مجموعة الشركات بين الواقع الاقتصادي وغياب الإطار القانوني المنظم لها

 

تعد مجموعة الشركات من أبرز أساليب التركيز الاقتصادي، وواقعا اقتصاديا، والتي تمتد على المستوى الإقليمي والدولي، وتعمل على تعزيز النسيج الاقتصادي الوطني بسبب تنوع خدماتها وتعدد فروعها، ذلك أن هذه الكيانات تشكلت نتيجة عمليات التركيز التي شهدتها الشركات، بغرض فرض سيطرتها اقتصاديا وتذليل مختلف المخاطر التي تصاحب عادة عمليات انجاز وتنفيذ مشاريعها، وكذا بغرض تجنب المنافسة إذا تعلق الأمر بإنتاج وتسويق منتوجات متماثلة.
إن هذا التنظيم يمزج بين التبعية الاقتصادية والاستقلال القانوني، حيث تمارس نشاطها الاقتصادي بواسطة عدة أشخاص مستقلين قانونيا عن بعضهم البعض، لكن مع خضوعهم لسلطة التوجيه الاقتصادي والمراقبة والإدارة من طرف الشركة الأم، وذلك بكون أن هذه الشركات تحافظ على شخصيتها الاعتبارية مستقلة.
ويعد التشريع الألماني بموجب القانون الصادر في 6 سبتمبر 1965 هو التشريع الأول على المستوى الأوروبي الذي وضع نظاما قانونيا متكاملا لمجموعة الشركات، وعلى منواله سارت بقية التشريعات الأوروبية مع إقرار التفاوت بين التشريع آخر، رغم المزايا التي لا يمكن إنكارها لهذا التنظيم، فقد ظل فاقد للإطار القانوني الذي ينظمه.
والملاحظ أن هذا التنظيم يعرف غياب إطار قانوني تشريعي خاص به، وتكمن ذلك في عدم توفق المشرع إلى تحديد إطار خاص بها نظرا لطابعها المتغير والمتطور، والتي يجعلها لا تستقر على حالها.
إذ أن المشرع المغربي لم يواكب هذه المجموعات إلا بشكل محتشم، من خلال تحديد بعض المفاهيم المتعلقة بالمجموعات، إذ يوجد فراغ على المستوى التشريع المغربي، خلافا لتشريعات المقارنة.
فبالرجوع إلى التشريع المغربي يتضح أنه اقتصر على تحديد بعض المفاهيم في قوانين متفرقة في إطار قانون الشركات من خلال المادتين 143 و144 من قانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، حيث جاء في المادة 143 على أنه:» يقصد بمفهوم المادة السابقة:
بالشركة التابعة شركة تملك فيها شركة أخرى تدعى الأم أكثر من نصف رأس المال.
بالمشاركة: تملك شركة في شركة أخرى لجزء من رأس المال مابين 10% 50%».
أما المادة 144 من نفس القانون فقد تطرقت إلى مفهوم المراقبة شركة لشركة أخرى، كما جاء في القانون رقم 26.03 المتعلق بالعروض العامة في سوق البورصة في مادته 19، حيث حدد مجموعة الشركات وردت صياغته كما يلي:
يراد بمجموعة الشركات المجموعة المتألفة من شركة أم وشركات تابعة، وكذا الشركات التي تملك فيها شركة أم أو الشركات التابعة لها أو هما معا مشاركات والتي تراقبها وفقا للمادة 144 من قانون الرقم 17.95.
كما عرفها القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل في المادة 19 وإن كان يتجاهل مفهوم المجموعات إلا أنه يتناولها في سياق تغيير على الوضعية القانونية للمشغل أو على الطبيعة القانونية للمقاولة.
وكذلك القانون الجنائي والذي لم يذكر مفهوم المجموعات إلا من خلال الأحكام المتعلقة بالإساءة استعمال أموال الشركة بموجب المادة 127 منه، والمادتين 42 و88 و384 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.
وبخصوص القانون البنكي وقانون المحاسبة، حيث كانا من أكثر القوانين اهتماما بمجموعة الشركات، وذلك من خلال المدونة العامة لتوحيد الحسابات، والتي اعترفت بوجود مجموعة مستقلة، والتي خصصت لها فصلا كاملا (الفصل السادس من المدونة)، والذي تم مواكبته في القانون البنكي رقم 103.12 في المادة 21 منه، ودوريات مجلس القيم المنقولة، والتي تلزم توحيد حسابات شركات الائتمان بموجب المادة 73 من قانون المتعلق بمؤسسات وهيئات المعتبرة في حكمها.
أما من الناحية الجبائية فالمشرع المغربي لم يتبنى نظام ضريبي خاص بالمجموعات، والذي يطلق عليه «بنظام الادماج الضريبي للمجموعات»، بل فقط قام بتطبيق نظام القواعد العامة، الذي لا يخدم مصالح المجموعات مما يجعلها أقل تنافسية بالمقارنة مع نظيرتها في الدول الأخرى، اللهم بعض التعديلات الضريبية التي تتعلق بالتحفيزات، كالعفو الضريبي من أجل تشجيع الوفاء بما في ذمتهم تجاه الخزينة العامة، بإضافة مع منحهم إعفاء من الغرامات الناجمة عن التأخير في أداء الضريبة.
علاوة على ذلك فقد تم انشاء نظام ضريبي لصالح عمليات إندماج الشركات ودمجها، حيث أنه قبل دخول قانون المالية لسنة 2017 لحيز التنفيذ، نجد أن المادة 162 من مدونة العامة للضرائب وكذلك الفقرة 15 من المادة 247 منه والتي تم تطبيقها بموجب قانون المالية لسنة 2010، وتم تمديده بموجب قانون المالية لسنة 2013 إلى غاية شهر دجنبر 2016 كجزء من استمرارية سياسة التشجيع لإعادة هيكلة الشركات وتحسين قدرتها التنافسية.
كما تضمن قانون المالية لسنة 2017 على التطبيق الدائم للنظام الضريبي الانتقالي المنصوص عليه في الفقرة 15 من المادة 247 من مدونة العامة للضرائب، فيما يخص دخول حيز التطبيق وأحكام الانتقالية والتي تتمحور حول تشجيع الشركة على الاندماج من خلال الامتيازات والتشجيعات، وفي المرحلة الثانية من قانون المالية لسنتي 2017 و2020، الذي عدل المدونة العامة للضرائب بمادتين جديدتين:
المادة 161 مكرر الأولى التي أرست مبدأ الحياد الضريبي فيما يتعلق بنقل الممتلكات الاستثمارية بين أعضاء مجموعة الشركات.
المادة 20 مكرر التي تنص على التزامات إعداد التقارير لشركات المجموعة المعنية بعملية نقل الملكية.
فقد نصت المادة 161 مكرر الأولى من مدونة العامة للضرائب على إنجاز عمليات تحويل أموال الاستثمار بين الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات دون أثر جبائي على حصيلتها الجبائية، حيث تتم هذه العمليات بين أعضاء مجموعة الشركات المؤهلة بهذا النظام الضريبي المكونة بمبادرة من شركة تسمى شركة الأم، التي تمتلك بشكل مستمر بطريقة مباشرة وغير مباشرة 80% على الأقل من رأس مال الشركات المذكور، مع إضافة استثناء هيئات التوظيف الجماعي العقاري من هذا النظام، والتي جاءت مفصلة بمذكرة دورية عدد 727 والمتعلقة بالقانون المالية رقم 73.16 لسنة 2017.
فالمغرب تبنى بعض الإصلاحات لكنها ظلت محتشمة بسبب عدم تبنيه لنظام الادماج الضريبي لدفع بالاقتصاد الوطني لمنافسة الشركات الدولية، عكس أغلب الدول الأوروبية التي تخضع شركاتها إلى نظام جبائي خاص، فالمكانة الهامة لمجموعة الشركات في الاقتصاد تبرر خصوصا على المستوى الجبائي، إذ أن كل التقنيات تسعى في تأطيرها للمجموعات إلى مراعاة ميزة الوحدة الاقتصادية المميزة للمجموعات وهو ما جعل كل بلد يسعى للتعامل مع مجموعة الشركات كمكلف وحيد بالضريبة والمسؤول عن دفعها أمام الخزينة العامة. كما تقدم لها كذلك تحفيزات جبائية هامة تمكنها من إحداث مقاصة شاملة بين الأرباح والخسائر المحققة صلب نفس المجموعة، وكذلك بتحييد العمليات البينية وممارسة معاملات خاصة بين أعضاء المجموعة، وهذا ما يجعلها أكثر تنافسية على المستوى الدولي.
وحيث يظهر جليا رغم أن المشرع لم يضع إطارا قانونيا خاص بمجموعة الشركات فإن هذا الغياب يجد فيه المشرع انعكاسا إيجابيا من خلال السماح لها بالعمل بمرونة أكبر، وقدرة على استيعاب مختلف الأشكال والنماذج، خاصة خلال مرحلة التأسيس والتسيير.
إذ أن الحركية الاقتصادية للمجموعات الشركات تجعل من الصعب وضعها في قالب قانوني جاهز يعدم حرية التطور لديها، فكان الطرح الإبقاء على واقع الحرية مع تدخل تشريعي محدود، رغم عجز المشرع عن مواكبة التحولات المتسارعة الطارئة في مجال المال والأعمال، وبالتالي عجزه عن إيجاد حلول ملائمة لمعالجة نقائصه وثغراته.
وختاما يجب على المشرع المغربي العمل على توفير إطار قانوني خاص يؤطر مجموعة الشركات، ويواكب التشريعات، ويضع قواعد عملية من أجل تحقيق أهدافها بعيدا عن الجمود والاستقرار لتكون أكثر تنافسية على الصعيد الإقليمي والدولي.

(*) محام متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء


الكاتب : علي ناشط الادريسي (*)

  

بتاريخ : 09/09/2023