهم الاقتطاع من أجور المضربات والمضربات وتوقيف أجور الموقوفين والموقوفات ودعوتهم لإعادة الأموال المقتطعة إلى أصحابها، محملين الوزارة وحدها مسؤولية هدر الزمن المدرسي.
خلاصة القول أن النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم، رأى النور بعد عشرين سنة من آخر نظام أساسي، وبعد حكومتين سابقتين قفلتا باب الحوار مع النقابات التعليمية، ولم تلتزما بما تم الاتفاق عليه، في اتفاق 26 أبريل 2011، وهي خطوة جريئة ستساعد، لا محالة، في طمأنة الأسر المغربية من جهة وأطر التدريس من جهة ثانية.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 09/03/2024