بنكيران وبلاغ وزارة الخارجية المغربية، رسائل سياسية ملغومة

محمد إنفي

انتظر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، صدور بلاغ وزارة الخارجية والتعاون والمغاربة المقيمين بالخارج في شأن التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، ليوجه ما يسمى في حزبه بـ»لجنة العلاقات الدولية»(كذا)، لإصدار بلاغها حول هذا البلاغ الذي وُصف بالمتأخر.
ما سر تكليف اللجنة المذكورة بالتفاعل مع بلاغ وزارة الخارجية بدلا عن الأمانة العامة للحزب؟ فهل هو تهرب مقصود أم من أجل إثبات أن للحزب مؤسسات؟ وهل اللجان تقوم مقام الأجهزة حتى تنوب عن هذه الأخيرة؟ قد يكون هدف بنكيران، هو الاختباء وراء اللجنة المذكورة ليمرر رسائله على طريقته المعهودة (اللعب على الحبلين). لكن اللجنة أقحمته في مقدمة البلاغ بالإشارة إلى أن الاجتماع تم بتوجيه من الأمين العام للحزب.
ويسجل البلاغ المذكور في أول نقطة له أسف اللجنة العميق «للغة التراجعية لبلاغ وزارة الخارجية الذي خلا، على غير العادة، من أية إشارة إلى إدانة واستنكار العدوان الاسرائيلي ومن الإعراب عن التضامن مع الشعب الفلسطيني والترحم على شهدائه، بل وخلا أيضا من أية إدانة لاقتحام الصهاينة لباحات المسجد الأقصى المبارك».
بعد ذلك، يسجل البلاغ، في نقطته الثانية، استغراب اللجنة الكبير «لكون البلاغ المذكور ساوى بين المحتل والمعتدي الإسرائيلي والضحية الفلسطيني(…)، وهو ما يعني الهروب من إدانة المعتدي، وهو موقف غريب لا يشرف بلدنا، في الوقت الذي عبرت فيه مجموعة من الدول العربية والإسلامية الشقيقة عن مواقف واضحة في تحميل المسؤولية للاحتلال الإسرائيلي وإدانة عدوانه الإجرامي».
وقد يكون أهم شيء في هذا البلاغ، هو النقطة الثالثة المتمثلة في لجنة القدس. وربما أن في هذه الإشارة رسالة لجهات قد تجد فيها غاية مفيدة. لقد جاء في بلاغ لجنة بنكيران: «نذكر أن الهدف العام من تأسيس لجنة القدس، التي تشكلت بقرار من منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بفاس سنة 1975، كان هو حماية القدس من المخططات والمؤامرات الصهيونية لتهويد القدس، ولا يمكن لبلدنا الذي يرأس لجنة القدس في شخص جلالة الملك حفظه لله، إلا أن يكون سباقا للدفاع عن القدس الشريف وعن الأقصى المبارك».
فهل معنى هذا الكلام أن بلدنا لم يعد سباقا للدفاع عن القدس الشريف؟ وهل يدرك أصحاب هذا الكلام خطورة الخلط بين السياقات والمقامات؟ خصوصا، وأننا نعلم أن جارتنا الشرقية التي هي من الدول العربية والإسلامية الشقيقة التي عبرت «عن مواقف واضحة في تحميل المسؤولية للاحتلال الإسرائيلي وإدانة عدوانه الإجرامي»، والتيعارضت، في مجلس الأمن، بيانات الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطيني، التي تقدمت بها المجموعات العربية والإسلامية وحركة عدم الانحياز؛ لا لشيء إلا لكون هذه البيانات تضمنت إشارات إلى الدور المحوري الذي تضطلع به لجنة القدس ورئيسها، جلالة الملك محمد السادس.ولهذا السب، خلت سجلات مجلس الأمن، ولأول مرة، من بيانات المجموعات السالفة الذكر. لننتظر كيف ستستغل الجزائر، في هجومها على المغرب، هذه «الهدية» من العدالة والتنمية.
بعد هذا القوس حول النقطة الثالثة من البلاغ، ننتقل إلى النقطة الرابعة التي تشير «إلى خطورة الانزلاق في هذا المنحى الذي عبرت عنه لغة بلاغ وزارة الخارجية، والذي لا يليق ببلادنا ومواقفها المشرفة، ولا ينسجم مع مواقف الشعب المغربي الراسخة في دعم القضية الفلسطينية (…)، ونؤكد أن التطبيع، الذي ما فتئ الحزب يعبر عن رفضه له، لا يمكن أن يبرر السكوت عن إدانة العدوان الصهيوني الإجرامي…».
ويبقى حزب العدالة والتنمية، بقيادة عبد الإله بنكيران، وفيا لازدواجية الخطاب والمواقف. هل نذكره بأن الأمين العام السابق للحزب، سعد الدين العثماني، هو الذي أشَّر على الاتفاق الثلاثي باسم الدولة المغربية؟ فمحاولة التنصل من التطبيع لا ينفي عن هذا الحزب الذي يدعي المرجعية الإسلامية، النفاق والازدواجية.
يؤكد البلاغ، في الأخير (النقطة الخامسة)، «أن بلادنا تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله، الذي أكد أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، ستبقى بإذن الله قلعة صامدة للدفاع عن القدس والأقصى وفلسطين، حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة».
يطرح البلاغ الذي قدمنا نقطه الخمس، الكثير من الأسئلة ويستوجب العديد من الملاحظات. لنتساءل، في البداية، عن اللجنة التي صاغت البلاغ. ما طبيعة هذه اللجنة التي تسمى لجنة العلاقات الدولية لحزب العدالة والتنمية؟ هل يدرك هذا الحزب الفرق بين العلاقات الدولية والعلاقات الخارجية؟ بكل تأكيد لا؛ وإلا لما اختار هذه التسمية. وإذا تجاوزنا هذا الأمر، فما هي العلاقات التي نسجتها هذه اللجنة مع شركاء حزب العدالة والتنمية «الدوليين»؟ ومن هم هؤلاء الشركاء؟ أخشى أن يكون الأمر مجرد اسم بلا مسمى، مرر من خلاله بنكيران رسائله الملغومة والمشبوهة.
لماذا لم يفعل حزب العدالة والتنمية ما فعلته بعض الأحزاب والمنظمات التي أصدرت أجهزتها بيانات أو بلاغات، عبرت من خلالها عن مواقفها وقدمت مطالبها للحكومة والدولة، ممارسة بذلك حقها الدستوري دون لف أو دوران. وهناك أحزاب أخرى اكتفت بتصريح صحفي لقياداتها(نذكر على سبيل المثال، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الأستاذ إدريس لشكر؛ وننصح، بالمناسبة، السيد بنكيران بالاطلاع على التصريح المذكور ليفهم معنى السياسة ومعنى النضج السياسي ومعنى الواقعية السياسية، إلخ؛ إن كان لا يزال لديه قدرة على الاستيعاب).
وإذا استحضرنا ما كان يقوله بنكيران عن الديبلوماسية المغربية يوم كان رئيسا للحكومة – حيث كان يتحجج دائما بأن مجال الديبلوماسية محفوظ للملك- فلابد أن نتساءل عما جد اليوم حتى يخلط بين الديبلوماسية الملكية وديبلوماسية الحكومة؛ إذ محتوى البلاغ الذي نحن بصدده يناقض جملة وتفصيلا كل ما قاله سابقا عن الديبلوماسية المغربية.
فهل حزب العدالة والتنمية ينتقد الديبلوماسية المغربية في شخص وزير الخارجية؟ أم أنه ينتقد الملك الذي قال عنه بنكيران بأن مجال الديبلوماسية محفوظ له؟ وإذا كان الأمر كذلك، فانتقاد بلاغ وزارة الخارجية، هو انتقاد للملك. هل لبنكيران ولحزبه الشجاعة الكافية للخروج من هذا اللبس وهذا الغموض بخطاب صريح وواضح؟ فاللعب على الحبلين، غالبا ما يوقع صاحبه على رأسه، بالمعنى المجازي، طبعا.

 

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 12/08/2022

التعليقات مغلقة.