التجديد والانفتاح.. نهج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتخليق المشهد السياسي ومواجهة التغول في المغرب

محمد السوعلي

نظرا لأهمية البيان السياسي الصادر عن المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (برلمان الحزب) ،مؤخرا، سنعمل على تسليط الضوء وتحليل المعطيات الواردة في البيان بخصوص المشهد السياسي العام وما تعتريه من اختناقات وإخفاقات ترجع بالأساس إلى سوء تدبير الشأن العام الوطني والمحلي من طرف أغلبية «التغول»، التي أبانت عن عجزها في تدبير القضايا الاستراتيجية والحيوية للبلاد، كما أبانت عن ضعفها في تنزيل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أعطى انطلاقتها عاهل البلاد في مناسبات عديدة.

الديمقراطية والتنمية متلازمان لتحقيق التقدم والنماء

كل هذه الإخفاقات أثارها الكاتب الأول للحزب، بكل جرأة ووضوح ومسؤولية، عند حديثه عن محدودية الحكومة في تدبير شؤونها ومعضلة نمط الاقتراع وغياب الحكامة المؤسساتية وتفشي الفساد والريع واستغلال الدعم الاجتماعي والسكن الاجتماعي لأغراض انتخابية وتهميش دور المعارضة في البرلمان وتخليق السياسة.
في نفس الإطار، ركز تقرير برلمان الحزب على ضرورة تحصين الوحدة الترابية وتعزيز الديمقراطية والتنمية المستدامة وتطوير الشراكات الدولية وتوسيع الدعم العالمي لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء وإعطاء الأولوية للتطورات التنموية في المناطق الجنوبية والتعامل الحكيم والمتبصر مع التحديات الدولية والمحلية، والملاحظ في هذا الخصوص أن حكومة «الغلاء «لم تستطع أن تحافظ على التقدم الحاصل في قضية وحدتنا الترابية وفي النجاحات الديبلوماسية والتطورات التنموية والمؤسساتية، كما أنها أبانت عن عجز في التنزيل السليم لمقتضيات ومتطلبات الدولة الاجتماعية رغم أنها كانت محظوظة، لتزامن توليها لتدبير الشأن العام للأوراش الملكية الكبرى، من دون شك، هذا ما جعل برلمان الحزب يسلط الضوء على القلق من العجز السياسي والمؤسساتي الذي يعتري التدبير الحكومي في تدبير ملف التعليم والصحة والجماعات المحلية، مشيراً إلى الحاجة لمواكبة هذه القطاعات الحيوية لكونها من أهم ركائز الدولة الاجتماعية، والتي تحتاج إلى توافق مجتمعي حولها، ومن نفس المنطلق، انتقد البيان السياسي التدبير الحكومي لهذه الملفات الاستراتيجية واعتبر تجاذبات الحكومة الداخلية وافتقارها للكفاءة السياسية والتشريعية ومحاولاتها لإضعاف العمل المؤسساتي وانعدام التوازن بين البرلمان والحكومة وبين الأغلبية والمعارضة وغياب الحوار مع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين من أهم أسباب تراجع النمو وتفاقم البطالة.
التدبير الحكومي المختل لا يساير المخططات والاستراتيجيات الملكية الطموحة
ليس من مصلحة البلاد أغلبية ومعارضة أن يختل التوازن السياسي والاجتماعي بتقويض المؤسسات الدستورية و‬تعميق الفجوة وعدم الثقة بين مؤسسات الدولة وبين المواطن، ‬وتعطيل الأداء المؤسساتي ‬الدستوري والعمل بأدوات المراقبة من قبيل ملتمس الرقابة ولجن تقصي ‬الحقائق، ‬كآليات اشتغال لدى البرلمان والمعارضة خصوصا. لقد أصبحنا أمام واقع مرير بحيث أن التغول الحكومي لم يستثن مؤسسات الدولة، هذا الأمر قد يؤدي إلى خطر تكريس منطق الحزب الوحيد ضدا على المبادئ الدستورية والديمقراطية المتعارف عليها دوليا.

الاتحاد الاشتراكي منفتح على كل المقتضيات والإصلاحات التي ستؤسس لمرحلة جديدة تعيد التوازن والمصداقية للعمل السياسي

لقد أكد برلمان الحزب في بيانه السياسي على مجموعة من الاقتراحات لإصلاح المشهد السياسي ونخص منها بالذكر:
تشجيع الحوار بين مكونات اليسار الوطني لبحث إسهام الاشتراكية في التنمية والديمقراطية الوطنية والعمل مع المعارضة البرلمانية لتقديم ملتمس رقابة بمجلس النواب وملتمس مساءلة الحكومة بمجلس المستشارين، كرد على محاولات الحكومة لإضعاف دور البرلمان.
هذا الإجراء يأتي كرد على محاولات الحكومة لإفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها وتعطيل دورها، خاصة مع تهرب رئيس الحكومة والوزراء من جلسات المساءلة الشهرية والأسبوعية، كما تهدف هذه الخطوة إلى ضمان تحقيق الرقابة الفعالة على أداء الحكومة وتعزيز مبدأ المساءلة في العمل البرلماني.
وقف استغلال الدعم الاجتماعي كأداة انتخابية، مع التأكيد على أهمية تحصين هذا الدعم من خلال منع استخدام الدعم الاجتماعي كأداة انتخابية وتحويل ثقة المغاربة في الدولة الاجتماعية إلى مصلحة انتخابية ضيقة تفعيلا لمحتوى الفصل 159 من الدستور الذي ينص على أن «تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة؛ وتستفيد من دعم أجهزة الدولة؛ ويمكن للقانون أن يُحدث عند الضرورة، علاوة على المؤسسات والهيئات المذكورة، هيئات أخرى للضبط والحكامة الجيدة
أزمة القطاعات الاجتماعية والحوار الاجتماعي: الباب المسدود

التقرير السياسي يبرز أهم التحديات التي واجهت وما زالت تواجه قطاع التعليم والصحة والجماعات المحلية بسبب عجز الحكومة عن الاستجابة المبكرة للحلول التي تقدم بها الاتحاد الاشتراكي كمعارضة بناءة ومسؤولة مما أدى إلى تفويت الفرصة للخروج من الأزمة الخانقة التي يعرفها قطاع التعليم.
في ظل هذا الوضع الاجتماعي المتأثر بالتضخم وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات،على الحكومة أن تتبع نهج الحوار المسؤول وتعميمه على كل القطاعات الاجتماعية والإنتاجية لتحسين دخل مختلف فئات العاملين في القطاعين العام والخاص. ويشدد التقرير على أن الدولة الاجتماعية التي يجب أن تكون كيانًا موحدًا متكاملًا يجمع كل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتفاوض الاجتماعي، مما يتطلب من الحكومة تأهيل أدائها للتقدم به إلى مستويات محمودة، كما يدعو التقرير أعضاء الحكومة إلى تحسين أدائهم في مجالات الحوار البناء والتفاوض المنتج، ويؤكد على ضرورة التكامل والفعالية في تنفيذ السياسات الاجتماعية عبر القطاعات المختلفة ويشدد على أهمية تسخير القدرات الحكومية لضمان النمو والرخاء والاستقرار، مع التأكيد على النهج المتعدد الأطراف مع الهيئات النقابية والعمالية.
إعادة ترتيب البيت الاتحادي من خلال إعادة تنظيم القطاعات الحزبية في أفق عقد المؤتمرات الإقليمية لإعطاء الفرصة لتكريس خيارات الحزب نحو الانفتاح والتجديد، والتشبيب بناءً على الإمكانيات المتوفرة قصد إفراز تنظيمات حزبية فاعلة في المجتمع وقادرة على تعزيز الدينامية التنظيمية عبر هيكلة العديد من القطاعات الحزبية الموازية كقطاعات المحامين، التعليم العالي، الصحة، المهندسين، والطلبة والتجار الصغار والمتوسطين ….​​.
تعزيز الحضور المؤسساتي والتأطير الفاعل للشباب والنساء
دور القطاعات الموازية مثل الشبيبة الاتحادية والقطاع النسائي في التقرير السياسي يُظهر التأثير الإيجابي لهاته القطاعات على الحياة التنظيمية للحزب. المطلوب من منظمة النساء الاتحاديات والشبيبة الاتحادية أن يواصلا أنشطتهما الإشعاعية والتأطيرية في مختلف أقاليم وجهات المملكة، لما لهما من إسهامات، وبشكل بارز، في تعزيز الديبلوماسية الموازية.
هذه الآليات تُظهر التزام الحزب بتقوية تنظيمه الداخلي وتوسيع تأثيره في الأقاليم والجهات، من خلال الانفتاح والتجديد وتعزيز الفعالية الحزبية عبر تأطير كل التنظيمات الحزبية في الداخل والخارج.

عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات

الكاتب : محمد السوعلي - بتاريخ : 15/02/2024

التعليقات مغلقة.