رمضان الفضيل…لا مفر من تذكر الفرض الديني في طبيعته الأولى

 عبد السلام المساوي 

معروف على سكان المغرب حرصهم الكبير على الالتزام الديني، وحرصهم الكبير جدا على أداء وممارسة الشعائر ذات الطبيعة الدينية .
ولقد منح الإسلام أهل المغرب وسيلة لتأكيد هويتهم الثقافية، وهي الوسيلة التي تحولت في نهاية المطاف إلى محرك رئيسي للحركة الوطنية .
كان المغرب دائما ذا بنية جماعية متماسكة، وذا توجه مذهبي واحد، وكان أهله وما زالوا متآزرين معتزين بدينهم وهويتهم ووطنهم، لهذا كانوا وسيظلون وطنيين صادقين، أبطالا ساهموا في تحرير البلاد من الاستعمار ويساهمون الآن في البناء والتنمية .
هذا هو جوهر التدين المغربي قبل أن يفسده الذين تعرفوا على الدين فقط عبر القنوات المشرقية.
اليوم مظاهر التدين الخارجية والمهيأة للنشر عبر الفيسبوك والانستغرام والتويتر متوفرة بكثرة. بالمقابل الدين / المعاملة الذي يعني للمسلمين كل شيء لم يعد له أثر إلا نادرا …
حضرت المتاجرة بالدين وغاب الدين، وهذه كارثة حقيقية…
إن الدين المعاملة، وإن إماطة الأذى عن الطريق أمر مستحب في الدين، وإن درء المفسدة – مثلما علمنا فقهاؤنا الحقيقيون وعلماؤنا الفعليون – مسبق على جلب المصلحة، وإنه لا يحق لك – لكي تؤدي طقوس عبادتك – أن تمس إنسانا آخر أو أن تضر به بأي شكل من الأشكال…
حاشا أن يكون هؤلاء ممثلين للدين الإسلامي أو مدافعين عنه، أو حتى منتسبين له لأنهم لا يفهمونه ولا يعرفون عنه إلا العناوين العريضة .
لله مصدر للطمأنينة في حالة الخوف، ومصدر القوة في حالات الضعف…
لكن لله لا يأمر عباده بأن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، لقد وهبهم كل ظروف التيسير في عبادته؛ أجاز لهم إفطار رمضان، وأجاز لهم تقصير الصلاة، وفرض الحج على من استطاع إليه سبيلا …في طقوس عبادته التي هي واجبات غير قابلة للإسقاط بكون لله رحيما، فكيف لا يكون أكثر رحمة لمن يطرقون أبوابه طلبا لرحمته .
الإشكال ليس في اللجوء إلى لله، ولا في التكبير والتسبيح ولا في التراويح، الإشكال كل الإشكال في الانتحار الجماعي باسم لله، وفي الشروع في قتل الآخرين باسم التضرع إلى الرب، والدين نفسه يعتبر الانتحار كفرا وخروجا عن الملة، وهو نفسه لا يقبل أن يلحق المؤمن الأذى بأخيه المؤمن .
مهم جدا أن ينبري علماء الأمة المغربية في هاته اللحظة الحرجة التي نعبرها لكي يوضحوا للمؤمنين أن درء المفسدة مسبق على جلب المصلحة…
مهم جدا أن يقول العارفون بالدين حقا، الدارسون له، الحافظون لكتاب لله تعالى للناس أن لله يوجد في كل مكان، وأن الأصل في عبادة الصلاة هو الاختلاء بالخالق جل وعلا ومناجاته بصدق، وأن كثيرا من مظاهر التدين الاجتماعي والجماعي التي نتخيلها ضربا من ضروب الدين هي مجرد تمظهرات لا أقل ولا أكثر .
أما التراويح فالرسول صلى لله عليه وسلم كان يصليها بدون جماعة ولا طقوس كما نراها اليوم، ولم تصبح كذلك إلا مع الخليفة عمر بن الخطاب، وبما أن الفاروق ليس مصدرا للسنة، فإن أمر هذه الصلاة يبقى عادة أكثر منه عبادة .
اليوم حاجتنا للإنصات لفقهاء ديننا من بني وطننا أي المتشبعين بإسلامنا المغربي الوسطي المعتدل الخالي من مظاهر الغلو والتطرف، السليم النية، الصافي التوجه للخالق عز وجل، هي حاجة ماسة لأننا أمضينا ردحا من الزمن استكان فيه بعضنا للأجنبي وأسلمه قياده .
فقدنا أو كدنا نفقد المرتكزات التي أسست علاقة المغربي بدينه وأتانا خوارج كثر بدين لا علاقة لنا به فرضوه علينا قسرا بديلا للإسلام الذي جبلنا عليه .
هؤلاء المغالون يتلقون اليوم الدروس تلو الدروس من المغرب والمغاربة أننا نعرف علاقتنا بخالقنا مباشرة دونما وسيط، وأننا نعرف مصالحنا الدنيوية ونسيرها أفضل من المتطرفين ووفق ما قاله رسول لله صلى لله عليه وسلم للمؤمنين: أنتم أعرف بشؤون دنياكم.
علينا أن نستعيد ثقتنا بعلمائنا وفقهائنا وأن نفهم أخيرا أن كثيرا مما حرك في السابق « فقهاء « الحركات والجماعات إياها لم يكن من الدين في شيء بل كان السياسة كلها . فقط لا غير .
شهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك، فرض من ديننا الإسلامي، الغرض الأول منه الإحساس بالضعيف، لا البقاء جوعى وعطشى اليوم كله قبل التفاخر بالأكل والملابس وصور الذهاب إلى الصلاة .
وشهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك فرضه رب العباد على العباد، لكي يحسوا بمن هو أقل منهم، ولكي يطبقوا الآية الكريمة عن الذين في أموالهم حق للسائل والمحروم .
وشهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك كان دوما وأبدا لدى المغاربة شهرا مقدسا حد عدم القبول المساس به وبتقاليده وشعائره، وحد جعله لحظة توبة للجميع بمن فيهم العاصي الذي يمضي سنته كلها في التهاون في تطبيق الفرائض والسنن  .
لا مفر من تذكر الفرض الديني في طبيعته الأولى. لا مفر من التخلص من التظاهر المتفاخر بأشياء لا تفاخر فيها وتمس جوهر هذا الفرض المقدس .
لا مفر من تذكر ضعفائنا خصوصا في هاته اللحظة الحرجة بالنسبة لأغلبيتهم .
لا مفر من العودة إلى ذواتنا والانكباب على إصلاحها وانتقاد أنفسنا عوض شغل البال بطوله في انتقاد الآخرين وفي تتبع عوراتهم وعيوبهم مما يحبل به مجتمعنا المعطوب نفسانيا .
لا مفر من الالتفاف حول العائلة الصغرى أولا، تلك التي فرضت علينا كورونا أيام زمن الحجر الصحي،  أن نعود إليها أكثر من الوقت السابق لكي نربي الوافدين بعدنا على أمور نسيناها أو تناسيناها في زحمة الجري وراء اللاشيء ووراء العدم، ووراء أمور كانت تبدو لنا قبل زمن كورونا مهمة جدا، واتضح، وهذا الوباء فرض حجره العام على الجميع، أنها نافلة وغير ذات أهمية بل هي أتفه من التفاهة بكثير .
قد نمتلك تلك الفطنة التي لم نمتلكها في السابق من الأوقات: أن نمنح أرواحنا وأنفسنا فقط مهلة صغيرة للتأمل وللتفكير في كل شيء. وبعدها سيعود لنا اختيار المضي في أي اتجاه نريده من الاتجاهين : اتجاه المواصلة في الأنانية المرضية المفرطة، أو اتجاه الرهان على الخلاص الجماعي للإنسانية كل الإنسانية دون أي استثناء، وذلك هو جوهر الدين المرسل إلى العالمين، وليس إلى جنس بعينه أو طائفة بعينها.

الكاتب :  عبد السلام المساوي  - بتاريخ : 24/03/2023

التعليقات مغلقة.