نداء الى المغاربة أشفقوا على المنفقين منكم

شاهدت البارحة على «اليوتوب» فيديوهات مؤلمة لآباء مغاربة بسيطي الحالة المادية. تألمت لحالة أحدهم كان على وشك البكاء، وهو يقول إنه سيبيع الثلاجة لكي يشتري خروف العيد، لأن زوجته وأبناءه لن يسامحوه اذا لم يفعل.
تساءلت إذا باعت هاته الاسرة ثلاجتها، فأين ستحتفظ بلحم العيد؟ كيف ستقضي الصيف بدون تبريد مأكولاتها، وبدون ماء بارد؟ ألهذا الحد وصلت بنا القسوة بأولياءنا؟ أن نقسو ونهدد بتحطيم اسرنا من أجل سنة وفرض عين وليس واجبا دينيا من الأصول؟
أنجرح آباءنا من أجل قطعة شواء؟
سأحكي لكم حكاية وقعت لأسرتي ذات عام في هذا الشآن.
في العام 1988، كنا قد انتقلنا إلى مدينة الرباط، ملتحقين بأبي الذي كان يتم دراسته العليا، وكان إصرار ابي على تحسين وضعه ومتابعة تعليمه العالي، وهو ابن اسرة فقيرة من واحة تنجداد. حُرم من الدراسات العليا واشتغل معلما في سن السادسة عشرة من أجل إعالة أمه وإخوته اليتامى، وكان هذا من دواعي إعجابي الشديد به.
كانت مصاريف الكراء الغالية ومصاريف شراء الكتب وطبع بحث التخرج ثقيلة، وانضاف إليها اقتطاع مبلغ تسعمائة درهم لبناء مسجد الحسن الثاني حملا قصم ظهر ابي. أتى عيد الاضحى، وما بيد أبي شيء. جمعنا وتحدث إلينا بوضوح، وقال: «ماذا نفعل؟». شرح لنا ان الذبيحة سنة نبوية غير إجبارية، بل فرض عين إذا قام بها البعض سقطت عن الكل. قلنا له نحن الخمسة وآمنا «افعل ماتراه صالحا».
لم نشتر الأضحية وحتى ملابس العيد. اكتفينا ببعض القطع من الجوطية مقابل دريهمات قليلة.
يوم العيد اشترينا دوارة خروف وكيلو كفتة وصنعنا حلوى بسيطة، وذهبنا عشية العيد سيرا على الاقدام من الرباط إلى سلا، لأننا لم يكن معنا ثمن الحافلة. تمشينا عبر البحر وكنا سعداء جدا.
لم نحدث أبي بألمنا ونحن نشم رائحة الشواء، والأطباق الشهية تتصاعد من عند الجيران الذين لم يكلفوا انفسهم عناء أن يعرفوا إن نحن عيدنا أم لا. لم نؤلم أبي ولا احرجناه بتوقنا للضلعة والمروزية والراس المبخر.
لماذا؟
لأن ما يجمع الأسر ويخلق سعادتها ليس حجم الخروف ونوعه السردي وغيره، ولا طول قرونه، بل هي عواطف الحب والتراحم التي يزرعها الله بين الأفراد الذين يشكلون أسرة التي هي نواة المجتمع، فإن سلمت من أذى أفرادها لبعضهم البعض سلم المجتمع، وان انبنت على الإيذاء والعنف النفسي والبدني فسد المجتمع.
إن الغاية من سن الذبيحة منذ سيدنا ابراهيم هو التحول من تقديم القرابين البشرية للآلهة الى تقديم القربان الخروف. كان الناس في الأديان الوثنية يذبحون العذارى تقربا للآلهة واتقاء لغضبها إلى أن أتت رؤية سيدنا ابراهيم بأن الله أمره بأن يذبح ابنه. قاد اب الانبياء ابنه إلى الجبل وهمَّ بذبحه من شدة طاعته لربه. حين رأى الرب مدى طاعة ابراهيم وابنه افتدى الولد وحول القربان من انساني إلى حيواني.
هاته الفدية من أجمل ما أتت به الأديان التوحيدية بالإضافة إلى اخلاقيات اخرى جميلة ومليئة بالموعظة. هاته الفدية تعلمنا أن الاصل في العقيدة التوحيدية هو «تقديم النفس على النص». ومن يقول بـ «تقديم النص على النفس». فهو مغرض وضال عن مقاصد الشرائع التوحيدية ففي التوراة والإنجيل والقرآن نجد أية مشتركة دالة «من قتل نفسا بغير حق فقد قتل الناس جميعا ومن احياها فقد احيا الناس جميعا».
فهنا النفس مقدمة وغاية الغايات والقتل قد يكون بالإيذاء النفسي واللفظي وتحميل الانسان ما لا طاقة له. إن من جماليات تديننا المغربي هو اليسر فنحن لم نتعود المشاداة في الدين والغلو، وما نراه من مظاهر الغلو المحدث هو دخيل على تديننا وثقافتنا. فلننتبه جميعا، ولنعد الى جوهر الدين الذي أتى لرفع الأذى عن الناس وتحقيق أمانهم النفسي والروحي.
لننتبه إلى أننا حولنا عيد الاضحى إلى مناسبة لبيع مقتنيات الأسر الفقيرة من أجل فرض عين، وفقط من اجل المباهاة مع الجيران حول حجم الخروف ولونه وأشياء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد حولنا عيد الأضحى الى مناسبة لافتراس اللحم صباح مساء، بما فيه ضرر لصحتنا، ومن إغفال لجانب الإيثار. اذ المفروض التصدق بثلث الذبيحة لكي تحسن العبادة وحولنا شوارعنا أيام العيد إلى مزابل فيها الهيضورات والقاذورات مسيئين إلى البيئة ومضرين بشروط الحياة الصحية.
لقد حولنا رمضان إلى مناسبة للتهافت على أكل المعجنات والسكريات المضرة بالصحة وسلامة الدماغ. حولناه إلى مناسبة للتباهي بموائدنا العامرة، ونشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز الذي يبث هاته الصور على طبقات عريضة من شعبنا تتضور جوعا في رمضان وغير رمضان.
لقد حولنا الحج الى مناسبة لشراء اسم الحاج وسمعة جديدة بين الناس. نحتفل بسفر الحاج في حفلات تذبح لها الذبائح وتصرف لها الاموال وتبذر على غير ذي حق من سائل ومحروم، ويعود الحاج ونسقبله بحفل أكثر تبذيرا وننتظر ماذا حمل لنا من أقمشة صينية رديئة الصنع.
لقد حولنا الصدقات إلى رياء ومباهاة، وفينا من يلتقط صورا مع فقراء يعطيهم علبة دانون ويمن عليهم ويذلهم وينشر صور عظمته وكرمه في صفحته بالفايسبوك.
لقد انحرفنا عن مقاصد الشرائع الدينية الثلاث التي تشترك في التعاطف والإيثار وتقديم النفس وسلامتها من الاذى كيفما كان.
إن غلونا في الدين وإصرار أبنائنا وزوجاتنا على الخروف ذي القرون الطويلة هو الذي يجعلنا نرضخ لمن بهم مرض، أولئك الذين يتاجرون بديننا من أجل الوصول الى الحكم، فيشترون لنا الخروف مقابل صوتنا في الانتخابات، وهذا شراء ذمة ورشوة يجب أن نرفضها، فنخلص لله ونخلص للوطن بحيث لانفسد نزاهة الانتخابات.
أيها المغاربة
ارحموا بعضكم البعض، وأشفقوا على المنفقين منكم، آباء وأمهات، فإن الله لن يؤاخذكم على ذبيحة هي فرض عين ولكن تسالون عن إيذاء أهاليكم وأوليائكم.
ارحموا بعضكم البعض يرحمكم من في السماء.
اضحية العيد لمن استطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
عيد مبارك لكم جميعا مع وجود أو عدم وجود الأضحية. فرمزية الفداء بالحيوان بدل الانسان هي الحكمة من عادة نبينا ابراهيم التي أخذناها عنه نحن كمسلمين.

* كاتبة ومحللة نفسانية استاذة فلسفة وفكر اسلامي سابقا


الكاتب : حنان درقاوي *

  

بتاريخ : 21/07/2020