9 توضيحات للعلامة الحسين أيت سعيد حول جواز صلاة التراويح من عدمه خلف التلفاز

بعد الجدل الذي طرحته «فتوى» العلامة الحسين أيت سعيد حول جواز صلاة التراويح من عدمه خلف التلفاز، أوضح العلامة ما يلي:
«في إطار استشكال بعض الفضلاء لجوابي عن سؤال ورد علي من بلجيكا حول جواز صلاة التراويح من عدمه خلف التلفاز، أوضح ما يلي:
أولا هذا نقل وعرض لما في المسألة وليس فتوى، لأن الفتوى تكون جماعية لا فردية، والذين سموها فتوى فذلك شأنهم وليس في كلامي من بدايته إلى نهايته ما يشير إلى أنه فتوى وحتى لوكانت فتوى فليست بملزمة لأحد.
ثانيا، ماعرضته ليس رأيي الخاص، وإنما هو رأي لكبار الأئمة.
ثالثا، هذا الرأي مقيد بزمانه ومكانه كما هو مبين في النصوص المنقولة، فلا يفهم منها التعميم على الإطلاق، فلا يجوز لأحد في المغرب أن يقتدي بأحد في المشرق أوفي أوربا وأمريكا للفارق الشاسع في أوقات الصلوات بيننا وبينهم، إذ كيف يمكن لواحد في المغرب عنده العصر وواحد في المشرق عنده العشاء أن يقتدي به في التروايح وهو لم يصل بعد المغرب ولم يدخل عنده العشا.
فإذن البلدان النائية إذا توهم أحد دخولها فهي غير داخلة على الإطلاق. وتبقي المسألة منحصرة في مكان واحد يشترك أهله في اتحاد وقت الصلاة. وحتى في البلد الواحد لا تجوز المسألة عند اختلاف الأوقات، فمثلا واحد في مراكش لا يصح له أن يقتدي بواحد في وجدة لأن العشاء فيها متقدم بخمس عشرة دقيقة أو أكثر، وكذا من كان في العيون لا يقتدي بمن في مراكش لأن الوقت يتفاوت بينهما بعشرين دقيقة أو أكثر.
فإذا كان هذا لا يصح في بلد واحد في مدنه وقراه فكيف يتخيل في أماكن بعيدة؟
ولذا فالمسألة عند من قال بجوازها من المالكية والشافعية مفروضة في إطار ضيق جدا في المكان الواحد المتقارب للضرورة، وهذا كله مفهوم من كلام الأئمة الذي ذكرناهم. ولولا الالتباس الذي وقع لبعض الناس فظنوا التعميم لما احتجنا لهذا التوضيح.
رابعا، هذه القضية قد أجاب عنها بعض المعاصرين، ولم تثر أي إشكال فقد كتب فيها الشيخ أحمد بن الصديق كتيبا وهو فقيه مالكي بامتياز ومن كبار المحدثين.
وكتب فيها الأستاذ عبد لله بن الطاهر حفظه الله مقالا قيما موثقا ومفصلا دالا على تمكنه من الفقه المالكي منذ ثلاث سنوات تقريبا أو سنتين، ولم يثر ذلك أي إشكال.
ولم أقل أنا أكثر مما قاله هؤلاء الجلة.
خامسا، المسألة مطروحة في بلجيكا التي يمكن أن يسمح فيها في رمضان بالصلاة في بعض المساجد، ولم تطرح في المغرب الذي أغلقت فيه المساجد إلى حين ارتفاع الوباء. فالمسألة مقيدة بمكانها وزمانها لا تتعداه.
سادسا، النوافل بابها واسع، فلا ينبغي المشاحنة فيه. فمن صلاها جماعة أو فرادى أولم يصلها فله ذلك فلا نضيق فيما وسع الله فيه.
سابعا، المسألة اجتهادية من القائلين بها. فلا ينبغي أن نضيق ذرعا بالمخالف فيها وخاصة إذا تعلقت بنوافل الدين لا بأصوله.
ثامنا، كما نحرص على سد الذرائع يجب أن نحرص على فتحها، وأن لا نجعل الدين كله ذرائع فالمسألة تخضع للموازنات.
تاسعا، هذه المسألة ومثيلاتها تدل على الانفتاح والمرونة التي يتسم بها الفقه الإسلامي عامة والمالكي خاصة الذي ينبغي أن يقدم للعالم، وهذا وقت الحاجة إليه. فقد كان اللادينيون يلمزون فقهاء الشريعه ويتهكمون بأنهم مشغولون بالكلام في الطهارة والمراحيض والغسل والحيض والنفاس، فهاهم اليوم أرغمتهم كورونا على الالتزام رغم أنوفهم بالطهارة التي يلمزون بها غيرهم واضطروا إلى تركيب حنفيات الماء في مراحيضهم بعد ما كانوا يقتصرون على استعمال المناديل.
فالفقه الإسلامي يستوعب الحياة كلها وهذا وقت تقديمه للعالم وإبراز أن عنده حلولا ناجعة للمعضلات.
وقد بينت جائحة كرونا أن علماء الفقه والشريعة هم أشجع الناس وأرحم الناس وأسرع إلى اتخاذ المواقف العملية للحد من آثار هذه الكارثة. فهذا العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة أفتى بجواز تقديم زكاة سنتين في هذه الجائحة مساعدة للفقراء والمحتاجين، ولم نسمع عن جهة علمانية اتخذت مثل هذه المبادرة وعلماء الشريعة هم أول من يجيب داعي الحق عند الكوارث لذا ففقهنا الموروث والمستنبط صالح للحياة، ولم يعد هناك مجال لإنكار هذه الحقيقة بعد ما كشفها هذا الوباء .
والمغرب بفضل لله ثم بقيادته الحكيمة سيتجاوز هذه المحنة عما قريب إن شاء الله وبأقل الخسائر.
فعلى العلماء أن يرفعوا رؤوسهم بما عندهم وأن يوسعوا صدورهم للاجتهادات ما دامت تستند لأصل شرعي وسيعود الناس للمساجد أحسن مما كانوا عليه وأن جماعتهم ستتقوى أكثر.
نسأل الله أن يحفظ بلدنا وسائر البلدان من شر هذا الوباء وأن يحفظ أمير المومنين الملك محمد السادس الذي أبان عن عطف وحزم وتضامن مع شعبه وإدارة الأزمة بحكمة لم يسبقه إليها أحد.
فعلينا بالدعاء وعلى لله الاستجابة».


بتاريخ : 22/04/2020