هكذا أنا أيضا

الأمهات ينتابهن القلق حين يتأخر فلذة الكبد خارج المنزل، غياب دون إعلام مسبق أو مبرر، خاصة البكر أو الوحيد، أو أخ البنات، درجات القلق والارتياب تزداد كلما تمطط الليل، وأحيانا رغم دراية الأم طبيعة سبب الغياب مسبقا، والوجهة والموضوع بحذافيره، فتأخر لبعض من الزمن يشرع أبواب الوسواس الخناس، وينتابها القلق، وتتسابق الصور والسيناريوهات المزعجة والقاتمة التي تفضي إلى المأساة والألم والحزن، وكلما أوغل الليل حضرت السلطات الأمنية في ذهن الأم، والخصام، والمستشفى، وحادثة السير ووو…،
النعاس ينهض من فراشه، ويجاورها دون أن يمس جفنيها، وأذناها لاصقة بالباب، والظلمة تزداد عتمة، والقلب في سباق مع الدقات، لن تهدأ الأجواء، في ظل غياب أعز الأبناء، تتبدد الغيوم حين التأكد من حضور أفراد الأسرة جميعها، إن لم يطرأ طارئ يهطل الوجوم.
حين القدوم، يبدأ السؤال: هل تعرف كم هي الساعة الآن؟ وقبل المراهقة قد يطالك الضرب دون هوادة، أما إن اشتدت العضلات، تبدأ بنصائح منفعلة، وكلمات نابية، ولو زاد الابن طولا ووزنا، أو حلق ذقنه، عتاب يفقد حلاوة السهرة، ويتلف خلايا الاستمتاع بجلسة الأصدقاء، وينقلب اللقاء إلى سين دون جيم، وأنت لا تنبس ببنت شفة، إنها الأم، وتسمعك ما جال في خاطرها بسرد جميع الأفكار الملونة التي استعرضتها من خلال شريط جد طويل أثناء ترقب المجيء.
تسأل عن الأب، يتحاشى الحشر، يترقب المشهد، يخشى التدخل، فيحضر الضرر، ليس إلى حد ما تخال، كما يقول المثل: الأسد يزأر لكن لا يلتهم صغاره. ولكن لا يريد اكتشاف ما يدخله في غليان، ويتدهور الوضع، ويفتح باب التهور، لذا يغطي نفسه في الفراش، ويحلم مستيقظا بفخر أن الطفل رجل، حان وقت الاعتناء بنفسه، الأب العاقل المتزن يتجنب العنف الذي لن يجلب إلا العدوانية والتوتر والتنافر. الأب غالبا ما يحدث مسافة للتخفيف من الضغوط العاطفية والجسدية، إشارة للاحترام البينية.
ولماما ما تتدخل هيئة الإطفاء، بحجة إزعاج النوم، عسى أن ترجح كفة الصمت.
تفرغ الأم ما بداخلها، ثم لا تلبث أن تسألك هل أنت جائع؟ تقوم إلى المطبخ، ويعم الصمت، تهيئ الطاولة مع شاي منعنع وتنظر إليك بجوارحها، كأنها تقول لك: تظل طفلا في أعين أمك مهما كبرت، إني أحبك يا ولدي، تصبح على خير، ولا تعيد الكرة. ولا تزال الأم دوما حريصة على مراقبة الابن وتتبع خطواته.


الكاتب : محمد الشاوي

  

بتاريخ : 09/03/2024